كتاب عربي 21

أردوغان.. وبيوت الخبرة المصرية!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
في عهد الرئيس المصري المخلوع، كان من يحصل على ترخيص بإصدار صحيفة فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، ولأن أحد الأشخاص كان يحمل ترخيصاً، وقد أصدر صحيفة استنزفته وأنفق عليها كل مدخراته، فقد ذهب إلى واحد من رجال الأعمال يعرض عليه "الشراكة"، فاكتشف أن الرجل يمتلك عقلية اقتصادية مدهشة، فقد رفض العرض، لأنه لا يحب الشراكة في تجربة فاشلة، ولأنه كان يفكر جدياً في الدخول إلى مجال الإعلام، فقد طرح عليه أن يعد دراسة يجيب فيها عن سؤال واحد نصه: لماذا فشلت؟.. على أن يشتري منه الدراسة بمبلغ وقدره مئة ألف جنيه، لأن في نيته أن يستفيد من "خبرته في الفشل"، حتى لا يكرر أخطاءه!

عندما روى لي صاحب الترخيص الواقعة جاداً، فلتت مني حينها ضحكة عفوية، فمعلوماتي عن الخبرة، هي في النجاح وليس في الفشل، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعرف فيها أن الفاشلين لديهم بضاعة يمكن أن تجد من يثمنها ويدفع ثمنها، واعتبرت أن ذلك من غرائب الأشياء، قبل أن أصل للمرحلة التي نحياها الآن والتي جعلت الفاشلين في مجال السياسة يعطون الدروس، وكنت أعتقد أن من يعطي الدروس ويقدم العبر هم أصحاب النجاحات في شتى مناحي الحياة!

لقد طفت حكاية صاحبنا صاحب الترخيص مع رجل الأعمال على سطح ذاكرتي عقب الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على الدستور التركي، وإذ كان من الجائز أن يثير هذا الفوز حفيظة من يبغونها عوجاً من الذين ينتمون للثورة المضادة ومن السيساوية نسبة للسيسي، والحفترية نسبة لحفتر، إلى الدحلانية نسبة لمحمد دحلان، فقد كان عجباً أن تغضب جبهات الفشل السياسي في مصر، حيث وضعوا أيديهم على قلوبهم وقد صاروا خبرة في فقه المآلات، فنصبوا سرادق ليتقبلوا العزاء في المغفور له بإذن الله تعالى رجب طيب أردوغان!

"السيساوية"، وحلفاؤهم على ظهر البسيطة، اعتبروا التعديلات الدستورية تؤسس للديكتاتورية الأردوغانية فأضحكوا الثكالى؛ ذلك بأن هذا الكلام يأتي من قوم طبق عليهم قانون الطوارئ، بما يعني أن القانون العادي في إجازة، وهو بلد يتحرك فيه أعلى سلطة في البلاد لإغلاق صفحة "فيس" لكاتب أو يصادر صحيفة لأنها تجرأت وطالبت بإقالة وزير فاشل، كما يتحرك لمنع كاتب من الكتابة، "جمال الجمل" أنموذجاً.

النظام الرئاسي ليس بدعاً، وهجوم الغرب على أردوغان، لا يراد به وجه الحرية، والدليل أن الغرب "الهائج" ضد أردوغان هو ذاته الذي حرم المصريين من حق إقرار المصير، وأسبغ الشرعية على انقلاب عسكري فاشستي، وتواطأ في إهدار خمسة استحقاقات انتخابية للمصريين، فليس له أن يعطينا دروساً في الديمقراطية والاستبداد!

ومبكراً، فقد عرفت كيف أميز بين الديمقراطية والتحرر الوطني، فقد فتحت النار على صدام حسين بملف انتهاكه لحقوق الإنسان، والتي كانت تتم في ظل علاقة جيدة تربطه بالغرب وبالنظام الإقليمي، ولكن عندما عقدت الولايات المتحدة الأمريكية العزم على احتلال العراق، كنت على يقين أنها معركة الاستقلال في مواجهة الاستعمار، فلم أصدق دعايات القوم من أنهم جاءوا لتحرير المواطن العراقي.

