قضايا وآراء

مصير أحمدي نجاد في معركته الراهنة

1300x600
محمود أحمدي نجاد.. ليس مجرد رئيس سابق في تاريخ الجمهورية الإسلامية في إيران، بل هو حالة عابرة للمسميات السياسية في البلد. ورغم انحداره من المدرسة الأصولية، وتأكيده أنه رجل ثوري مبدئي، إلا أن سلوكه السياسي المتناقض اليوم مع توجهات هذه المدرسة وسياساتها؛ يجعل من الصعب تحليله ضمن المعادلة الأصولية المعروفة بفروعها وتشعباتها، والسبب أن الرئيس أحمدي نجاد يمثل حالة سياسية قائمة على شخصه وذاته، وهذا نابع عن طبيعة شخصيته المثيرة الفريدة من نوعها، وأفكاره وقناعاته الخاصة.

شخصية الرئيس أحمدي نجاد، التي وجد فيها الأصوليون ضالتهم عام 2005 في مواجهة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية الثامنة، أضحت اليوم تشكل عبئا كبيرا يثقل كاهلهم، ويحرجهم أمام الرأي العام عامة، وخصومهم الإصلاحيين خاصة، وهذا ما يصعب على الأصوليين البحث عن حلول وسبل للتعامل مع نجاد بأقل الخسائر السياسية.

أحمدي نجاد كان أول من كسر - خلال حقبة رئاسته (2005 - 2013) - المحرمات وخطوطا حمراء كانت قائمة منذ عام 1979. فعلى سبيل المثال؛ كان أول رئيس ضمّ وزيرة إلى حكومته، بينما الإصلاحيون الذين يرفعون شعار حقوق المرأة وغيرها؛ فشلوا في ذلك حتى الآن. كما تجاوز النهج المتبع في العلاقات الداخلية بين التيارات والشخصيات السياسية، مع وقوفه العنيد في وجه شخصيات ثورية بوزن الشيخ الراحل هاشمي رفسنجاني.

هذا الأسلوب لم يثر حفيظة كثير من الأصوليين على مدى سنوات، وكان مطلوبا لديهم؛ لأنه كان في مصلحتهم السياسية وموجها ضد خصومهم. أما اليوم، فقد ارتد عليهم هذا النهج المدعوم سابقا والمرفوض حاضرا، حيث إن الرئيس أحمدي نجاد اليوم يعامل داعميه السابقين، من الأصوليين وقادتهم، بالأسلوب نفسه الذي واجه به خصمه السياسي الرئيس هاشمي رفسنجاني عام 2005، ثم غرماءه الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية التاسعة التي أحدثت جدلا واسعا عام 2009.

حاشية الرئيس أحمدي نجاد هي التي أطلقت أساسا شرارة الخلاف بينه وبين الأصوليين الذين سمّوهم بالتيار المنحرف؛ الذي يترأسه اسفنديار رحيم مشائي، المعروف بالأب الروحي للرئيس نجاد لدى البعض. ثم تعمق الخلاف بعد أن شعر الأصوليون بتغييرات طرأت على أفكار وتوجهات الرئيس نفسه، فاتسعت رقعة الخلافات في الولاية الثانية (2009 - 2013)، حيث لم يعد أحمدي نجاد الرئيس نفسه الذي كان في الولاية الأولى، ولا سيما بعد اتباعه أسلوبا في التعاطي مع قضية عزل وزير الاستخبارات حيدر مصلحي؛ تجاوز المعهود بين مؤسستي الرئاسة والقيادة.

بعد تراجع أحمدي نجاد عن انصياعه لتوصية المرشد الأعلى للثورة، القاضية بعدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة، وكذلك رفض أهليته من قبل مجلس صيانة الدستور المحافظ بعد أن قرر الترشح، دخلت علاقاته مع المحافظين في مرحلة حساسة، عنوانها "التحدي المتبادل".

اليوم أصبح الرئيس الأسبق أحمدي نجاد؛ يجعل السلطة القضائية عنوان معركته الرئيسي، وصعّد من حملاته الاستفزازيه الغريبة في الآونة الأخيرة، لم يسبق أن فعلها، أو بالأحرى لم يتجرأ غيره على القيام بها، مما دفع الإصلاحيين وغيرهم للتساؤل والاستفسار حول سر التزام الأصوليين الصمت تجاه هذه التصرفات، بينما لا يغفروها لغيرهم. من تلك الممارسات، إرسال رسائل مفتوحة، كتلك التي أرسلها لقائد الثورة الإسلامية في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قدّم فيها صورة قاتمة للوضع في البلد، وكذلك تسجيل فيديوهات ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، منها شبكة التليغرام التي يصل عدد أعضائها الإيرانيين إلى قرابة 40 مليون شخص، والاعتصام عند ضريح "السيد عبد العظيم الحسني" في مدينة "ري" الملاصقة للعاصمة.

