كتاب عربي 21

مناقشات حول انتخابات 2018

1300x600
(1)

يدور الجدل منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013 عن كيفية استرداد الإرادة الشعبية في الانتخاب الحر النزيه، وازدادت قاعدة النقاش على مراحل ممتدة طوال تلك السنوات الأربع، وكان الازدياد يحدث وفقا لعوامل متعددة، منها التعامل العنيف مع الاعتصامات آنذاك وصولا لمذبحة 14 آب/ أغسطس 2013، ومنها القمع السياسي الذي طال كل الأطراف بما فيها شركاء 30/6، ومنها الحالة الأمنية التي تتراوح بين إخفاق في ملفات متعددة أهمها العنف المسلح خاصة في سيناء وبين إجرام في التعامل مع الجنائيين والسياسيين وصل للتصفية في الشوارع والقتل تحت وطأة التعذيب، ورغم كل هذه الكوارث إلا أن الوضع الاقتصادي شديد التأزم وعملية تسليم جزيرتي تيران وصنافير قد زادا السخط الشعبي الذي يرجو تغيير تلك السلطة الفاشلة والمستبدة، وأصبح الخوف الحقيقي من عملية التغيير بالتظاهر زيادة الأعباء الاقتصادية والتعرض للبطش الأمني غير المحدد بسقف، وأصبح الأنسب في اختيارات الكثيرين حدوث عملية انتقال هادئة للسلطة، إما لأحد العسكريين أو المدنيين الذين لا يثيرون توترات مع الأطراف ذات الأوزان في المجتمع.

عملية الانتقال الهادئ تحتاج لحدوثها توافقا بين أجنحة السلطة الحالية على إجرائها -أيّا كانت خلفية الشخص الذي سيتم التوافق حوله- وربما مثّلت الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018 حلّا ومخرجا لدى بعض هذه الأجنحة، لمحاولة الحفاظ على بعض الامتيازات وإبقاء بعض الأمل للشارع في تحسن الأحوال المعيشية بدلا من الانفجار -وارد الحدوث- الذي لن يقدر أحد على الوقوف أمامه لو تدحرجت كرة النار، وإذا لم تحدث مفاجآت قبل أيار/ مايو 2018 فلا بد من التفكير والاستعداد لاتخاذ موقف في الانتخابات التي ستُعلن نتيجتها فيه، كما لا يمكن التأخر أكثر من ذلك في التعاطي معها لتهيئة الشارع لذلك الموقف الذي سيتم اتخاذه، وهذه محاولة للتفكير بصوت مرتفع في مآلات المشاركة أو المقاطعة لما سيجري بعد عام، مع الأخذ في الاعتبار تضاؤل فرص حدوث انتخابات حرة ونزيهة.

التساؤلات الأساسية عما يمكن أن يحدث بشكل إيجابي أو سلبي من المشاركة أو المقاطعة؟ وما هي عوامل تقليل التدخل الخشن أو الناعم من النظام الحاكم في مسار الانتخابات؟

(2)

تجدر الإشارة أن انتخابات 2018 تختلف عن 2014 من حيث اصطفاف المؤسسات أو القوى السياسية وقطاع كبير من الشارع خلف شخص واحد، إذ حدث ما فكك ومزق هذا الائتلاف، ودفع قطاعا من الساسة ورجال الشارع إلى المطالبة بالتغيير، كما تبدو مؤشرات حول رغبة أطراف من مؤسسات النفوذ في ذلك التغيير، وهذا التغيّر هو ما قد يسهم في التفكير باتخاذ قرار المشاركة في تلك الانتخابات، كما أنه يضع الأطراف المطالبة للتغيير لأول مرة في موقف الفعل لا رد الفعل مع النظام الحالي، وما يُطرح لرفض المشاركة يمكن إجماله في أنه "سيعطي شرعية للنظام الحالي" إذ يرى الرافضون للمشاركة في أي عملية انتخابية أن شرعية هذا النظام باطلة لأنه قام على إجراء باطل منتصف 2013، فضلا عن أن المشاركة تعني زيادة في أعداد المصوتين مما يعني ترسيخ الشرعية المتنازع عليها أصلا، وهذان السببان يكفيان للامتناع عن المشاركة من وجهة نظرهم.

ويمكن مناقشة ذلك الطرح بأن النظام الحالي كسب مساحة التأييد الدولي والاعتراف الشعبي وأصبحت حيازته للحكم "شبه مستقرة" وكلما شاب حيازته عدم الاستقرار قدّم ما يجبر هذا الخلل، فخطاب عدم الشرعية قد يكون مقبولا في حالة عَدَمِها كليَّة، لكن الصورة الحالية تخالف ذلك، كما أن المشاركة لا تعني القبول بالأمر الواقع واختيار المسار السياسي وحده، بل يتكامل المسار السياسي مع غيره من المسارات التي تتجه لمصب واحد، وقد اختار البعض السير في مسار الشارع وحده، لكنهم الآن لا يملكون الشارع ولا السياسة ولا غيرهما من أدوات الضغط، فلا يمكن الاكتفاء بجانب دون آخر من وسائل العمل العام، كما أن المشاركة ستظهر قدرا -لا بأس به- من الأوزان النسبية للأطراف في الشارع ومدى الرغبة في التغيير، عن طريق الحملات الرئاسية ونسب المصوتين، فضلا عن أن هذه الحيوية (التي ستواجهها الدولة) ستسهم جزئيا في تعديل أجواء المجال العام.

