كتاب عربي 21

عندما تسخر إيران من نفسها في إدانة باكستان

1300x600
قبل أيام عدة، أوردت وكالات الأنباء خبر مقتل 10 جنود إيرانيين على يد مقاتلي "جيش العدل" في محافظة سيستان- بلوشستان على الحدود مع باكستان، وتبنت المجموعة المذكورة العملية في وقت ذكرت فيه تقارير أمنية إيرانية أن مقاتلي جيش العدل قاموا بتنفيذ الهجوم باستخدام أسلحة طويلة المدى، في إشارة ربما إلى أن العملية جرى تنفيذها من داخل باكستان.

بالفعل، لم نضطر إلى الانتظار طويلا قبل أن يقوم الجانب الإيراني بإلقاء اللوم على باكستان، محملا إياها المسؤولية عن الهجوم، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، إنه يجب مساءلة الحكومة الباكستانية عن تواجد وعمل هذه المجموعات على أراضيها، مشددا على إدانة ما أسماها الجماعات المتطرفة التكفيرية، مؤكدا أن ما جرى هو أمر غير مقبول.

الهجوم الذي تبنته المجموعة المسماة "جيش العدل"، لم يكن الأول من نوعه كما تفيد التقارير الإعلامية، وبالتأكيد لن يكون الأخير كذلك، إذ سبق لهذه المجموعة أن تبنت مقتل ثمانية من حرس الحدود الإيرانيين في نيسان/ أبريل 2015، و14 جنديا في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، واللافت في هذه العمليات، أنها موجهة حصرا إلى الجنود الإيرانيين.

واستدعت الخارجية الإيرانية السفير الباكستاني لهذا الغرض، واستنفر كامل الطاقم السياسي للدولة انطلاقا من رئيس الجمهورية مرورا برئيس البرلمان، وليس انتهاء بوزير الخارجية والمؤسسة العسكرية لإدانة العملية وصب جام الغضب على الحكومة الباكستانية. 

لا شك أن مثل هذا الاستنفار الذي يهدف إلى التضليل يخفي في جوانبه حقيقة الاضطهاد الشنيع الذي يمارسه نظام الملالي ضد سكان محافظة سيستان- بلوشتان ذات الغالبية السنية. 

وفي مثل هذا الوضع، فإن استهداف باكستان سياسيا وإعلاميا يعد أمرا سهلا ومرغوبا، وذلك لتحويل الأنظار إلى الخارج، بدلا من معالجة المشكلة الحقيقية، وهو أمر تجيد السلطات الإيرانية فعله بامتياز دوما. 

أضف إلى ذلك، أن هناك مسوغا آخر هذه المرة لكي يوجه النظام الإيراني سهامه للحكومة الباكستانية، ويتمثل بموافقة باكستان على تعيين القائد السابق لجيشها الجنرال رحيل شريف، قائدا للتحالف العسكري الإسلامي الذي شكلته السعودية، لا سيما أن الجانب الإيراني كان قد أبدى امتعاضه لهذه الخطوة ومعارضته لها بشكل علني.

لكن أيا يكن الأمر، فمن السخرية بمكان أن يتهم النظام الإيراني الحكومة الباكستانية، ويحملها المسؤولية عن مثل هذا العمل، في وقت لم يتوقف فيه هو عن تصدير الإرهاب إلى دول المنطقة منذ عقود، ولم يتردد لحظة واحدة عن توظيف كل التكتيكات القذرة، بما في ذلك الاغتيالات والطائفية والإرهاب، لتحقيق أهدافه، كلما وجد إلى ذلك سبيلا.

خلال السنوات القليلة الماضية، استطاعت إيران أن تتقدم خطوة إضافية في مشروعها الإقليمي ذي الطبيعة الاستيطانية الإحلالية في المنطقة، من خلال توظيف وتدريب وتسليح عدد كبير من المتعصبين الشيعة، في مراكز تابعة للحرس الثوري الإيراني في إيران، قبل أن يتم إعادة إرسالهم إلى جبهات خارج البلاد، لقتال المسلمين، دفاعا عن المصالح الإيرانية.
  
ومن المفارقة، أن النظام الإيراني الذي يريد تحميل باكستان المسؤولية عن أعمال تجري داخل إيران، متورط في تجنيد شيعة باكستانيين، وإرسالهم للقتال في سوريا، لدرجة أن الحرس الثوري الإيراني تمكن من تشكيل لواء كامل من المقاتلين الشيعة الباكستانيين، مع ما لذلك من انعكاسات خطيرة على الداخل الباكستاني، لناحية تعميق الخلاف المذهبي الذي أنتجه نظام الولي الفقيه في المنطقة وعسكرته. 

هؤلاء المقاتلون الشيعة سيشكلون دون أدنى شك خطرا أمنيا في المستقبل على باكستان، وعلى الدول المسلمة الأخرى، ومن قام بتوظيفهم في سوريا، قادر على توظيفهم في أجندة الإرهاب في أماكن أخرى، بما في ذلك في باكستان نفسها.