قضايا وآراء

من شهادة نعمان للجزيرة

1300x600
الدكتور ياسين سعيد نعمان من أكثر السياسيين اليمنيين وعيا إلى انه ليس بصاحب مصداقية عامة لكونه سياسيا حاملا لبرنامج حزبي وجهوي بالدرجة الأولى، وتصوره لمستقبل اليمن من هذا المنطلق. وما يؤكد ذلك أنه كرر مرارا في اللقاء أن تلك رؤيته الشخصية، إلا أن ذلك لم يحل دون أن يطرحها على المستوى السياسي خلال مرحلة الحوار اليمني وأن ينتهي على اختلاف فيها مع بعض أطر الحزب الاشتراكي اليمني أو الجنوب.

تحدث في القسم الأول من المقابلة لقناة الجزيرة مع محاوره الإعلامي علي الظفيري عن دور عدن تاريخيا في صياغة الوعي السياسي والثقافي والوطني على مستوى اليمن، ورغم صحة ذلك إلا أن صدارة الدور كانت لمدينة تعز والتي ضمت كل نخب اليمن بما في ذلك نخبة عدن، وفي هذا المقال أتوقف عند بعض المحطات التي وردت في هذا الحوار.

تعز التي كانت سبّاقة إلى الفكر القومي من بعثي وناصري، والخاصرة الجغرافية التي لعبت دورا جيوسياسيا لتحرير عدن والمحميات المجاورة لها.

وعدم رعاية الهوية الجامعة لم يتم تجاوزه من قبل نظام علي عبدالله صالح فحسب، أو عند قيام الوحدة، بقدر ما تم تجاوزه أيضا في منظومة دولة شمال اليمن منذ قيامها في عام 1962 وليس كما يرى ذلك السفير النعمان، تجاوز الهويات الجهوية وعدم مراعاتها تم تجاوزه من قبل الأنظمة التي مرت على شطري اليمن.

كما أنه تم تجاوز الهوية الجامعة في الجنوب مند الاستقلال عام 1967 حيث فرضت نخب المحميات الغربية من "عوالق ودتينه ويافع والصبيحة" إرادتهم على هويات عدن وحضرموت والمهرة وشبوة.

وفيما بعد انتقل صراع الهويات الصغيرة ما بين نخب المحميات الغربية ذاتها وهو ما أسفر عن تصفية "الصبيحة" الذين ينحدر منهم نعمان ذاته والرئيس قحطان الشعبي وفيصل عبد الطيف الشعبي، مرورا بتصفية نخبة أبين الجريئة ممثلين بالرئيس سالم ربيع علي وأنصاره في عام 1978، ثم من خلال صراع لحج و أبين مجددا في عام 1986.

نعم دولة عدن هربت للوحدة مع صنعاء حيث كان يعتقد الحزب الاشتراكي اليمني انه قادر على ابتلاع نظام صالح من الداخل بينما حدث العكس.

غير ذلك الاشتراكي كان يعيش في عام 1990 أزمة داخلية وكان بالإمكان أن تنتهي على غرار 13 يناير 1986 فكان الهروب نحو صنعاء، علي سالم البيض رأى في ذلك فكاكه من سيطرة بعض صقور لحج وهذا ما يقصده نعمان ضمنيا أن النخبة لم تستشير الشعب!

وغياب الهوية لدولة الجنوب هو ما دفع علي سالم البيض في عام 1968 إلى أن يتجه نحو تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير حضرموت، ويتندر الجنوبيون بزعم أن نظام عدن منع حضرموت من تعاطي القات مقارنة بالمحافظات التي تقع في الغرب منها، تخوفا منه في أن يسهم القات في تفكير أبناء حضرموت تجاه سياسة النظام تجاههم.

وهل من المنطق أن يتم تكريس الهوية الجامعة من خلال التقسيم الجغرافي الذي رسمه البريطانيون؟ وأن يتم تجزئة لحمة قبائل أبرز قبائل يمنية ممثلة بحمير،مذحج،همدان وكندة؟  والمنتشرة على كامل تراب الدولة اليمنية الحالية بمعزل عن حالة التشطير السياسي.

الهوية الجامعة التي يريدها السفير النعمان، هي تلك التي كرسها الاحتلال البريطاني، وقبل حلوله لم تكن هناك هوية جهوية سياسية واجتماعية جنوبية، محافظة البيضاء انتقلت إلى المملكة المتوكلية عبر التسوية التي جمعتها مع بريطانيا في عام 1930.

الجبهة القومية وتنظيمها السياسي والتي شكلت أبرز القوى  المؤسسة للحزب الاشتراكي اليمني في عام 1978، لم يكن لديهم اهتمام ومراعاة للهوية الجامعة للجنوب والممثلة بالإسلام وفرضوا عليه ماركسية شمولية في ظل مدهم القومي اليساري، وقد شكلت هذه الهوية بالنسبة لهم تخلف ورجعية، وقيام الوحدة هو ما أرسى الهوية الإسلامية السياسية، الاجتماعية والاقتصادية للجنوب والتي تم استبعادها في الجنوب.

ترى منذ متى كان الشعب يستشار؟!

غير ذلك أن جهود الوحدة مرت بتاريخ طويل منذ عام 1972 واتفاقيات تمت بعضها برعاية عربية.

مشروع الدكتور نعمان في الكونفدرالية بين عدن وصنعاء غير مقبول من قبل "حضرموت" و"المهر"ة" ونخب جنوبية أخرى والذين يرون في ذلك إعادة لإرث الحزب الاشتراكي اليمني، وبعض الخلاف بين الرئيس عبدربه منصور والمجلس الانتقالي الجنوبي المعلن لإدارة الجنوب يأتي في هذا الصدد.

لا يمكن للجنوبيين نكران أن هناك هوية عبرت إليهم من محافظة تعز ويكاد يبلغ عمرها 100 عام، وقد صاغت هذه الهوية تاريخ الجنوب وعدن تحديدا ثقافيا،سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتلك دلالة أن الوحدة اليمنية تشكل قدرا حتميا وليست مشاريع نخبوية وهويات جزئية لا يراد لها أن تتجاوز أطوار الصراعات البدائية.

عوضا عن ذلك فإن الهوية الجامعة بدورها غائبة في الشمال اليمني وهو ما أدى إلى تعاطف مأرب،الجوف،البيضاء،والحديدة مع الجنوب.

ففي ظل صدارة جنوبيين كنخبة للقيادة الرسمية لدولة اليمنية المنزوعة القدرات على المستوى اليمني عموما والتي يمثلها هنا السفير ياسين سعيد نعمان، فإن الحديث عن خطاب إقليمي ومناطقي، يشكل إعادة لليمن إلى ما قبل 1962.

وسينتهي الجنوبيون بدورهم كأبرز الأطراف الخاسرة في ظل هذا الواقع، وهو ما سيؤدي إلى انفجار أزماتهم الداخلية الراهنة وعودة ما اندثر منها مجددا.

* كاتب صومالي