كتاب عربي 21

هل يثبت النفاق الدولة المصرية؟

1300x600
كان صوت المذيع الشهير يدوي في الآفاق عبر شبكات الأثير صارخا: قواتنا تتقدم نحو تل أبيب، لقد أسقطنا عشرات الطائرات للعدو، إننا ننتصر ونصنع التاريخ، بينما كان الواقع على الأرض هزيمة منكرة دُمرت فيها الطائرات المصرية دون أن تتحرك من أماكنها وتم قتل آلاف الجنود المصريين وأسر المئات ووقع ثلث مساحة الوطن تحت قبضة الاحتلال في ليلة وضحاها. 

سبق هذا عهود من نفاق الحاكم والتزلف إليه وتأليهه وسبق ذلك إخراس كل الأصوات الحرة والزج بها في غياهب المعتقلات وبث ثقافة الخوف بين الناس بينما ارتفعت أصوات المنافقين لتزيف الواقع وتدلس على الناس وتبشرهم بمستقبل رغيد وبسماء تمطر ذهبا وفضة ثم انتهت إلى بؤس وخراب مقيم!

هل تعلمنا من دروس الماضي؟ قطعا لا، نحن نعاني غياب العدالة وقمع المخالف وإقصاء شرائح واسعة من المجتمع عن أى مشاركة ونستبيح المعارضين ليلا ونهارا، لذلك فالعجب العجاب أن تتسابق وسائل الإعلام لنفاق السلطة وتدشين ما أطلقوا عليه (أسبوع تثبيت الدولة المصرية) حتى لا تنهار!

تخيل أن موجات التطبيل وبث الخوف والفوبيا في نفوس الناس هي التي ستقوم بتثبيت الدولة المصرية وحمايتها، يتسع المشهد العبثي وتطنطن وسائل الإعلام حول معان كبرى لا علاقة لها بصناعة الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، يُعرف الباحث حمدي عبد الرحمن ظاهرة عدم الاستقرار أنها (هي عدم قدرة الدولة على إدارة الصراعات القائمة داخل المجتمع بشكل يستطيع من خلاله أن يحافظ عليها في دائرة تمكنه من السيطرة والتحكم فيها، ويصاحبه استخدام العنف السياسي من جهة وتناقض شرعيته وكفاءته من جهة أخرى). 

ويقول صموئيل هنتنجتون (إن عدم الاستقرار يساوي المطالب السياسية مقسومة على المؤسسات السياسية، أي أن عدم الاستقرار يزيد كلما زادت المطالب السياسية وضعفت قدرة المؤسسات السياسية على الاستجابة الفاعلة لها).
 
وتحدث كثير من الباحثين عن معايير الاستقرار وحددوها بين النقاط التالية: 

أولا: نمط انتقال السلطة في الدولة، وهل يتم بشكل آمن وسلس يضمن حرية التنافس وحرية الاختيار أم يتم فرض اختيار معين من قبل مؤسسات الدولة. 

ثانيا: المؤسساتية وتعني أن صناعة القرار السياسي في الدولة تحكمه آليات مؤسسية تأخذ بنظام الفصل بين السلطات، واحترام سلطة القانون والبعد عن شخصنة عملية صناعة القرار أو تركزها في يد شخص أو مؤسسة واحدة. 

ثالثا: شرعية النظام السياسي بمعنى أن السلطة تكتسب شرعيتها من خلال تحقيق مصالح الشعب وحماية استقلال البلاد والدفاع عن أراضيها وكفالة حقوق جميع المواطنين باختلاف مشاربهم واختلافاتهم دون تمييز. 

رابعا: مدى الانفتاح السياسي والروح الديموقراطية التي لا تعتمد اليد الأمنية لحل الأزمات ولا تمارس العنف المشروع إلا في أضيق الحدود لإنفاذ القانون فقط مع عدم ممارسة القمع بمختلف صوره بل تعميق درجة الرضا الشعبي العام. 

خامسا: درجة إمكانية المشاركة السياسية لقطاعات المجتمع المختلفة وحرية التعبير عن الآراء دون تربص بالمخالفين أو اضطهاد لهم بسبب آراء أو أفكار أو مواقف مع التكافؤ في القدرة على توصيل هذه الأفكار والآراء للجماهير من خلال الإعلام أو غيره من الوسائل والمسارات الآمنة. 

سادسا: نجاح السياسات الاقتصادية للسلطة وقدرتها على تحقيق التنمية ورفع دخل المواطن وتحسين مستوى الرفاهية والمعيشة للأفراد، فإذا فشل النظام في صناعة نجاح اقتصادي فهو يعرض البلاد لدرجات متفاوتة من عدم الاستقرار والسخط العام. 

سابعا: العدالة في توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء وتقاسم الموارد بشكل يضمن حصول كل مواطن على نصيبه من ثروات البلاد من خلال منظومة للعدالة الاجتماعية تقنن ذلك. 

ثامنا: حياد المؤسسات الوطنية للدولة تجاه العملية السياسية وعدم انخراطها فيها بأي صورة من الصور وعدم التأثير على العملية السياسية بأي تدخلات. 

هذه أهم معايير صناعة الاستقرار في أي مجتمع؟ فأين نحن من هذا؟ نحن أبعد ما نكون عن صناعة الاستقرار وتثبيت أركان الدولة، ما يحدث في مصر من عنف سياسي وبطش متعمد وتأميم المجال العام ومصادرة الحقوق والحريات يغلق المسارات الآمنة ويعرض البلاد لكثير من المخاطر التي يصعب التنبؤء بها. 

لكن المطبلون وأذيال السلطة يعتقدون أن صناعة الخوف في قلوب الناس هي التي ستحمي الدولة المصرية عبر إذلال الناس وتخويفهم بمصائر دول ممزقة كان غياب المعايير السابقة سببا في تفككها، لا أحد من هؤلاء يريد أن يجهر بكلمة حق ويقول للسلطة إن ممارساتها هي الخطر الأكبر على استقرار البلاد. 

من يحب هذا البلد سيقول الحق ولن ينضم لطوابير المطبلين والمدلسين، حب الوطن واستقراره ليس بالشعارات الفارغة والمزاعم الواهية بل بالأفعال والممارسات، ولا عزاء لجوقة النفاق والتطبيل، فالنفاق لن يبني وطنا ولن ينقذ دولة من مآلات السوء.