قضايا وآراء

حكم العسكر والقلب الأسود

1300x600
ليس غريبا ما يقوم به قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الدكتور محمد مرسي، الرئيس الذي رقاه درجتين، وولاه وزارة الدفاع، فقام بانقلاب عليه، ليس غريبا على سلوك الحكم العسكري ما يقوم به نحوه، من إساءة وسوء خلق، مع رجل أحسن إليه، من منعه زيارة أهله، وحبسه انفراديا، وتلفيق التهم له، وتشويه الرجل، فهذا ديدن الحاكم العسكري مع كل صاحب فضل عليه.

هذا هو حديث التاريخ، وما يحكيه الواقع عن حكام العسكر، منذ محمد علي وحتى عبد الفتاح السيسي.

فمن أسس لحكم العسكر المعاصر في مصر محمد علي، اقرأ ماذا فعل مع من أحسن إليه وولاه حكم مصر، فأعدم محمد كريم، ونكل بعمر مكرم والمشايخ والوطنيين إلى آخر ما هو معروف في بطون كتب التاريخ.

وعبد الناصر وما فعله مع الباشا الذي توسط له ليدخل الكلية الحربية، يذكر أن والد عبد الناصر قد طلب من أحد الباشوات التوسط لابنه، فأخبره أن يأتي به ليصحبه في سيارته ويذهب به للكيلة موصيا عليه، ولما قدم عبد الناصر على الباشا، وهمَّ بركوب السيارة بجواره، فقال له: اركب بجانب السائق يا بني.

ومرت السنوات، وعندما استولى ناصر على زمام الحكم، بحث عن الباشا الذي توسط له، لا ليكافئه، بل لينكل به، فقام بمصادرة أمواله، ولما ذهب الباشا لبيت ناصر مؤملا أن يشفع له ردا لجميله السابق، فاستقبله ببيجامة المنزل، معطيا ظهره للباشا.

وقال له: ماذا تريد؟ هل تذكر يوم أن قلت لي: اركب بجانب السائق، (المقابلة انتهت)، وأصر على مصادرة أموال الرجل صاحب الفضل عليه.
 
والأسوأ منه ما حدث مع اللواء محمد نجيب قائد حركة الجيش في تموز/ يوليو 1952 الذي وضع رأسه عرضة للبطش إذا ما فشلت حركة الجيش، والقارئ لمذكرات نجيب نجده يحكي عن مرارات تنم عن سوء الخلق، والتنكر للجميل، وإذلاله ومهانته، هو وأهل بيته.

وعاش سنوات حياته يصاحب الكلاب والقطط التي وجد منها الوفاء، ولم يجده من ضباط أقل منه رتبة، رفعهم على كتفه، فركلوه بأقدامهم، وتنكروا له ولفضله.

والسادات، الذي عندما فصل من الجيش، كان يرسل حسن البنا مساعدات لأهل بيته، بشهادة زوجته جيهان السادات، وشهادته هو في مذكراته (البحث عن الذات)، وكذلك عبد المنعم عبد الرؤوف أحد الضباط الأحرار، وعضو جماعة الإخوان، الذي باع ذهب امرأته وأعطاه للسادات لينفق على أهل بيته.

وعندما جاءت محاكمات 1954م العسكرية الظالمة، كان السادات أحد من حكم بالإعدام على الإخوان الذين أحسنوا إليه من قبل، وكذلك حكم على عبد المنعم عبد الرؤوف بالإعدام وإسقاط الجنسية المصرية عنه، وكان هذا ردا منه على جميلهم عليه.

وعندما سئل السادات عن سر سجن فتحي رضوان في أحداث سبتمبر الشهيرة، قال: إنه رفض أن يترافع عني في قضية مقتل أمين عثمان!! وهي قضية قديمة حدثت في أربعينييات القرن العشرين، ظل السادات مضمرا للحادث في نفسه ما يقرب من أربعين سنة، أما فتحي رضوان فقد برر ذلك بأنه كان يترافع عن آخر!

أما مبارك وموقفه من أساتذته في العسكرية المصرية، فيكفي ما فعله مع الجمصي، وسعد الدين الشاذلي، ومع أمه التي أنجبته، وقد ربحت قضية نفقة عليه، تلزمه بالنفقة!!

فهل نتعجب من السيسي بعد أداء التحية العسكرية لرئيس مدني، ومعه رئيس الأركان سابقا ووزير الدفاع حاليا صدقي صبحي، بما فعلوه مع الرئيس محمد مرسي، من سوء خلق، وقلب أسود، لا ينضح إلا بحقد وانعدام خلق، وهل بعد ما فعله السيسي بكل من وقفوا معه من رموز سياسية وعسكرية، تتعجب من هذا السلوك من حكم العسكر؟

هذا هو تاريخ حكامهم، وهذه أخلاقهم وقلوبهم المملوءة بالسواد على كل صاحب فضل عليهم.