1300x600

تعتبر القدس من أقدم المدن التاريخية في العالم، حيث يزيد عمرها على 45 قرناً. ومنذ زمن طويل يسعى الصهاينة لتهويد المدينة، وتفننوا في المقترحات لتحقيق ذلك، فمرة تدويلها، حيث ذكر العديد من الصحف الأجنبية فكرة التدويل، وحُددت الجهات التي تكون هذه المدينة المقدسة تحت إشرافها، وهي أميركا والأمم المتحدة وإسرائيل، ومصر والسعودية والأردن وفلسطين.


والحجة أن هذه المدينة تهم جميع الأديان السماوية، ولا أعرف أي حجة هذه تنطبق فقط على القدس ولا تنطبق على غيرها من الأماكن المقدسة والمزارات التي يؤمها الملايين من أقطار العالم كافة. 


وذهبت فكرة التدويل في مهب الريح، وجاءت بعدها فكرة الولاية الدينية على المدينة المقدسة، وعرضوا على الرئيس عرفات سابقا الولاية الدينية على المقدسات الإسلامية في القدس مع سيطرة كلية لإسرائيل عليها، وقد رفض، ثم عرض الرئيس كلينتون على عرفات 30 مليار دولار لقاء قبول مقترحات واشنطن ومن خلفها إسرائيل حول القدس، وقد أجاب عرفات قائلاً: إذا وافقت على أي تنازل مهما كان حجمه في قضية القدس، فإن الذي سيطلق عليّ النار هو أخي فتحي عرفات.


وسقط مقترح الولاية الدينية، وها هم الصهاينة الآن بكل صلافة وتحد للعالم كله يعلنون بأن القدس عاصمتهم الأبدية، بعد قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس. 


بيت المقدس مدينة السلام، أكبر مدن فلسطين التاريخية ترزح تحت الاحتلال الصهيوني منذ سنين، وتطالب بعض الفصائل الفلسطينية مثل «فتح» بالقدس الشرقية فقط، حسب اتفاقية الهدنة 1949، وحسب اتفاقيات أوسلو بحل الدولتين، بينما ترفض بعض الفصائل الأخرى تلك القرارات والاتفاقيات باعتبار القدس كلها عاصمة فلسطين العربية. 


ونحن العرب دائما نصحو من غفوتنا الطويلة على كارثة، فندين ونشجب ونتظاهر ثم نهدأ، ماذا بعد قرار ترامب نقل السفارة؟ وماذا بعد تصويت الأمم المتحدة ضد القرار؟ وماذا بعد بيانات الإدانة والشجب؟ 
صمت عربي على ما يحدث للمدينة المقدسة منذ زمن طويل، يرون بأعينهم تهويد الأراضي وتشريد الأهالي، ويرون الحفريات الصهيونية أسفل الأقصى، وكل الأدلة تثبت بإن الصهاينة يستخدمون حوامض كيماوية في عمليات الحفر أسفل المسجد الأقصى لإقامة الكنيس وبناء الهيكل، وهذه الحوامض تعمل على تفتيت الصخور مع الزمن وتنتقل الى أساساته عبر مياه الأمطار والرطوبة ما يؤدي إلى تصدع المسجد الأقصى، فهل ينتظر العرب حتى يتصدع الأقصى وينهار ثم يدينون ويستنكرون؟


يذكر الدكتور اللبناني محمد السماك، الأمين العام لمؤتمر الحوار الإسلامي - المسيحي، بإن الصهيونية أنشئت ما يعرف بالجمعية اليهودية المسيحية الإنجيلية في أميركا، وقد أصبح عدد أعضائها يفوق 70 مليون أميركي، منهم بعض الرؤساء الأميركيين، أمثال ريغان وبوش وترامب، وقد تم تشكيلها من اليهود والمسيحيين المتطرفين اليمينين الذين يعتقدون بإن المسيح سيظهر على هيئة غمامة في السماء إذا هُدم المسجد الأقصى وتم بناء الهيكل على أنقاضه، وبعدها ستقوم «معركة هرمجدون» التي تسيل فيها الدماء أنهارا، وهنا يظهر المسيح (الدجال)... وهم يدربون منذ الآن الخدام والعاملين في الهيكل الذي سيقام على أنقاض المسجد الأقصى!


ماذا ينتظر العرب لكي يحركوا ساكنا؟ هل ينتظرون «هرمجدون» لكي يتفرجوا على الدماء؟ 
تعتبر القدس حسب القوانين الصهيونية عاصمة لكيانهم من دون أن يُعترف بذلك دوليا، لكن ليس ببعيد على العرب أن ينتظروا لكي تعترف تدريجيا بعض الدول وتكرّ السبحة، فننام ونصحو على اعتراف غالبية الدول!


وفي التصويت الأخير للأمم المتحدة، نلاحظ أنه ليس بالعدد القليل من خسرنا صوته، 65 دولة، مجموع من غاب وامتنع عن التصويت ووافق على قرار الكاوبوي الأميركي القبيح، ففي كل يوم نخسر تأييد دولة نخسر فيه القدس.


ماذا ينتظر العرب؟ أن تنقل هذه الدول سفاراتها إلى القدس لكي يدينوا ويشجبوا؟
يبلغ تعداد سكان القدس، حسب جهاز الإحصاء الفلسطيني 1،076،000 ضمن مساحة 125 كم²، منهم 542 ألف يهودي، وبنسبة 59 في المئة يهود و41 في المئة من الفلسطينيين، في حين كانت نسبة اليهود عام 2000 لا تزيد على 40 في المئة.


وهذا يعني إننا في كل يوم نتأخر فيه عن فعل شيء تجاه القدس ستزداد أعداد الصهاينة ويقل العرب حتى يتم تهويد المدينة كلها. 


الصهاينة منظمون يحددون أهدافهم بدقة ويعملون على تحقيقها بكل الطرق والوسائل، أما نحن العرب فنعيش في الفوضى والفساد ونستمتع بالحروب في ما بيننا!


ماذا يمكن أن نقول؟ الحرقة في قلوبنا وليس بيدنا إلا أن نحيي صمود الشعب الفلسطيني العظيم على أرضه، هذا الشعب الجبار الذي في كل لحظة يضرب لنا مثلا في الفداء والتضحية، وليست عهد التميمي وغيرها من أبطال فلسطين، إلا نماذج مشرفة للصمود والإباء والكرامة التي تفتقدها بعض الأنظمة العربية.