بورتريه

أمير الكويت.. الباحث عن "حل عائلي" للأزمة الخليجية (بورتريه)

الكويت قطع العلاقات مع قطر أمير الكويت أزمة الخليج بورتريه
يعد أمير الكويت من الذين ساهموا في عملية التحديث في بلاده، حيث تمكن بعد معركة طويلة من تمرير قانون في البرلمان يمنح النساء حقوقهن السياسية، لكنه لم يسمح بتشكيل الأحزاب السياسية، لأن النص الدستوري لا يلزم بحرية الأحزاب ولا يحظرها، إنما يفوض الأمر للمشرع العادي، دون أن يأمره في هذا الشأن أو ينهاه.
 
في عهده عرفت الكويت صداما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فحل مجلس الأمة أكثر من مرة، ودعا لأكثر من انتخابات مبكرة، وسابقة لأوانها.

أمير دولة الكويت الخامس عشر، صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح، المولود في عام 1929، في مدينة الجهراء، تلقى تعليمه في المدرسة المباركية، وقام والده الشيخ أحمد الجابر الصباح بإيفاده إلى بعض الدول للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات السياسية، وللتعرف على عدد من الدول الأوروبية والآسيوية.
 
وفي عام 1954، عين عضوا  في "اللجنة التنفيذية العليا"، التي عهد إليها بتنظيم مصالح الحكومة والدوائر الرسمية ووضع خطط عملها ومتابعة التخطيط فيها، وفي عام 1955 عين رئيسا لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل ودائرة المطبوعات والنشر، وفي عام 1956 كان عضوا في الهيئة التنظيمية للمجلس الأعلى الذي كان يساعد الحاكم آنذاك.
 
وبعد الاستقلال في عام 1962، وتشكيل أول مجلس وزراء في الكويت، الذي ترأسه أمير الكويت عبد الله السالم الصباح، بعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي، عين  صباح الأحمد وزيرا للإرشاد والأنباء (الإعلام).

وفي عام 1963 وبعد إجراء انتخابات مجلس الأمة الأول عين وزيرا للخارجية، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1991، وشغل في تلك الفترة بالإضافة إلى وزارة الخارجية، وزارات أخرى بالوكالة.
 
وكان له دور في تزكية الشيخ سعد العبد الله الصباح، لولاية العهد في عام 1978، حيث كان من المرشحين لتولي المنصب مع سعد العبد الله وجابر العلي، لكنه تنازل لسعد العبد الله.
 
وفي عام 1991، خرج للمرة الأولى من الوزارة منذ استقلال الكويت، إلا أنه عاد في عام 1992 إلى الوزارة مرة أخرى، حيث عين نائبا أولا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للخارجية، وظل في هذه المناصب حتى عام 2003، عندما عين رئيسا للوزراء، وشغل هذا المنصب حتى عام 2006.
 
وبعد اعتذار الشيخ سعد العبد الله الصباح عن المنصب لمرضه، نقل مجلس الأمة صلاحيات الحكم إلى مجلس الوزراء بسبب مرض سعد العبد الله، الذي كان قد تولى الحكم بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد، واجتمع مجلس الوزراء بعدها، وقرر اختياره ليتولى حكم البلاد.
 
تولى صباح الأحمد مقاليد الحكم في عام 2006، بعد تزكية مجلس الوزراء له بعد نقل السلطات الأميرية إليه، ومبايعة أعضاء مجلس الأمة بالإجماع له في جلسته الخاصة. 
 
واختبر أكثر من مرة في السياسة الخارجية، وتجاوز بفضل خبراته وعلاقاته الجيدة مع دول المنطقة الكثير من الأزمات، وكان أول اختبار له في السياسة عندما شارك في اللقاء الذي نظمته الأحزاب المتنافسة في اليمن الشمالي (الجمهوريون والملكيون) مع ممثلي مصر والسعودية لوضع حد للحرب الأهلية، وتابع هذا الأمر عندما استؤنفت الاجتماعات في الكويت في عام 1966.
 
وعندما تدهورت العلاقة بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، وبدأت الصدامات بينهما في عام 1972، قام بزيارة إلى الدولتين، وأثمرت الزيارة عن توقيع اتفاقية سلام بينهما، واتفاقية أخرى للتبادل التجاري. 
 
