سياسة عربية

أمين عام "العفو الدولية" يحذر من "مصيدة" وعود ابن سلمان

ملصق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان - أ ف ب

قال الأمين العام لمنظمة العفو الدولية "أمنستي" سليل شيتي إن وريث عرش المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان لديه مخططات كبيرة تستند إلى تعهده بـ"نكث غزل ما يزيد عن نصف قرن من الحياة المحافظة".

وأوضح في مقال له بمجلة "نيوزوويك" إنه ينبغي على المجتمع الدولي أن لا يقع في مصيدة الإطراء على وعود لا يدري هل تتحقق أم لا بينما يتجاهل بكل أريحية الوضع القائم على أرض الواقع.

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

المملكة العربية السعودية وملابس الامبراطور الجديدة

يعكف ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان على القيام بمهمة رسالية، فلدى وريث العرش السعودي مخططات كبيرة لمملكته المستقبلية حيث تعهد بنكث غزل ما يزيد عن نصف قرن من نمط الحياة المحافظة، مقدماً رؤية جديدة في غاية الجرأة يتم من خلالها تقليص نفوذ الشرطة الدينية ومنح النساء المزيد من الحرية.

لا يمكن بحال اتهامه بأن طموحاته محدودة.

ثمة مؤشرات مبكرة على أن نفوذه بدأ يؤتي أكله. فسوف ترفع القيود المفروضة على ممارسة النساء لقيادة السيارات، ويجري الإعداد لخطط طموحة لتنفيذ مشاريع تنمية اقتصادية جديدة، وأطيح بالعديد من أعضاء العائلة الملكية الحاكمة في حملة تطهير شنت مؤخراً بأوامر صادرة عنه شخصياً.

كثير مما سبق استقبل بترحاب شديد من قبل البلدان التي تحرص على تعميق أواصر التعاون الاقتصادي بينها وبين المملكة. إلا أن المقياس الحقيقي عما إذا كانت المملكة العربية السعودية تتغير فعلاً نحو الأفضل أم لا ليس بعدد أو طول الأعمدة الصحفية التي تكيل المديح، وإنما بشكل الحياة التي يعيشها المواطنون العاديون داخل المملكة العربية السعودية.

منذ تعيينه ولياً للعهد لم نر ما يجعلنا نصدق أن اقتراحاته ومبادراته تتجاوز بالكاد بعض جهود العلاقات العامة. في واقع الأمر لم يطرأ تحسن يذكر على الأوضاع السيئة لحقوق الإنسان في البلاد.

ولتقييم الجهود التي يبذلها ولي العهد من المهم أن نأخذ بالاعتبار ما هي الأشياء التي بات يتحكم بها.

لقد فرضت السلطات السعودية قيوداً صارمة على ممارسة حق حرية التعبير وتلجأ بشكل منتظم إلى مضايقة ومحاكمة كل من يجرؤ على التصريح برأي مخالف. والسلطات المتنفذة لا تتورع حتى عن إصدار أحكام بالإعدام على الفتيان في سن المراهقة لمجرد المشاركة في تظاهرات ضد الحكومة بينما يمارس التمييز المنظم ضد النساء والفتيات بشكل يومي. ونفس المضايقات تتعرض لها الأقلية الشيعية في البلاد، والتي يعامل أبناؤها كما لو كانوا مواطنين من الدرجة الثانية.

بهذه الخلفية، يمكن اعتبار رغبة ولي العهد في أن يبدو بمظهر القوة المحركة للتغيير أمراً إيجابياً.

إلا أنه لا ينبغي للمجتمع الدولي أن يقع في مصيدة الإطراء على وعود لا يدري هل تتحقق أم لا بينما يتجاهل بكل أريحية الوضع القائم على أرض الواقع.

 


اقرأ أيضا : "واشنطن بوست" تهاجم ابن سلمان وتصفه بـ"ولي عهد النفاق"


خلال الشهور التي مضت منذ تعيينه ولياً للعهد لم نر ما يجعلنا نصدق أن اقتراحاته ومبادراته تتجاوز بالكاد بعض جهود العلاقات العامة.  في واقع الأمر لم يطرأ تحسن يذكر على الأوضاع السيئة لحقوق الإنسان في البلاد.

ولك أن تشاهد موجة الاعتقالات المستمرة والتي تستهدف الصحفيين والنقاد وعلماء الدين. تقريباً جميع نشطاء المجتمع المدني البارزين في البلد والمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك كثيرون ممن كانت أصواتهم تعلو في انتقاد الفساد، هم الآن وراء القضبان. تماماً كما كان ديدن أسلافه، يبدو أن ولي العهد عازم على سحق حركة الدفاع عن حقوق الإنسان داخل المملكة.

