مقالات مختارة

الصراحة وعالم اليوم وأمن الخليج

1300x600

بعد التعمّق في قراءة «كلام الناس ــــ للكاتب الفاضل أحمد الصراف» و«عالم اليوم وأمن الخليج للسيد عبدالله البشارة» (عدد 15995 ــــ الإصدار بتاريخ 10 ديسمبر 2017):

الصراحة لم نعد نرى ذلك الصادق مع نفسه الذي لا يعرف كيف ينافق ويتلون، والذي يعبّر عمّا في قلبه بكل حب واحترام ولا يستوعب الكراهية والضغائن ولا يتمناها لغيره، هذا النهج الصريح والهادئ والمتزن للأسف ليس له في زماننا مكان، ولكن ما زال لديّ أمل.

أعلم أن الصراحة في إقليمنا أصبحت وقاحة، وان الصدق اصبح بلاهة، وان الحب اصبح سذاجة، وان الطيبة أصبحت «خيبة»، وأصبح الضمير خاضعا لمضاربات المزاد. ولكن ما زال لديّ امل..

اعلم أن المتشبّثين بالسلطة والمال لا يرغبون في الصراحة، لأنها تقلقهم، وتزعزع كيانهم، لأنهم ببساطة لا يعرفون كيف يتصافون مع أنفسهم ويتخلصون من ثقل ما عليها من أحمال. ولان غايتهم لا تمثل إلا أمانيهم الخاصة وليس أماني وطموح الشعوب والمجتمعات.

ولكن ما زال لدي أمل.

أمن الخليج وأمن المجتمعات الخليجية تحت منصة ومظلة دول مجلس التعاون الخليجي، في حالة حرجة لم تكن يوما في خيال وتمنيات شعوب الخليج.

فكرة تأسيس هذه المنظمة كانت لحماية مجتمعاتنا وثقافتنا واقتصادنا بوحدتنا، وكذلك احترام سياسات الدول ودساتيرها كل على حدة في تلك المنظومة ومد جسور التوافق والانسجام، بَعضنا بين بعض وجميع من هم حولنا، وفي الآونة الأخيرة ولأسباب مبهمة وغير شفافة وصريحة، قام البعض «وسط طوفان الخليج الآتي من اغلب أطرافه، ترتفع وتتلاطم من حوله الأمواج السياسية المدمرة من دون توقف»، وبدأوا بتغيير نهج مجلس التعاون بالتراشق الإعلامي الحاد الذي ضخّم الخلاف وكبر الفجوة بين بعض دول الأعضاء وغيرهم من دون تشاور واتزان.

لا نعلم من هو المستفيد من هذا التصرّف المعتمد على الأخذ بالثأر التاريخي والقبلي والطائفي والتوحّد بالقرار، إما تناصرني ظالما أو مظلوما، وإما انك عدوي، علما بأن نهج العادات القبلية اختفى في أغلب المجتمعات المتحضرة المتعايشة مع سياسة العدالة الديمقراطية، إلا في بعض دولنا لا نهاية لها، لأن القوى القبلية والطائفية ومن زمن بعيد وحتى يومنا هذا تُستغل سياسيا واجتماعيا للسيطرة على الحكم وبيت المال وعقول الناس.

نحن جميعا ننتمي لكل الدول المجاورة لنا وثقافتنا ليست إلا حصيلة من ثقافة تلك المجتمعات، والمفترض أن نحتفي بهذه التركيبة المتنوعة والجميلة ونرسخ مفهوم التعايش والانسجام بدلا من النخر والتهميش والتفرّد والتسلّط بالقرارات والمقدرات.

للأسف، أصبح مجلس التعاون الخليجي غير آمن، وخطر جدّا على أمن أفراده ومجتمعاته التي ترى وتحسّ وتتوجّس؛ خوفا من المصير المحتوم المتمخض من تلك الصراعات والخلافات، مستقبلنا مبهم لعدم وجود منطق صريح نناقشه ونتداوله بوعي وعقلانية وبعد نظر في ما بيننا، لم تنفعنا أقنعة الديمقراطية التي يتغنّى بها البعض، وعلينا أن كنا بالفعل نود الإصلاح التخلّص من تلك الأقنعة الزائفة والعمل الجاد على إصلاح الذات والبعد عن سياسة التلون والنفاق والتمسّك بالنهج الديمقراطي والمبادئ الإنسانية والمدنية التي تصبّ في المصلحة العامة.

واعلموا أن مشاعر الناس لا تتغير بضغطة زر من أصحاب القرار.

القبس الكويتية