قضايا وآراء

الفيدرالية السورية بين الضرورة المرحلية والمخاطر المستقبليّة

1300x600
لا يختلفُ اثنان أن ما يحدث في سوريا لم يَعُد شأنا داخليّا صرفا بعد ست سنوات من ثورة شعبيّة تدخلت فيها دول كثيرة لدعمها أو إخمادها لأهداف كثيرة، فقد تشابكت المصالح الدوليّة والإقليميّة على حد سواء فوق الجغرافيّة السوريّة؛ تشابكا وصل حدَّ التعقيد بما يُنذِرُ بصراع عسكري مباشر إذا استمرت الأمور تسير في المنحى ذاته.

وانسحبَ التشابُك على المجتمع السوري الذي انقسم عموديّا وأفقيا بين مؤيد ومعارض، رغم وجود غالبية ساحقة - فيما نزعم - في صفّ الثورة بدليل انهيار الجيش السوري، واستعانة الأسد بمليشيات أجنبية للاستمرار. وليس مرجع التشابك في المجتمع السوري لارتباط مصلحة كثيرين مع النظام السوري وحسب، فالتركيبة الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية لعبت دورا كبيرا في تعقيد التشابك، هذه التركيبة التي كانت عاملا جامعا لتجاذب السوريين حول وطن جامع غدت بفعل الاستبداد عاملا لتنافر السوريين من بعضهم، وفي أحيان لاقتتالهم.

إنَّ التشابُكَ على هذين المستويين (الخارجي، الداخلي) عقَّدَ التوصل لصيغة مرضية للجميع للحل السوري، وبدا أنّ المخرجَ يبدأ من صيغة "لا غالب ولا مغلوب"، فلا طرف من الدول الكبرى والإقليمية يقبلُ بالهزيمة ويرضى بها، وينسحبُ الأمرُ على الداخل.

ولا تعني هذه الصيغة بالضرورة بقاء رأس النظام. فرحيل الرأس ضرورة لأي حلّ، فإصلاحه كما ينادي البعض يضاف للمستحيلات السبع، كما أن بقاء الرأس أو النظام الاستبدادي بتركيبته وصورته الحالية يعني حكما استمرار الصراع. وهنا تبدو "الفيدراليّة" حلّا تتطلبه ضرورة المرحلة لدى كثيرين، فالفيدرالية تنسجم مع الوضع السوري باعتبارها توزِّعُ السلطات بين الحكومة المركزية والحكومة الفيدرالية، وبذلك تمنع الاستبداد الذي يمثل الداء للوضع السوري.

والفيدراليّة تمنعُ تجمع السلطات في المركز، وتبدد مخاوف الأقاليم "الفيدراليات" من بعضها بعضا نتيجة انتفاء استبداد سلطة المركز، كما أنها تمكن الأقاليم من إدارة نفسها سياسيا وإداريا واقتصاديا ضمن صلاحيات واسعة، وفي الوقت عينه، تمكن سكّان الإقليم من اختيار ممثليهم النيابيين بشفافية أكثر. وهناك نماذج مشرقة ومشجعة لدول قوية ومؤثرة كالولايات المتحدة وألمانيا وكندا والنمسا وغيرها كثير.

ولكنّ الوضعَ السياسي السوري الحالي الذي يفرض "الفيدرالية" كحلّ مناسب للمرحلة الحالية ذاته الذي يجعل منها خطرا، ونوعا من المغامرة التي قد تؤدي لتشظي الوطن السوري.

فتطبيق الفيدراليّة في الوقت الراهن، باعتقاد كثيرين، سيؤدي لتقسيم سوريا وفق أسس عرقية ومذهبية. فالدولة العلوية في الساحل، والكردية في الشمال، والدرزية في الجنوب، والسُّنّة لإقليم هنا وآخر هناك، وذلك لا شكّ سيترافق مع عمليات تهجير منظمة لإحداث التغيير الديمغرافي. مِمّا يَعني عمليات ضخمة من الانتقام، وبالتّالي الدخول في صراع من نوع آخر أشد مرارة من الصراع الحالي القائم بين شعب توّاق للحرية، وسلطة مستبدة.

ويُبدِّدُ أنصارُ الفيدراليّة هذه المخاوف مستندين لعدم القدرة الفعليّة؛ لأي إقليم إقامة دولة قابلة للحياة لأسباب كثيرة ليس هذا موطن بيانها. ولكن يبقى السؤال المطروح: هل يمتلك السوريون خيار النّظام الفيدرالي من غيره؟!

يشيرُ الواقعُ الميداني إلى أنّ سوريا تتّجِهُ نحو الفيدرالية، سواء قَبِلَ السوريون ذلك أو رفضوه. فالعمليات العسكريةُ الأخيرة بدءا من معركة حلب الشرقية مرورا بعمليات التهجير المُتبادل في وادي بردى والزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، وليس انتهاء باتفاق برزة والقابون، تُوضحُ ذلك. وتزداد الصورة وضوحا عند النظر لتأمين روسيا الساحل السوري لصالح نظام الأسد، ودعم الولايات المتحدة للمليشيات الكردية الانفصالية في الشمال في الوقت عينه الذي تدعم في مع بريطانيا الثوار في الجنوب لقطع الحدود السورية العراقية، فضلا عن دعم تركيا في الريف الشمالي لحلب، كل ذلك يبيّنُ جزءا من خارطة الفيدراليات السورية التي يدفع المجتمع الدولي سوريا باتجاهها دفعا.

فالنّظامُ الفيدرالي مَخرَج يلائمُ الروس والأمريكان معا لذلك يعملان عليه دون استشارة السوريين أو أخذ رأيهم، فينبغي على السوريين إيجاد السبل لمواجهة هذا التحدي، أو برمجة الفيدرالية لصالح سوريا الوطن بما يبدد المخاوف ويمنع التقسيم، فالخطر الحقيقي لا يكمن بالفيدرالية إنّما في سوء تطبيقها، تماما كالنظام الجمهوري الذي حوله الأسد فعليّا لملكيّة استبدادية.