ومن الذين جُرفوا مع من جُرفوا في حملة القمع عبد العزيز الشبيلي وعيسى الحامد، وهما من الأعضاء المؤسسين في رابطة الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (أكبرا)، واللذان ألقي القبض عليهما وغيبا وراء القضبان في السجن في شهر سبتمبر. لقد كانت منظمتهم الهامة، والتي تصدر تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان وتقدم المساعدة القانونية لعائلات المعتقلين الموقوفين دون تهم، بمثابة شوكة في خاصرة السلطات.

ربما أرادت السلطات توجيه الأنظار بعيداً عن حملة القمع المستمرة فاختارت إصدار أمر ملكي بالسماح للنساء بقيادة السيارات في نفس الشهر الذي حصلت فيه تلك الاعتقالات. ما من شك في أن التغيير خطوة إيجابية بالنسبة للنساء في المملكة العربية السعودية وشهادة للكثيرين الذين ناضلوا ودفعوا أثماناً باهظة في سبيل هذا الإنجاز.

ولكن ما أن صدر الإعلان حتى بدأت نفس تلك النسوة بتلقي مكالمات هاتفية تحذرهن من مغبة التعليق على الملأ على ما يجري من تطورات وتهددهن إن فعلن ذلك بتعريض أنفسهن للاستدعاء للتحقيق.

المملكة العربية السعودية في قتالها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن قررت أن إنزال العقوبة الجماعية بحق المدنيين اليمنيين وسيلة مقبولة

لا يوجد الكثير من المعلومات حول كيف سيتم تطبيق الأمر الملكي، والذي من المفروض أن يدخل حيز التنفيذ في شهر يونيو / حزيران من العام القادم. كل ما نعرفه حتى الآن هو أنه سيتبع "النظم القانونية القائمة" دون أدنى توضيح لما يمكن أن يعنيه ذلك بالضبط. وتظل النساء حتى هذه اللحظة تحت رحمة نظام قانوني يفرض على كل واحدة منهم أن يكون لها رجل وصي يتخذ القرارات نيابة عنها تقريباً في كل شأن من شؤون الحياة.

إلا أن أكبر مؤشر خطير على أن المملكة العربية السعودية ليست مستعدة بعد لأن تأخذ حقوق الإنسان على محمل الجد هو ذلك الذي تفعله باليمن المجاور لها.


اقرا أيضا : إيكونوميست: مقتل صالح فشل جديد لابن سلمان


كانت الأمم المتحدة في وقت سابق، وتحديداً في شهر نوفمبر، قد حذرت من أن اليمن يقف على شفا مجاعة لم يشهد العالم نظيراً لها منذ عقود، أحد الأسباب التي أدت إليها هو ما يصدر من أفعال عن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والذي يخوض حرباً داخل البلاد.

فمنذ مطلع شهر نوفمبر / تشرين الثاني والمملكة العربية السعودية تضيق الحصار الذي تفرضه على البلاد مانعة بذلك جميع الأغذية والمساعدات الإنسانية الكفيلة بإنقاذ الحياة من الوصول إلى السكان الذين يكابدون المجاعة بسبب الحرب. ففي كل يوم يقضي ما يقرب من 130 طفلاً يمنياً نحبهم بحسب تقرير صادر عن منظمة "أنقذوا الأطفال".

ومع أن الطرق الرئيسية فتحت فيما بعد إلا أنه لا يوجد ما يثبت أن ما يكفي من المساعدات الإنسانية يسمح له بالعبور، كما لا توجد ضمانات بأنه لن يتم تضييق الخناق تارة أخرى بعد إحكام الحوثيين سيطرتهم على صنعاء. وخاصة أن شهر ديسمبر شهد ارتفاعاً ملحوظاً في الهجمات الجوية التي يشنها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية.

كل الأطراف المشاركة في النزاع تقترف جرائم وتتحمل المسؤولية عنها، إلا أن المملكة العربية السعودية في قتالها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن قررت أن إنزال العقوبة الجماعية بحق المدنيين اليمنيين وسيلة مقبولة. لا، إنها غير مقبولة.

تحرص السلطات في المملكة العربية السعودية على ألا يرى العالم في الخارج كيف تشن هذه الحرب. إلا أن الصور بدأت تصل، وهذه الصور، بالإضافة إلى الإصلاحيين الحقيقيين الذين يقبعون وراء القضبان في سجون المملكة العربية السعودية هم من يتوجب علينا تذكرهم عندما نفكر بشكل عابر بالتعبير عن ترحيبنا بالجهود التي يبذلها ولي العهد في مجال الإصلاح.

سليل شيتي


الأمين العام لمنظمة العفو الدولية (أمنستي إنترنشيونال)