إذا تحركت الأطراف الراغبة في التغيير نحو المشاركة فسنكون أمام إحدى حالتين:

• إما أن يستمر قائد السلطة الحالية، ولكن نظام الحكم سيكون قد تعرض لعملية تشكيك واسعة في التأييد الشعبي له، وكثافة المشاركة من أهم ضمانات تقليل عملية التدخل في سير الانتخابات، وحينها يمكن التأكيد على أن هناك أصواتا أخرى ينبغي الاستماع إليها، ومن جهة أخرى سيقع في مأزق: إما ترك المشاركة للشارع بحرية أو التدخل الخشن ضد المشاركة، مما سيضعه في أزمة حقيقية ويمكن خوض صراع قانوني حول شرعيته، لكن المقاطعة ستسمح له بتمرير ما يريد بهدوء بالغ ودون أدنى إحراج.

• والحالة الثانية نجاح الأطراف الراغبة في التغيير في إيصال مرشحها للحكم، وبالضرورة سيستتبع ذلك عملية تهدئة واسعة النطاق على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

(3)

يقف على الجانب المقابل من يدعو لمقاطعة أي استحقاق انتخابي يجري في ظل النظام الحالي، استنادا لما سبق ذكره من نزع الشرعية عن النظام، ولا يمكن تصور نجاح للمقاطعة إلا إذا نجحت الأطراف المعارضة للنظام في جعل اللجان خاوية بدعوتها هي لا بمجرد ترك الشارع لعزوفه أو مشاركته، وإشكال طرح المقاطعة أن هناك داعمين للنظام الحالي بامتداده على مدار عقود طويلة أيا كان مرشحه، وهذه الفئة انتقلت -بفعل الثورة- من الإحجام إلى المشاركة، كما أن هناك تصويتا طائفيا للأسف له كتلته، صحيح أنها اهتزت لكن ستبقى توجيهات رموز الطائفة لها ثقلها في النهاية، وهذه التوجيهات ستميل غالبا للنظام الحالي، فنحن أمام كتلة -ستشارك بشكل مؤكد- يمكن تقديرها من 8 إلى 12 مليون ناخب، وسيتم تضخيم هذه النسبة لتصير عملية المقاطعة فارغة من أهدافها في ظل تلك المعطيات، وسينتج عن أحادية فئة التصويت وتضخيم نسب المشاركين فوز كبير قد يتجاوز 90% للمرشح الأقوى كما جرى من قبل فضلا عن التلاعب في عدد المصوتين له، ليتم تصوير المشهد بأن المصريين يسيرون في اتجاه واحد، وهناك أصوات على الهامش تحاول فرض رؤيتها على عمومهم.

(4)

هذا التصور الأوليّ يرجّح التوجه نحو المشاركة، باعتبارها الأنسب في الظروف الحالية بما ستصنعه من أمل في التغيير، وتخفيف القبضة على المجال العام، وإتاحة الفرصة لكل الأطراف الراغبة في التغيير بأن تتحرك لوجود البديل، ويمكن لتلك الأطراف الاتفاق على اسم واحد دون اشتراط مسبق لحياته المهنية، وإن كانت الثقافة المدنية أفضل من غيرها، لكن الظرف الحالي قد يستدعي مرحلة انتقالية يتم الاتفاق على أسسها دون الوقوف كثيرا على من ينفذها، ولإنجاحه ينبغي التحرك نحو انتزاع بعض الضمانات التي تساعد في ضبط العملية الانتخابية وتحفيز الشارع للمشاركة بكثافة باعتبار -الكثافة- أهم الضمانات، ويشترك معها: الإشراف القضائي الكامل، وجعل التصويت في يوم واحد حتى لا يحدث تلاعب في الصناديق، وجعل الفرز في اللجان الفرعية لا العامة، وربط مقر التصويت بمحل السكن، والسماح بالمتابعة الصحفية داخل اللجان، وتوسيع قاعدة الرقابة المجتمعية بإتاحة تصاريح مراقبة اللجان لمندوبي المرشحين وهيئات المجتمع المدني وغيرها من جهات المراقبة التي تسهم في عمليات الانتقال الديمقراطي في أي بلد مأزوم.

هذه مجرد دعوة للتفكير والنقاش في أي دائرة من دوائر الاهتمام بالعمل العام، لإحداث أي انفراجة في الحالة المصرية شديدة التعقيد والتشابك، فلم يعد الصواب في ترك الصورة بتفاعلاتها الذاتية دون أي تدخل، وانتظار معجزة من السماء لخاملين في الأرض دون سعي حثيث في مناكبها.