قضايا وآراء

أهل القمة

1300x600
أعتقد أن التاريخ سيتوقف طويلا عند زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية واجتماعه بقادة عدة دول عربية وإسلامية ليحدثهم عن الإسلام المسالم أو السلمي، كما يقول؛ ذلك لأن لا الإسلام في الأساس دين عنف، ولا المسلمين في الوقت الراهن -وقد استبيحت أراضيهم ودماؤهم وأموالهم- بالعنيفين أو المتطرفين، ناهيك عن أن يكون المحاضر في هذا الشأن هو أمريكي بنى حملته الانتخابية الدعائية على عدائه السافر المسجل بالصوت والصورة للعرب والمسلمين والإسلام بشكل خاص وواضح.

وبالتالي، لا أعرف معنى هذه القمة التي عقدت أو تلك التي ستعقد، إلا أنها "بروباجندة" إعلامية، الهدف منها التغطية على الاستجابة لمطالب ترامب التي كررها غير مرة من أنه يتعين على دول الخليج أن تدفع للأمريكيين من أجل بقائها فهي كما عرفها ترامب بنفسه "ليست دولا ولا تملك شيئا سوى المال وهم جبناء وليسوا شجعان"، هذا ما قاله ترامب في حملته، وهو تكرار لطلبه أي ترامب من الرئيس الأمريكي السابق أوباما في تغريدة قديمة له إذ كتب مغردا في 2014 "قل للسعودية وغيرها إننا نريد البترول مجانا لمدة عشر سنوات وإلا لن نحمي طائراتهم ال 747 الخاصة. ادفعوا". 

لم يتغير ترامب ولم يغير مواقفه ولا أظنه سيفعل، فقد سبقت شروطه وصول موكبه، وعلم الجميع أنه يتعين عليهم الدفع أو الحرب، والحرب هنا لا تعني احتلال الأراضي العربية فهي شبه محتلة ولكن الحرب هنا الكراسي والسلطة، وفهم القوم المطلوب وبقي الترتيب والإخراج فقط لا غير. وإلا فما علاقة بوركينا فاسو بإيفانكا ترامب أو علاقة السيسي بزوج بنت ترامب أو حتى بزوجته التي جلس إلى جوارها وهو يبتسم ويبدو كما لو كان يتحدث معها وكلنا يعلم أن زوجة ترامب نفسها ليست أمريكية وبالتالي ليست طليقة أو ضليعة في الإنجليزية التي لا يعرفها السيسي أصلا. 

وقف ترامب معلنا أنه وقع اتفاقيات بمليارات الدولارات، ما يعني تشغيل الأيدي العاطلة الأمريكية، أي "وظائف"، "وظائف" كما كان يردد في حملته الانتخابية.

بدا لي ترامب الذي لا أحبه وفيا لوعوده ولمن انتخبوه، قال لهم سأجعلهم يدفعون، فوفى، وجعلهم يدفعون كما لم يدفعوا من قبل، وبطريقة أو بإخراج شيك ولطيف، حتى لا يبدو كما لو كان الأمر فدية، كما وصفها ديفيد هيرست، ولا جزية حتى لا يغضب رجال الدين هنا أو هناك، خصوصا الذين يرون أن آية الجزية في القرآن أصبحت خارج السياق. 

اتهم ترامب حماس بأنها إرهابية فسكت القوم وبلعوا ألسنتهم وبلاعيمهم واختفت حناجرهم الصوتية، وتواروا بالحجاب.

تحدث ترامب هذه المرة عن التطرف الإسلامي وليس الإرهاب، فلم يرد عليه ولو برسالة مسجلة أي من الحضور كأن على رؤوسهم الطير أو الخبز وينتظرون حكم الإعدام وهم ينظرون. 

شهد ترامب توقيع اتفاقيات تضمن توفير ملايين فرص العمل بينما العرب عاطلون والماء بين يديهم، ضياع ما بعده ضياع وهوان ما بعده هوان، ثم يديرون وجوههم صوب شعوبهم ويتهمون المعارضة بالإرهاب تارة وبالثورة تارة، ولا ينظر القوم في المرآة ولو مرة ليدركوا حقيقة أمرهم ولا حقيقة ما يجري لهم أو ما يفعل بهم.

قبل زيارة ترامب للمملكة سبقه إلى البيت الأبيض وكيل عرش الإمارات ليعلن من البيت الأبيض عن اتفاقيات ثنائية في مجال التعاون الدفاعي؟ يعني بدون لف ولا دوران اتفاق حماية، ولك أن تتخيل مدة هذا التعاون الأمني؟ خمسة عشر عاما يا مؤمن!! 

حين تبحث عن السبب لقمة ترامب الذي جاءهم ليتعلموا الدين من جديد، وليكشف لهم عن الجانب السلمي والإنساني في الإسلام، سوف تكتشف أن هذه القمة لم تخرج بشيء، الكل شهد عقد قران دولة أمريكا على فلوس الخليج الـ 450 مليار دولار أو أكثر في ظرف زمني قدره عشر سنوات، منها 110 مليار دولار دفعت فورا وفي التو واللحظة.

ما يلفت النظر ويصيب العين بالحول أو بالعمى هو فرحة القوم ورقصهم وهم يدفعون لسيد العالم الجديد الذي جاء إليهم في عقر دارهم ونال من دينهم بزعمه أنه دين تطرف وحرضهم على مواجهة شعوبهم، ثم التفت إليهم قائلا لماذا لا تدافعون عن أنفسكم؟ 

قبل القمة الفارغة زعم البعض أن ترامب إنما جاء ليؤدب إيران ويوقفها عند حدها ووصل الأمر ببعض المجاذيب أن اعتقد بأن الحرب الأمريكية على إيران باتت وشيكة، وفي الوقت الذي كان المجتمعون يحتفون بترامب وزوجته وابنته وزوجها كانت إيران التي أكرهها تجري انتخابات رئاسية فاز رئيسها حسن روحاني بفترة حكم ثانية بنسبة 57%.

فلا إيران أجلت الانتخابات بحجة وجود تهديد خارجي على الأبواب، ولا ارتعدت فرائص نظامها خوفا ووجلا من القمة ولا من وصول ترامب للمنطقة، بل إنه وفي وجود ترامب قامت المضادات الدفاعية لقوات التحالف العربي في اليمن بصد صاروخ قيل إنه روسي تم تطويره في ايران أطلقه الحوثيون من صعدة باليمن على المملكة في اتجاه الرياض، هل سمعت تعليقا واحدا على هذه الحادثة ؟ هل أعلن المؤتمرون عن رغبتهم في الزحف المقدس نحو إيران ؟ هل أعلن المجتمعون عن عزمهم عزل بشار الأسد مثل باعتباره عميلا لإيران؟ 

 لم ولن تسمع مثل هذه الأخبار لا اليوم ولا غدا، فالقمة لا علاقة لها بالحرب على إيران لا من قريب ولا من بعيد، وإيران على علاقة أكثر من ممتازة بحكام الإمارات ومسقط والكويت وهي حاضرة في قلب بغداد ودمشق وبيروت وفي اليمن أيضا .
 
من حق أي دولة في المنطقة الدفاع عن أمنها بالطرق التي تراها مناسبة، ولا يملك المرء أن يتدخل في شؤون تلك الدول، فالأمر متروك لشعوبها، فإن رضيت فلها الرضى، وإن غضبت فربنا يستر عليها. 

بالمناسبة ما آخر أخبار المؤامرة الأمريكية على العالم العربي؟