ثمة أسباب تقف خلف هذا السلوك، الأول أن ذلك جزء لا يتجزأ من ديدنه وسلوكه، وطبيعته في مواجهة الخلافات والمشاكل أو بمواجهة من لا يتفق معهم. هنا ما يعنيه بالدرجة الأولى هي ردة الفعل تجاه هؤلاء، دون أن يحسب نتائج ومخاطر ذلك. وثانيا أن الرئيس أحمدي نجاد، ومن خلال تصعيد لغته التخويفية، وتلويحه بالكشف عما لديه من وثائق - كما يلوح بذلك - يسعى إلى إجبار السلطة القضائية على وقف إجراءاتها وأحكامها ضد حاشيته، ثم منعها من الوصول إلى شخص الرئيس نجاد نفسه؛ الذي تحدث أكثر من مسؤول قضائي عن وجود ملفات قضائية ضده. وفي تصريح خطير، أكد مدعي عام منظمة الرقابة "فياض شجاعي"؛ أن هناك سبعة أحكام قضائية صدرت بحق الرئيس أحمدي نجاد، وثمة مخالفات مالية في عهده، بلغت سبعة تريليونات تومان، أي ما يعادل 170 مليار دولار أمريكي تقريبا، لكنه ظل ينفي هذه التهم.

ومن ناحية ثالثة؛ هناك الرغبة في العودة إلى المشهد السياسي وتصدّرها من موقف معارض، بعد رفض ترشحه في الانتخابات الرئاسية الماضية، الذي حال دون إمكانية عودته رسميا، لذلك، يسعى حاليا عبر خطف الأضواء إلى البقاء في المشهد وصناعة شعبية لنفسه عبر مهاجمة السلطات.

ويسعى، رابعا، للدفع باتجاه صفقة؛ بموجبها يهدئ خطابه الاستفزازي التصعيدي، مقابل حصوله على ضمانات توقف العمل القضائي ضده وضد المقربين منه، ثم تسمح له بالترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2021.

وخامسا، يقول بعض المراقبين إن الرئيس أحمدي نجاد، عبر شخصنة خلافاته من خلال مهاجمة الأخوين علي لاريجاني رئيس البرلمان، والشيخ صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية، يستهدف خلط الأوراق في الانتخابات الرئاسية القادمة من الآن؛ ضد رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني على ضوء ترجيحات بترشحه فيها.

وفيما يتصل بسر صمت الأصوليين تجاه سلوك أحمدي نجاد لفترة طويلة، يرجع البعض السبب في ذلك إلى ما يمتلكه نجاد من وثائق وأسرار تدفع لمعاملته بلطف وحذر؛ دون التصعيد ضده والوقوف بوجهه بقوة، خوفا من أن يكشف عنها، وآخرون يعزون ذلك إلى إحراج أوقع الأصوليين أنفسهم فيه لدعمهم اللامحدود للرئيس أحمدي نجاد لسنوات طوال، وهذا ما أكده مساعد الرئيس خاتمي، محمد علي أبطحي، في تغريدة له في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2017، حيث قال إن سبب مداراته، الشعورُ بالخجل من دعمه سابقا ليس شيئا آخر.

حسبما تقول مصادر عليمة، حاولت شخصيات كبار في الدولة على مدى السنوات الماضية، ولا سيما خلال الفترة الأخيرة، تهدئة الرئيس أحمدي نجاد ومنعه من الاستمرار في هذا النهج بعيدا عن الإعلام، لكن دون جدوى. بعد ذلك، وخلال الأسابيع الماضية، رد الناطق باسم السلطة القضائية على اتهامات أحمدي نجاد ضد الجهاز القضائي، مستخدما لغة حادة ضده، ثم الشيخ آملي لاريجاني هاجمه ومساعديه في الثالث عشر من هذا الشهر، متهما إياهم بالانحراف ومحاولة إشعال فتنة جديدة. في المقابل، هدّد أحمدي نجاد بأنه حال لم يسم الشيخ لاريجاني جرائمه بالتحديد خلال 48 ساعة، سيقوم بكشف ما لديه عنه وعن أدائه خلال السنوات الثماني الماضية، وسيدافع عن حقه بالسبل التي يراها مناسبة.

