قضايا وآراء

مصر المحجوبة

1300x600
لم تعد المواقع الإخبارية في مصر هي المحجوبة فقط، بل يمكن القول إن مصر كلها محجوبة إذا جاز لنا التعبير.. فما الشيء الذي لم يتم منعه أو تجريمه في مصر، بداية من التفوه بالكلمات، مرورا بأي محاولة للتعبير عن أي مشاعر عبر أي وسيلة بما فيها فيسبوك، وصولا إلى الوقفات والمظاهرات والاعتصامات؟

فكل شيء في بلدي مجرّم، وصارت حياة المصريين محجوبة عن الحرية والحياة الطبيعية لكل شعوب العالم. فلم تعد هناك مساحة لأي طريقة للتعبير، وصارت العصا الغليظة هي المرفوعة في وجه الشعب المقهور.
 
3 يوليو والحجب الحقيقي

وإذا تحدثنا عن الحجب في مصر؛ فلم يبدأ مع حجب المواقع المشار إليها مؤخرا، ولكن بدأ منذ ليلة الثالث من تموز/ يوليو 2013 عقب الخطاب الانقلابي الشهير، عندما تم غلق جميع القنوات الرافضة للانقلاب والمعارضة له وتم اقتحام الاستديوهات على الهواء مباشرة، والاعتداء على الجميع، بمن فيهم الضيوف، وعلى الهواء مباشرة. ولعل واقعة الجزيرة مباشر وضيوفها، ومن بينهم د. حسن نافعة، خير شاهد على ذلك.

المنع هو الأصل

ولم يقف الأمر عند القنوات والصحف المؤيدة للشرعية، بل امتد الأمر ليشمل كل المؤسسات، سواء الجامعات أو النقابات أو الأحزاب السياسية التي تم تجميدها، وصار النظام الانقلابي يرفع شعارا مفاده أن الحجب والمنع والتقييد والتجمييد هو الأصل، وصارت الأمور هكذا وصولا إلى حجب الأصوات في الشوارع وحناجر الشباب الصادحة بالرفض والجاهرة بالتمرد، فتم إصدار قانون التظاهر الشهير، والذي تم بموجبه سجن عدد كبير من الشباب الرافض لهذا القانون، ولا يزالون في السجون يمضون أحكاما صدرت ضدهم لرفض القانون، فضلا عن الآخرين الذين أمضوا مدة حكمهم، ومنهم أحمد ماهر؛ منسق حركة 6 أبريل.

تجفيف المنابع

ثم جاءت الموجة الأخيرة المتعلقة بالمواقع الإخبارية، كمحاولة لتنفيذ سياسة تجفيف المنابع وكتم الأصوات تماما، حيث شمل الحجب أكثر من 400 موقع؛ شملت موقعا لوزارة الخارجية وموقعا رياضيا، ومواقع لمنظمات دولية، مثل منظمة "مراسلون بلا حدود"، وغيرها من المواقع الأخرى، في موجة لم تشهدها مصر من قبل، وربما تكون من الدول القلائل في العالم، إن لم تكن الوحيدة، التي تمارس هذا الحجب.

صوت الشعوب لا يمكن إسكاته

وبعد سلسلة الحجب المنهجية والمخطط لها بداية منذ 3 تموز/ يوليو 2013، يمكن أن نقول، وباطمئنان، إن مصر صارت محجوبة على كافة المستويات، وليس صحفيا أو إعلاميا فقط، بل حجب شامل لم يسبق له مثيل، ومع ذلك يظل الصوت الرافض مستمرا، والدليل على ذلك استمرار حبس الصحفيين والإعلاميين، ومنع طباعة الصحف، ووقف قنوات وبرامج، واعتقال نشطاء. وهذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على أنه رغم كل هذه الإجراءات لا زالت هناك كلمة "لا" التي تقال لنظام السيسي، وهذا ما يؤلمه ويجعله يمارس كل أنواع البطش لإسكات هذا الصوت، ولن يفلح في ذلك أبدا؛ لأن صوت الشعوب من المستحيل إسكاته.