مقالات مختارة

هنية وعباس

1300x600
يتحمل الرجلان مسؤولية خطيرة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ القضية الفلسطينية، فهما يقفان على بوابة إما أن يفتحاها لتتدفق حركة الحياة وتنتهي المحن والأزمات ويعود التيار لحيويته في كامل الجسم الفلسطيني، أو أن يغلقاها فتتقطع الأوصال وتترك الفرص لكل الثعالب وأبناء آوى يتصيَّدون من لحم الشعب وكرامته لمصالحهم الأنانية الدنيئة.

وأخيرا جاءت المبادرة بعد أن تعفنت الأجواء وتعقدت سبل الخروج من المأزق.. مبادرة اطلقها هنية رئيس حركة حماس بحل اللجنة الإدارية، التي فُهم من تشكلها أنها محاولة لانفصال غزة عن الوطن فلسطين.. وفي المقابل، جاء رد رئيس السلطة واضحا أن مبادرة حماس تلبي المطالب وأصدر بموجب ذلك قرارا بالتحاق الحكومة بمدينة غزة للقيام بواجباتها كاملة تجاه أهالي القطاع المحاصَر منذ أكثر من 11 عاما.

إنه درس قاس بلا شك ودفع الشعب الفلسطيني ثمنه بتضحيات جسيمة، ولقد تحرك الساسة الفلسطينيون خلاله متجاوزين في بعض الأحيان الخطوط الحمراء، الأمر الذي عمق المأساة.. ولكن لعل من اهم نتائج هذا الدرس انه لا يمكن لأحد أن يفكر بعد هذا الدرس القاسي بأي تصرف أخرق يشق الصف أو يتجاوز الآخر الوطني.. فلا احد اقرب لأبناء البلد من إخوانهم في البلد.. لا احد في هذه المرحلة من الكفاح الوطني يمكن أن يستفرد برأي أو بحكم.. فالكل الوطني معني بقضية الشعب والأرض والكل الوطني شريك في الدم والقرار.

بمقدار الألم الذي كان يتسرب إلى أرواح ملايين العرب والمسلمين والأحرار جراء الأزمة المحتدَّة بين إخوة الكفاح في الساحة الفلسطينية فإن التفاؤل عظيم بما اعلنه الرجلان عباس وهنية لتجاوز الأزمة والبناء لمستقبل فلسطيني ينتزع الحقوق واحدا وحدا من مخالب الصهيونية العنصرية.

أن الوحدة الفلسطينية شرط من شروط القوة المستوجبة والتي تمنح الروح الوطنية فعاليتها وتصد غائلة العدوان وتبعد المتربصين وتقرِّب الأصدقاء والحلفاء..

أن الوحدة بين طيف العمل السياسي الفلسطيني تعبِّر عن نضج الأداء الفلسطيني وقدرته على احتواء أزماته الداخلية التي تتولد من طبيعة المعركة مع عدو يستخدم كل الوسائل لتوهين الفعل الفلسطيني، وسيرى العدو أنه قد فقد ساحة مهمة له، إنها ساحة الاختلاف والتنازع.. ومن هنا فإن تعزيز الوحدة سيكون قوة لردع العدو تكتيكيا واستراتيجيا فضلا عن كونه مطلبا وطنيا وأخلاقيا.

غزة تفتح معابرها، غزة ستعود إليها الكهرباء، وتعالَج فيها مياه الشرب، غزة ستنتعش مستشفياتها، غزة ستتحرك نحو تعمير ما دمَّرته الحروب، غزة سيجد أبناؤها فرص العمل، غزة ستدخل بعمق في التمثيل السياسي والهيكلي للسلطة.. وهذا جميعه ما حرص حماة الانقسام على ألا يكون ويخشونه لمصالحهم الدنيئة.. 

وطن واحد وشعب واحد وقضية واحدة، هذا ما هتف به أبناء غزة في مظاهراتهم الأخيرة ترحيبا بالوحدة والمصالحة.. وبعد الآن لا سبيل إلا الكفاح نحو فلسطين والقدس جنبا إلى جنب وكتفا لكتف وسيدرك الفلسطينيون أن العرب والمسلمين والأحرار معهم، ولينصرنَّ الله من ينصره.

الشروق الجزائرية