الآن، فأنا أعلم أن الحرب الغربية على "أردوغان" ليست من منطلقات لها علاقة بالحرية، فقد حكمت تركيا بحكم عسكري عضوض دون تململ غربي!

لقد كانت المؤامرة الكبرى في التواطؤ الغربي مع الانقلاب العسكري، ولأن الأتراك تصدوا للانقلاب وأسقطوه فكان لابد من البحث عن خطة جديدة، يقطع عليها "أردوغان" الطريق بوضع مقاليد الأمور في يده وبأن يكون الحكم رئاسياً كما في كثير من البلدان الغربية!

وعندما يهاجم الغربيون ما يجري في تركيا فهم عندي مثل السيساوية الذين يؤيدون قاتلاً ومنقلباً على إرادة شعب، ومع ذلك يتحدثون عند ديكتاتورية أردوغان واستبداده!

ما علينا، فهؤلاء ليسوا موضوعنا، فاللافت أن قطاعا من عناصر "بيوت الخبرة المصرية"، تحولوا إلى "أمينة رزق" بعد نتيجة الاستفتاء، وحولوها إلى "مناحة" على قواعد "الشحتفة"!

ولأنهم لدغوا من "الشوربة" فإنهم ينفخون في "الزبادي"، وهم ينطلقون من كونهم أصحاب خبرة، وعليه فقد رأوا في هذه التعديلات، وفي النجاح في تمريرها ما يمثل استفزازاً للغرب، ومخاطرة بالتالي لـ "أردوغان"، الذي لم يمر بتجربتهم العريضة، "في الفشل"، فأقدم على هذه الخطوة دون أن يستمع لهم.. يا لها من جرأة تتمتع بها حركة الكفاح الفاشل في المحروسة!

وانتقل الأمر من مجال "الوعظ والإرشاد"، إلى محاولة بث "الإحباط" وفي جانب منها، فإن هذا سلوك مصري أصيل، فعندما يضحك المصريون المتشائمون بالفطرة فإنهم يقولون: "اللهم اجعله خيرا"، وهناك من كان دافعهم لذلك هو محاولة الرد على حالة الفرح التي انتابت كثيرين، ولأنهم "نكد" فقد قرروا أن "ينكدوا" عليهم، لأنهم أيضاً غاضبون على "أردوغان" لأنه تجاهل نصائحهم التي تكونت في مجال الفشل، فصاروا موردين للمادة الخام منه!

قرأت لمن يعطي لموقفه الموضوعي بعداً استراتيجياً، فكيف سيتعامل أردوغان مع نصف الشعب التركي الذي قال (لا) للتعديلات الدستورية؟.. وهو سؤال لم يطرح على أي مستوى في البلاد الديمقراطية، لكن ألا وأن الخبراء المصريين الأشاوس، قد تملكهم هذا العمق الاستراتيجي الذي لم يتملك غيرهم في بلاد العالم، فنود أن نهدّئ من روعهم بأن الانتخابات التركية التي خاضها أردوغان وحزبه لم تعرف نتائجها الأغلبية المطلقة أبدا، كتلك التي تجرى في بلادهم الديمقراطية جداً، ومع ذلك تعامل مع نصف الشعب التركي الذي قال (لا).

إذا مددنا الحبل على استقامته، فينبغي أن نقف على أن هناك من يزعجهم النجاح التركي، لأنه جعل من فشلهم "بطحة" يتحسسونها منذ أن نجح أردوغان في إسقاط الانقلاب العسكري عليه، حيث كان قراره الحاسم بمواجهته، فلم يخضع له بالقول ليطمع الذين في قلوبهم مرض!

وهذا النجاح، وإن كان قد مثل عامل إحراج للذين قادوا المشهد في مصر قبل وبعد الانقلاب، وأتباعهم من غير أولي الإربة، فقد أسكت للأبد راشد الغنوشي في تونس، الذي فسر هزيمته على أنها انتصار بالمقارنة بما جرى في مصر، ومن ثم فقد تعامل على أنه "ليمونة في بلد قرفانة" فأصبح التولي يوم الزحف انتصارا حاسماً، وأصبح القبول بالدنية يمثل ثورة، ويتحول هذا كله إلى ثمرة خبرة استقاها من العيش في الغرب، بالخلاف مع إخوانه في مصر الذين لم يعرف زعماؤهم الطريق للمطار إلا للمملكة العربية السعودية!