وفي عام 1980، قام بوساطة ناجحة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية (اليمن الجنوبي) أثمرت عن توقيعهما لاتفاقية خاصة بإعلان المبادئ التي خففت حدة التوتر بينهما، إلى أن دعا وزيري خارجية الدولتين إلى الكويت في عام 1984 لإعلان انتهاء الحرب الإعلامية، واحترام حسن الجوار، وإقامة علاقات دبلوماسية بينهما.
 
ولعب دورا دبلوماسيا كبيرا في أعقاب دخول القوات العراقية للكويت عام 1990، وقام بجهود دبلوماسية مكوكية كبيرة لاحتواء الأزمة في البداية ثم بعد تفاقم الأمور ساهم بدور كبير في عملية إخراج القوات العراقية من الكويت والبدء في عملية إعادة بناء ما دمرته الحرب، وإعادة إحياء العلاقات الكويتية العربية ومع جميع دول الجوار التي تأثرت بالأحداث.
 
وحين قررت ثلاث دول خليجية مقاطعة دولة قطر، انبرى الأمير لتصدر جهود المصالحة بين "الأخوة" في الخليج، مدفوعا بقلق أمير عربي على الأوضاع في المنطقة، في حال تصاعد النزاع.
 
وكانت كلماته حول حل الأزمة الخليجية داخل البيت الخليجي ورأب الصدع بالحوار والتواصل، موضع ترحيب عربي ودولي وأممي، مشيرا إلى أن الأخوة والمصالح المشتركة تحتم على الجميع بذل كل جهد للحفاظ "على بيتنا الخليجي".
 
وقاد جهود مصالحة مضنية لإطفاء فتيل الأزمة المشتعل في منطقة الخليج العربي، وقام بزيارة السعودية والإمارات وقطر ضمن جهود الوساطة بشأن حصار (مقاطعة) ثلاث دول خليجية لقطر. 
 
ورغم أنها لم تثمر عن نتائج حتى الآن، إلا أنه يرفض القبول بالأمر الواقع، مؤكدا أن التقريب بين الأشقاء في دول الخليج وحل خلافاتهم "واجب لا أستطيع التخلي عنه"، محذرا من أن الخلافات قد "تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه".
 
وقال الصباح إن أي إرهاق وأي جهود مهما كانت صعبة، تهون أمام إعادة اللحمة الخليجية وإزالة الخلافات. 
 
يذكر أن الكويت كانت قد لعبت دورا كبيرا في إنهاء أزمة عام 2014، بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، وصلت إلى حد سحب سفراء الدول الثلاث من الدوحة لأشهر عدة.
 
لكن هذه المرة قد تكون الأكثر تعقيدا، فقد أكدت مصادر كويتية أن "الأمور تعقدت"، بسبب التصعيد الذي يسلكه محور "أبو ظبي-الرياض"، وإصراره على موقفه من التدخل، في توجيه السياسات القطرية الخارجية، مقابل رفض الدوحة الوصاية على أي قرار لها.
 
ويرى مراقبون أن نجاح محور "أبو ظبي-الرياض"، يعني فقدان مجلس التعاون الخليجي لدوره الحقيقي، وحصر قيادته بين عاصمتين فقط. بالتالي، فإن الكويت ستكون القادمة في سلسلة الإخضاع بعد قطر، وهو أمر قد يهدد وجودها، بسبب ظروفها السياسية والجغرافية، وشريطها الحدودي البري البحري، مع العراق وإيران.
 
سيناريو المصالحة في عام 2014، لا يبدو أنه سيتكرر هذه المرة، رغم أن هذا الخلاف أيضا يدور بين الأطراف نفسها، وعلى المواضيع ذاتها، وبوساطة من الكويت أيضا. 
 
وعلى العكس، فإن منسوب التوتر يواصل ارتفاعه بين قطر وجيرانها المقاطعين أو المحاصرين وتبدو الأزمة مقبلة على التصعيد، إلا إذا قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوقف عن لعب دور المحرض ومشعل الحرائق، كما وصفته صحف بريطانية، في وقت سابق.