هنا، طفح بالسلطة القضائية الكيل من تحديات أحمدي نجاد، فواجهت هذا التهديد بإصدار حكم بالسجن 63 عاما لنائبه حميد رضا بقائي قبيل انتهاء المهلة، ثم أصدرت بعدها حكما آخر بالسجن ستة أشهر ضد مساعده الإعلامي. وسبق في السنوات الماضية، سجن مساعده الأول محمد رضا رحيمي؛ الذي يقضي حاليا حكما بالسجن لخمس سنوات، بقي منها عامان، وكذلك حميد رضا بقائي الذي سجن أيضا عام 2015 لستة أشهر. كما أن هناك ملفات قضائية أخرى قيد الدراسة ضد آخرين مقربين منه، على رأسهم اسنفديار رحيم مشائي.

بعد انتهاء المهلة التي حددها أحمدي نجاد لرئيس السلطة القضائية، وكما يقول المثل "تمخض الجبل فولد فئرا"، أطلق اتهامات عامة وعشوائية ضده، متهما إياه بالفاقد للشرعية والعدالة، وغير ذلك من الاتهامات، دون أن يكشف عما وعد به.

تلك الأحكام ومؤشرات أخرى؛ توحي بانتهاء فترة الصمت والتجاهل تجاه ممارسات الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد ضد السلطة القضائية، ومؤسسات أخرى يسيطر عليها الأصوليون المحافظون.

ليس واضحا إلى متى سيستمر تحدي شدّ الحبل بين الطرفين، لكن الواضح أنه مهما طال الوقت، فالنتيجة لن تكون لصالح الرئيس أحمدي نجاد، وفي حال واصل التصعيد بعد التحدي القضائي الأخير ضده ومساعديه، سيكون قد قرّب موعد انجلاء تلك النتيجة التي قلنا إنه سيخسرها، وذلك لاعتبارات عديدة، أهمها أنه، أولا، يفتقر إلى جسم تنظيمي قوي يدعمه في هذا النزاع، ثم إنه أصبح مرفوضا لدى غالبية التيار الأصولي، وكذلك الإصلاحيين، والشعبية التي يحظى بها في الشارع الإيراني؛ هي في القرى والأرياف والمدن الصغيرة التي لا يمكن الاعتماد عليها كثيرا، رغم أنه على اعتقاد بأن غالبية الشعب الإيراني تؤيده.

كذلك، أصبح ينقلب عليه أصدقاؤه في جبهة الصمود (بايداري) الأصولية التي وقفت بجانبه طيلة ولايتيه، على رأسهم زعيم الجبهة الروحي العالم الديني الأصولي الشهير آية الله مصباح يزدي؛ الذي قال صيف 2009 إن "طاعة الرئيس أحمدي نجاد من طاعة الله"، لكنه تبرأ منه أول كانون الأول/ ديسمبر الحالي، مصرّحا بأنه لم يعد يؤيد الرئيس السابق أحمدي نجاد لوجود حالة انحرافية عند الأخير.

ثانيا، النظام الإيراني، حتى وإن التزم الصمت والصبر بعض الوقت تجاه مثل هذا السلوك لوجود مصالح تترتب على ذلك، لا يتساهل في نهاية المطاف مع هذه الحالات الاستفزازية، لذلك سيقوم بما يلزم لإنهائها، بعد انتفاء تلك المصالح أو نشوء مصالح أهم منها أهمية.

أمام هذا المشهد، الإصلاحيون لهم موقف متفرج سعيد تجاه هذه المعركة، يوظفونها لإحراج خصومهم، وإثبات صوابية مواقفهم تجاه سياسات الرئيس أحمدي نجاد وداعميه خلال ولايتيه، التي وضعتهم في موقف لا يحسدون عليه لسنوات عديدة، قبل أن يعود للحياة السياسية بعد فوز الرئيس روحاني عام 2013.

الخلاصة، إن محمود أحمدي نجاد الذي نال شهرة وشعبية، لم ينل مثلها نظراؤه الإيرانيون في العالمين العربي والإسلامي، لخطاباته النارية ضد الهولوكست، والصهيونية، وإسرائيل، والاستكبار العالمي، على مدى سنوات عديدة قبل الربيع العربي، يخوض اليوم معركة خاسرة إلى حد كبير، ولا تسعفه كثيرا مساعيه الرامية إلى جعلها معركة سياسية عبر رفع شعار حماية حقوق الشعب الإيراني ومطالبهم. فهي معركة تنتهي به، اليوم أو غدا، إلى التاريخ، ومصير من السهل تصور ملامحه، حتى وإن ظل يستخدم لغة التهديد والتنمر خلال المرحلة المقبلة. كما أنه لا يتوقع أن يتم اتخاذ إجراء عملي ضده في الوقت الحاضر، ومن المرجح أن تستمر محاولات احتوائه بطريقة أو بأخرى. عموما، أيا كان مصيره، فإن اسمه وآثار حكمه ستبقى حاضرة في تفاصيل الحياة الإيرانية، سياسيا واقتصاديا، خلال العقود المقبلة.