صحافة دولية

إعادة بناء سوريا.. مساعدة الأسد أم استمرار الدمار؟

نيويورك تايمز: أصبحت بلدة الوعر اليوم شبحا لماضيها- أ ف ب

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلتها سوميني سينغوبتا من مدينة حمص، قالت فيه إن آخر معقل للثوار في المدينة كان منطقة غنية مليئة بالشقق الفارهة في البنايات العالية، واليوم فإن هذه المنطقة ليست سوى شبح لماضيها.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه بعد حصار من قوات النظام السوري، الذي استمر ثلاث سنوات ونصف، فإنه لم يبق في المنطقة المعروفة باسم حي الوعر سوى النزر اليسير من السكان، حيث "قصفت وهدمت بناياته العالية، وتبدو كأن عمالقة قاموا بفتح ثغرات فيها، وشوارعه مليئة بالسيارات وأجهزة التلفاز المحروقة، وأكبر مستشفى فيه مدمر، بحيث لم يبق من طوابقه العشرة سوى طابقين يمكن استخدامهما، وخزان الأوكسجين التابع له مثقوب".

 

وتعلق سينغوبتا قائلة: "إن كان حي الوعر، الذي استعادته الحكومة السورية خلال الربيع الماضي، يمثل الانتصار الوحشي لرئيس النظام السوري بشار الأسد، فإنه يمثل أيضا التحدي القادم في الوقت الذي تقترب فيه الحرب من نهايتها، ألا وهو سياسة إعادة البناء". 

 

وتبين الصحيفة أن "ذلك التحدي حاسم بالنسبة للأسد كما هو الحال بالنسبة لمنتقديه الغربيين، فهل يمكن لهم أن ينفقوا الأموال لصالح نظام قام بتجويع وقصف وأحيانا استخدام الغازات السامة ضد شعبه؟ أو بعد الفشل في إسقاط الأسد الذي استطاع -بمساعدة روسيا وإيران- استعادة الكثير من الأراضي التي خسرها على مدى سبع سنوات من الحرب، هل بإمكان الغرب التخلي عن الشعب السوري ليعيش في الأنقاض؟".

 

وينقل التقرير عن السفير الفرنسي للأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر، قوله: "كيفية مساعدة الشعب السوري بأفضل طريقة دون تقوية سلطة الأسد هي معادلة صعبة، لكن هناك طريقا ضيقا يجب أن نجده".

 

وتلفت الكاتبة إلى أن "للحكومات الغربية مصلحة كبيرة في النتيجة، فأي أمل في عكس تدفق اللاجئين -الذين يشكلون مصدر قلق لكثير من السياسيين الغربيين- -يعتمد بشكل جزئي على التمكن من إعمار سوريا، كما قد تكون عقود إعادة البناء مغرية للشركات الغربية".

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، ستيفان دي ميستورا، قوله بأن إعادة بناء سوريا ستكلف ما لا يقل عن 250 مليار دولار. 

 

ويذكر التقرير أنه في حي الوعر، الذي كان من آخر المناطق التي استعادتها قوات الأسد، عُرض على الثوار إما الاستسلام أو المغادرة مع عائلاتهم إلى الجيوب التي يسيطر عليها الثوار إلى الشمال، حيث غادر عشرات الآلاف من الناس من آذار/ مارس إلى أيار/ مايو، ولم يبق سوى 30 ألفا، بحسب السلطات الحكومية، الذين لا يزالون متمسكين بشقق محطمة النواقذ ومتداعية الأسقف.

 

وتقول سينغوبتا: "زرت حي الوعر في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، بصحبة مرافق من الحكومة ومسؤول عسكري محلي، وخمس المساكن السورية متضررة، بحسب إحصائيات البنك الدولي، وواحدة من كل ثلاث مدارس إما مدمرة أو متضررة، وأقل من نصف المرافق الطبية لا تزال تعمل، بحسب الأمم المتحدة".  

 

وتنوه الصحيفة إلى أنه في أجزاء من حلب، وهي ثاني أكبر مدينة في سوريا، لا تزال مياه البلدية مقطوعة، ما يضطر الصليب الأحمر الدولي إلى نقل مياه الشرب بالصهاريج، وهي عملية مكلفة، لافتة إلى أن مركز حمص التاريخي، الذي تخلى عنه الثوار في 2014، بعد حصار شل الحياة فيه، لا يزال عبارة عن متاهة بين أكوام من الأنقاض.

 

ويذهب التقرير إلى أن "استراتيجية الحصار بالنسبة للأسد أثبتت أنها أنجع طريقة لاستعادة المدن والأحياء من أعدائه، فيقوم بتجويع المدنيين الذين يعيشون تحت سيطرتهم، ولا يزال يستخدم الاستراتيجية ذاتها حتى مع قرب انتهاء الحرب، ما يتسبب بمآس إنسانية في العادة".

 

وتوضح الكاتبة أنه في الغوطة الشرقية، التي كانت يوما منطقة غنية بالزراعة ومعقلا للثوار على أطراف دمشق، أدى حصار حكومي إلى ما وصفته الأمم المتحدة بأعلى معدلات المجاعة بين الأطفال المسجلة خلال هذا الصراع، حيث يعاني حوالي 12% من الأطفال من سوء التغذية الحاد. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مفوضة الاتحاد الأوروبي السامية للشؤون الخارجية والأمنية، فيديريكا موغيريني، وصفها المساعدة في إعادة البناء بأنها آخر بطاقة يمكن استخدامها لتأثير الغرب على مستقبل سوريا السياسي، مستدركة بأن تأثير الغرب حاليا على الأسد غير مؤكد في أفضل الظروف، ولم يطرح مستقبل الأسد خلال مباحثات الأسبوع الماضي في جنيف.