هزيمة الانقلاب العسكري، في حرب المواجهة بقيادة "أردوغان" أغلقت "بيت الخبرة التونسي"، وفتحت "بيت الخبرة المصري" الذي يصدر هزائمه، وصار كالنفاثات في العقد!

التصور البدائي الذي يقدمه هؤلاء، أن "أردوغان" بما فعل إنما يستفز الغرب ليعمل على إسقاطه، فاتهم أن اللعب الآن صار على المكشوف، وإن انبطح مثلهم فإن الحرب بدأت، والحروب لا تحتاج إلى دراويش، وإنما يقودها أبطال، فإذا انتصروا فنعمة من الله وفضل، وإن هزموا فيكفيهم شرفا أنهم لم يؤخذوا من جحورهم وإنما كانوا لآخر لحظة في الميدان، والتاريخ يلعن المتخاذلين وينظر بكل تقدير للبطل وإن هزم في ساحة الحرب.

أردوغان بطل، ولن يكون مثلكم، يقضي أيامه ولياليه يسأل: ماذا عن الموقف الغربي؟، وهو من سلالة تمردت على قوى الاستعمار العالمي ومن شافيز في فنزويلا، إلى الخميني في إيران، إلى صدام حسين في العراق.

وبينما مات شافيز والخميني على سريرهما، تم تنفيذ حكم الإعدام في صدام حسين، لكنه مع ذلك فقد انتصر علي كل قوى الاستعمار في لحظة إعدامه.

متى تغلق "بيوت الخبرة" في مصر، التي لا تخرج إلا نكدا؟

8
التعليقات (8)
المصرى أفندى
الخميس، 20-04-2017 06:24 ص
مازالت الصور العارية موجودة وحسبى الله ونعم الوكيل .. كنت فاكر الموقع إخوانى وبتاع ربنا طلع مفيش أهم من البيزنس
المصرى أفندى
الأربعاء، 19-04-2017 05:49 م
أستاذ سليم .. هل شاهدت تلك الصورة الجنسية لإمرأة عارية تروج لموقع جنسى بجانب مقالك ؟ أرسلت لحضرتك لأنى لا أعرف من هو رئيس الموقع أو المدير .. أيرضى الله ؟ أتقبل بهذا ؟
Dr. Walid Khier
الثلاثاء، 18-04-2017 02:28 م
و لكنك للأسف اخترت أسوأ الأمثله تستشهد بها. هوجو شافيز انقلابي مثله مثل السيسي، و معتوه أخرق مثله مثل القذافي. صادر الحريات و كمم الأفواه و هدم إقتصاد فنزويلا التي تراجعت عملتها إلي خمس قيمتها علي يديه رغم الطفره التي شهدها عهده في أسعار البترول. صدام حسين ديكتاتور طاغيه مجنون مهووس بأحلام الزعامه. قمع شعبه و نكل به و أدت مغامراته المجنونه المدفوعه بغبائه و إنفصاله عن الواقع إلي تدمير بلده و شنقه غير مأسوف عليه.
شلاع الخور
الثلاثاء، 18-04-2017 09:24 ص
والحروب لا تحتاج إلى دراويش، وإنما يقودها أبطال، فإذا انتصروا فنعمة من الله وفضل، وإن هزموا فيكفيهم شرفا أنهم لم يؤخذوا من جحورهم وإنما كانوا لآخر لحظة في الميدان، والتاريخ يلعن المتخاذلين وينظر بكل تقدير للبطل وإن هزم في ساحة الحرب. أردوغان بطل، ولن يكون مثلكم، يقضي أيامه ولياليه يسأل: ماذا عن الموقف الغربي؟، وهو من سلالة تمردت على قوى الاستعمار العالمي ومن شافيز في فنزويلا، إلى الخميني في إيران، إلى صدام حسين في العراق.
حمدالله شاكر
الإثنين، 17-04-2017 09:40 م
فعلا بيوت خبرة في الفشل ، ابدعت كعادتك ، رائع

خبر عاجل