قضايا وآراء

القاتل عقوبته الحبس.. والأسير يُحكم بالإعدام

1300x600
لم تكد تمر ثلاثة أيام على صدور حكم الإعدام من المحكمة العسكرية بحق الشيخ أحمد الأسير وعدد من أنصاره؛ حتى أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان قرارا ظنيا في جريمة قتل شهدتها منطقة في لبنان اسمها "عشقوت" قبل سنتين، حيث أقدم المتهم على قتل أربعة من جيرانه بسبب انزعاجه من نباح الكلب الذي ترعاه عائلة القتلى في الفناء الخلفي للمبنى الذي يقطنون فيه، وطلب القاضي للمتهم عقوبة الحبس المؤبد.

مقارنة سريعة بين سطور الحكم الصادر بحق الشيخ الأسير والقرار الظني الصادر بحق المتهم الذي اعترف بقتل أربعة أشخاص تكشف بوضوح أن الأحكام القضائية في لبنان مرة تكون "بسمنة"، ومرة أخرى "بزيت". فقد حرص القاضي في جريمة "عشقوت"على منح الأسباب التخفيفية للمتهم رغم بشاعة ما ارتكبته يداه، وطلب له الحبس المؤبد. بينما في حالة الأسير، ورغم أن التهمة الموجهة إليه هي التحريض وتشكيل عصابة إرهابية، إلا أن الحكم عليه كان الإعدام. هذا الحكم المشدد لا يتناسب مع حقيقة أن الأدلة التي تعتبر المحكمة أنها تشكل إدانة للأسير لا تعدو عن اعترافات موقوفين أدلوا بها تحت التعذيب، ومقاطع من كاميرات مراقبة تم تقطيعها وعرض ما يناسب منها، ولا يظهر فيها الشيخ الأسير يطلق النار على الجيش اللبناني، بل تُظهر شبانا مسلحين حائرين لا يدرون ما يفعلون، وتُظهر الشيخ الأسير بعباءته وقلنسوته البيضاء يروح ويجيء يصرخ بمن حوله. هذه الأفعال حسب المحكمة عقوبتها الإعدام.

أرادت المحكمة العسكرية أن تريح نفسها، فلا هي كلفت من يدقق في طلبات المحامين لناحية التحقيق في مشاركة طرف ثالث في المعارك التي دارت في منطقة عبرا، وهو أمر أكدته صور تناقلتها وسائل الإعلام، وتصريحات كبار المسؤولين، وتدعمها شهادات الشهود من أبناء المنطقة، ويحسمها التشييع الذي حصل لبعض العناصر المسلحة الذين سقطوا أثناء مشاركتهم في المعارك. كما لم تجد المحكمة أن ملفا بهذا الحجم والأهمية يستدعي استدعاء الأشخاص الذين كانوا في سدة المسؤولية حينذاك للاستماع لإفاداتهم.. وأيضا لم تجد المحكمة داعيا لتلبية طلب المحامين بكشف الأماكن التي سقط فيها قتلى الجيش اللبناني، والتي ربما يكشف التدقيق فيها عدم مسؤولية الأسير ومناصريه عن قتلهم بل كان السبب في ذلك جهات أخرى. لكن المحكمة سلكت درب السلامة وانسجمت مع المناخ السياسي المناهض للأسير، وسعت من خلال أحكامها المشددة التنفيس من حالة الاحتقان التي ولّدها فشل الدولة اللبنانية في إعادة عسكرييها المختطفين أحياء إلى ذويهم.

لم يقل أحد أن الشيخ أحمد الأسير بريء ولا يستحق أي محاكمة، لكن فلتكن محاكمة عادلة تحاسبه على أمر ثبت قيامه به، وليس على ظنون وقرائن ومناخ سياسي معاد لتوجهاته. الأهم من ذلك، هل من المنطق والعدالة أن تطبق المحكمة أقسى العقوبات بحق متهمين، وتمنح أوسع الأسباب التخفيفية في جرائم أخرى؟ بل أكثر من ذلك، هلا من المنطق أن يلاحق القضاء اللبناني في جرائم بعينها ولا يقوم بأي جهد لملاحقة متهمين في جرائم أخرى؟ فالعدالة لا تتجزأ، والحرص على تطبيق القانون بحق أناس وترك آخرين لايكون عدالة بل ظلما وجورا.

فأين جهد المحكمة في ملاحقة المتهمين في جريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام بطرابلس؟ ألم ينتبه رئيس المحكمة أن المتهم الرئيسي في هذه الجريمة يجلس في الصفوف الأولى لاحتفالات حزب الله في الضاحية الجنوبية واضعا رجلا فوق رجل؟! لماذا تصر المحكمة العسكرية على تطبيق القانون على من تشاء وتدفن رأسها بالتراب تجاه آخرين؟ ألا يُدرك قضاة هذه المحكمة أن التشكيك بنزاهتهم وعدالتهم لم تعد مجرد اتهامات بل تسندها الكثير من القرائن والوقائع؟!