اقتصاد عربي

موازنة السودان الجديدة تربك الأسواق.. والدولار بـ29 جنيها

مطالب سودانية بتدخل الدولة لحسم ما يحدث بالأسواق وإحكام الضبط والرقابة عليها- جيتي

تفاعلت الأسواق السودانية مع قرار الحكومة بزيادة سعر صرف الدولار الرسمي والجمركي إلى 18 جنيها في الموازنة الجديدة، التي أجازها البرلمان، الأسبوع الماضي، مقابل 6.9 جنيه في الموازنة السابقة.


وبررت الحكومة السودانية تحريك سعر صرف الدولار في موازنة العام الجاري، باستهدافها تقليص فجوة أسعار الصرف مع السوق الموازية (25 جنيها لكل دولار)، واستعادة تعامل النقد الأجنبي في القنوات الرسمية (البنوك).


ويعيش السودانيون أوضاعا معيشية صعبة، تزامنا مع دخول موازنة العام الحالي حيز التنفيذ، إذ أدت بدورها إلى ارتفاع جميع أسعار السلع الاستهلاكية.


وقدرت الحكومة عجز موازنة العام الجاري 28.4 مليار جنيه (4.11 مليار دولار)، تشكل نسبته 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.


ارتفاع الأسعار


في المقابل، ارتفعت جميع أسعار السلع الاستهلاكية في الأسواق بنسبة 250 بالمائة لبعض السلع، وفي مقدمتها الخبز والأدوية والألبان.


وتشهد العاصمة السودانية، الخرطوم، أزمة خبز طاحنة بعد أن أعلنت المطاحن الرئيسية بالبلاد زيادة أسعار "جوال" الدقيق المستخدم في الخبز بنسبة 100 بالمائة.

 

الحكومة السودانية قامت برفع الدعم عن القمح وترك أمر استيراده للقطاع الخاص


وبررت المطاحن الخطوة، بأن الحكومة السودانية قامت برفع الدعم عن القمح، وترك أمر استيراده للقطاع الخاص بدلاً عن الحكومة، التي كانت تستورده بالدولار الرسمي البالغ 6.9 جنيه.

 

اقرأ أيضا: انتشار احتجاجات الخبز في السودان ومقتل طالب

ويقترب الدولار في الأسواق الموازية (السوداء) من حاجز الـ29 جنيهاً، إذ بلغ سعر الدولار في الأسواق الموازية، أول أمس السبت 28.80 جنيه مقابل 18 جنيها السعر الرسمي للدولار.


بدورها، أعلنت جميع المخابز بالعاصمة الخرطوم (الجمعة الماضي)، عن تسعيرة جديدة للخبز بأن يكون سعر القطعة جنيها سودانيا واحدا مقارنة بالسعر السابق (قطعتا خبز بجنيه)، بنسبة زيادة 100 بالمائة.


ويبلغ حجم الاستهلاك المحلي من القمح بالبلاد 2.2 مليون طن، منها 1.920 مليون طن توفر عن طريق الاستيراد من الخارج، و280 ألف طن من الإنتاج المحلي؛ بحسب إحصائية حديثة لغرفة المصدرين (أهلي).


وأصابت حمى ارتفاع الأسعار جميع السلع الاستهلاكية، بجانب الخبز الأمر الذي أدى الى ارتفاع وتيرة التذمر وسط الشارع السوداني، وأوردت وسائل أعلام محلية وجود مظاهرات محدودة في بعض مدن البلاد.


ووفقا لورقة علمية أعدتها الغرفة القومية للمستوردين (أهلي)، تحصلت عليها وكالة الأناضول، فقد ارتفع سعر كيلو الفول المصري من 3.2 جنيه إلى 7.40 جنيه بنسبة ارتفاع 131 بالمائة، فيما ارتفع كيلو اللبن من 11.40 جنيه الى 19.90 جنيه.


تشكيل لجنة اقتصادية لمنع الانفلات في أسعار السلع الاستهلاكية


في غضون ذلك، أعلنت وزارة التجارة السودانية عن فرض إجراءات وضوابط مشددة للرقابة على أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية.


وأعلن وزير التجارة "حاتم السر"، الثلاثاء الماضي، عن تشكيل لجنة اقتصادية لمنع الانفلات في أسعار السلع الاستهلاكية، بعد تحريك سعر الدولار إلى 18 جنيها، في موازنة العام الجاري.

 

اقرأ أيضا: متى يصبح تعويم العملة حلا لأزمات الدول العربية الاقتصادية؟

تحريك الدولار


ويرى رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة القومية للمستوردين (أهلي)، نادر عمونوئيل، أن السبب في ارتفاع أسعار جميع السلع الاستهلاكية بالأسواق، يرجع إلى تحريك الدولار الجمركي إلى 18 جنيها.


وقال عمونيئل: "حتى السلع المنتجة محلياً ارتفعت أسعارها نتيجة لأن مدخلات إنتاجها مستوردة من الخارج وخاضعة للرسوم الجمركية".


ورأى أن القرار الذي طبقته الحكومة بزيادة التقييم الجمركي للواردات، لم تعمل الحكومة السودانية فيه على مراعاة الحالة المعيشية للمواطن.


ولفت إلى أن أكثر من 80 بالمائة من السلع الاستهلاكية تستورد من الخارج، لمجابهة الصناعة السودانية مشاكل كبيرة من بينها ارتفاع تكلفة الانتاج.


ويعتمد السودان في معظم احتياجاته الاستهلاكية على الاستيراد، وبلغت وارداته للعام الماضي نحو 6.4 مليار دولار، وفقاً لإحصائيات وزارة المالية.


زيادة الدولار الجمركي بنسبة 200 بالمائة


ودافعت الحكومة السودانية عن قرار زيادة الدولار الجمركي بنسبة 200 بالمائة، بأنها أعفت أكثر من 63 بالمائة من الورادات من التقييم الجمركي، بحسب ما قاله وزير الدولة بالمالية عبدالرحمن ضرار في تصريحات صحفية سابقة.


وأوضح ضرار أن جميع مدخلات الإنتاج معفية من أية رسوم جمركية، فضلا عن السلع الأكثر استهلاكا لدى الشعب السوداني والمتمثلة في (العدس، الأرز، الفول، الخميرة).


جشع تجار


ويرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين بالخرطوم، عصام بوب، ما يحدث في الأسواق السودانية، والفوضى في الأسعار، لأنها أصبحت خاضعة لأهواء التجار.


وشدد بوب على أهمية تدخل الدولة لحسم ما يحدث بالأسواق، وإحداث مزيد من الضبط والرقابة عليها، رغم تبني السودان لسياسية التحرير الاقتصادي.


وعاد مستدركاً وقال إن "سياسية التحرير لا تمنع من تدخل الدولة للرقابة، وأن الدول التي تنتهج منهج التحرير تلزم التجار بوضع تسعيرة واضحة على كافة السلع الاستهلاكية ".


وتابع: "أقل ما يمكن أن تفعله الحكومة، هو مراقبة الأسواق، وإلزام التجار بوضع التسعيرة مع وضع عقوبات رادعة للمخالفين".


ورأى بوب أن الاقتصاد السوداني تحكمه "الفوضى وعدم اليقين"، وذلك ناتج لاستفحال الأزمات الاقتصادية منذ الاستقلال (1956)، ما يتطلب تدخلا عاجلا من الحكومة، على حد قول الأكاديمي الاقتصادي.