 

وبحسب التقرير، فإن موغيريني عبرت في رسالة بريد إلكتروني عن تأييدها لفكرة إعادة بناء سوريا في المستقبل، فقالت: "نحن مستعدون لاتخاذ الخطوة التالية"، لكنها قالت إن على الدول الغربية أن تجعل من الواضح أنها "ستبدأ فقط بعد أن يتم الاتفاق في جنيف على الانتقال السياسي". 

 

وتقول سينغوبتا إن "حكومة الأسد يهمها التأكيد أن الهدف من المباحثات السياسية قد تحول عن الهدف المركزي للمعارضة: خروج الأسد من السلطة".

 

وتنقل الصحيفة عن وزير المصالحة علي حيدر، قوله في مقابلة له في دمشق: "انتقلنا من فكرة استبدال فريق بآخر إلى فكرة الشراكة لإنتاج بنية سياسية جديدة"، ومع ذلك فإنه قال إن الحكومة حققت انتصارا جزئيا فقط، مضيفا: "نحن في وضع أفضل في ساحة الحرب.. لكن سياسيا نحن في حرب حقيقية".

 

ويكشف التقرير عن أنه "في حمص، ثالث أكبر المدن السورية، هناك ما يذكر بالانتصار العسكري الذي حققه الأسد في كل مكان، بما في ذلك مدخل فندق يستخدم قاعدة للأمم المتحدة، ففي مرآب السيارات التابع للفندق هناك لوحة كبيرة تحمل صورة للأسد مبتسما، والجملة المكتوبة عليها هي: (معا سنعيد البناء)".

 

وتبين الكاتبة أن "حصار حي الوعر كان أطول حصار في البلد، وقامت العائلات في أصعب أيامه بحرق الكراسي للتدفئة من برد الشتاء القارس، وكانت الكهرباء تنقطع لساعات أو لأيام، وكانت طوابير الخبز طويلة جدا، وكان يقتتل الناس في محاولة للحصول على ما يكفي عائلاتهم من الخبز، وأصبح سعر الحليب باهظا جدا، حتى بدأت تصل إلى المستشفى الذي تديره منظمة خيرية اسمها (البر) أعداد من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية".

 

وتوضح سينغوبتا أنه "في أصعب الأسابيع ساعدت الطواقم الحوامل على الولادة في القاعات الأرضية بصفتها مخبأ آمنا من الغارات الجوية، وكانوا يستخدمون أنوار أجهزة الهاتف المحمول لتوفير المولدات للحالات التي تحتاج إلى إجراءات أكثر تعقيدا".

 

وبحسب الصحيفة، فإن الطفل عبدالإله برزي (11 عاما) يتذكر عندما سقطت قنبلة قوية قتلت صديقه، وتركته لا يسمع لعدة أيام، أما صديقته سارة فتتذكرأنها كانت تختبئ في الحمام في كل مرة كانت تسمع فيها صوت قنابل الهاون، فيما تذكرت شقيقته إيمان البالغة من العمر 14 عاما غارة أخرى قتلت عمها، في الوقت الذي كان ينتظر فيه عودة ابنته من المدرسة في زاوية الشارع.

 

ويشير التقرير إلى أن خزانات الماء المتضررة كانت ملقاة في كل مكان، وكان يستخدمها الجيش متاريس لمواقعه، لافتا إلى أنه كانت هناك شقة في الطابق الأرضي في إحدى البنايات محاطة بأكياس الرمل، كانت تستخدمها جبهة النصرة سجنا لها عندما كانت تسيطر على منطقة في حي الوعر.

 

وتقول الكاتبة إن "الحصار انتهى بصفقة عرضت على الناجين، بمن فيهم المقاتلون ضد الحكومة: الاستسلام لحكم الحكومة أو ركوب الباصات الى الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة إلى الشمال، وأخذ عشرات الآلاف هذا العرض، واتجهوا إلى المناطق القريبة من الحدود التركية، حيث الظروف أحيانا أسوأ".

 

وتلفت الصحيفة إلى أن تقريرا حديثا لمنظمة العفو الدولية وصف ذلك بأنه كان "نزوحا قسريا"، وقالت المنظمة إن ذلك يخرق القانون الدولي، وأضافت أن أي مساعدات في إعادة البناء يجب أن تضمن عودة المدنيين المشردين باختيارهم إلى بيوتهم "في أمن وكرامة".

 

وتقول سينغوبتا: "قابلنا أرملة، أما لثلاثة أطفال بقيت خلال الحصار كله، لكن بعد أن رفع الحصار غادر ابنها البالغ من العمر 21 عاما إلى منطقة من مناطق المعارضة، بالقرب من الحدود التركية؛ لأنه خاف من الاعتقال إن بقي في مكانه".

 

وينقل التقرير عن المرأة، التي لم ترد أن ينشر اسمها؛ خوفا على أمن عائلتها، قولها في الوقت الذي كانت تنظر فيه إلى السبحة التي كانت تحرك حباتها، إن ابنها "على وشك أن يخسر مستقبله"، وأضافت أنها ستضطر إلى الالتحاق به، ولم ترد أن تتحدث أكثر من ذلك، فقد "كان معنا مرافق من الحكومة خلال المقابلة".

 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه لا يزال جزء من سطح البناية التي تقع شقة تلك المرأة فيها محطما منذ أن أصابته قنبلة قتل فيها الجار الذي يسكن في الطابق الأعلى، الذي كان يقف على الشرفة، في محاولة للحصول على إشارة هاتف محمول أفضل.