قضايا وآراء

دولة غزة وشمال سيناء الحل البديل

مأمون أبو عامر
1300x600
1300x600
يشكل الوضع الإنساني والسياسي في قطاع غزة تحديا كبيرا لمن يحكم قطاع غزة ويفرض سيطرته على الأرض، وعلى من يفرض عليه حصارا يمنع عنه كل أسباب الحياة.

وأصدرت الأمم المتحدة تقريرا بشأن الوضع الإنساني في قطاع غزة، تحدث عن أن قطاع غزة لن يكون صالحا للحياة في عام 2020، نظرا للاكتظاظ السكاني وعجز الموارد الحالية عن تلبية الحاجات الضرورية للحياة الإنسانية. فموارد المياه آخذة في النفاد، والأرض الزراعية لن تكون كافية لتلبية حاجات القطاع الزراعي. حتى وإن توفرت الأرض لأنواع معينة من الزراعة، وهي بطبيعتها محدودة، فإن المياه الصالحة للزراعة لن تكون متوفرة؛ نظرا للكلفة العالية لمعالجة المياه من مصادر أخرى.

كما انتقد تقرير مراقب الدولة في إسرائيل عجز الحكومة الإسرائيلية في تفهم الوضع الإنساني المتفجر في قطاع غزة، وعدم بذلها الجهد الكافي لمنع انفجار الوضع هناك، في ظل سياسة الحصار ضمن استراتيجية شاملة لإضعاف حركة حماس؛ المسيطرة على قطاع غزة، من جهة، وبقاء القطاع منفصلا عن الضفة الغربية من جهة أخرى.

هذا الوضع يزداد سوءا مع صدور الإحصائيات عن أن التزايد السكاني في قطاع غزة بلغ درجة تفوق قدرات موارد القطاع المحاصر؛ على تحمل الزيادة السكانية. وهنا أشير إلى دراسة صدرت من مركز يافا سابقا "الأمن القومي" حاليا عام 1990، حينما كان عدد سكان القطاع حينها 650 ألف نسمة. فقد حذرت الدراسة من مخاطر تزايد السكان في قطاع غزة في عام 2000 حيث كان سيصل إلى مليون نسمة. فكيف اليوم وقد تجاوز العدد المليونين. كل هذه المعطيات تجعل من قطاع غزة برميل بارود متفجرا في وجه جميع القوى الإقليمية، وفي وجه إسرائيل في المقام الأول.

لذلك ليس غريبا أن يتم البحث عن بدائل عملية لتفكيك الوضع المتفجر في غزة، من خلال طرح حلول تقوم على أساس توسيع قطاع غزة، بحيث يتحول إلى منطقة قابلة للحياة. وقد كان الطرف الإسرائيلي أكثر الأطراف سعيا لهذا المخطط لمنع تجدد الانفجار العسكري باتجاه دولة الاحتلال، وفي نفس الوقت البحث عن بديل لفكرة حل الدولتين من خلال تكريس حالة الانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية، وتعزيز الاتجاه لتشكيل دولة فلسطينية في قطاع غزة، مع استثناء الضفة الغربية.

لذلك فإن فكرة حل الدولة في غزة قد تشكل بديلا مغريا للحكومة اليمينية في إسرائيل، من خلال استقطاع أجزاء ذات قيمة استراتيجية من الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل؛ لتقويض فكرة دولة فلسطينية في الضفة وغزة. في المقابل، تقوم إسرائيل بضم اجزاء من منطقة النقب أو من سيناء لغزة، بالاتفاق مع الجانب المصري، عبر تعويضه بأرض بديلة من النقب أيضا. ومنذ أن وضع شارون فكرة الانسحاب من غزة من طرف واحد على الطاولة البحث عام 2003، برز كثير من الأفكار على الساحة الإسرائيلية تعززت هذه الفكرة التي وضع أساسها عام 1990 مركز يافا للدراسات في جامعة تل أبيب؛ التي تقوم على فكرة الانسحاب الأحادي من قطاع، وإمكانية إقامة دولة فلسطينية في القطاع. ولكن هذه الفكرة تم تطويرها وطرحها بلباس جديد في مؤتمر هرتسليا الثالث، ومن خلال مجلس الأمن القومي الذي كان يرأسه الجنرال غيوره آيلان عام 2004، وقد تم تنفيذها في أيلول/ سبتمبر 2005 على يد رئيس الوزراء أرئيل شارون.

اليوم، مع تعمق الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ونجاح إسرائيل بفرض واقع استيطاني يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا في الضفة من دون القيام بعملية تغيير ديموغرافي لسكان هذه المستوطنات؛ لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية تتحمل أعباءه، فإنه نتيجة لاستمرار المشروع الاستيطاني عائقا أمام تشكيل الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أصبحت إقامة دولة فلسطينية في غزة أكثر واقعية، وهذا لا يمكن أن يتم في ظل الوضع الحالي في غزة.

ساهم حديث الرئيس الأمريكي ترامب حول إمكانية القبول بأي حل يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، وعدم التمسك بحل الدولتين، في رفع وتيرة الحديث عن دولة غزة، ولذلك جاءت تصريحات الوزير الإسرائيلي أيوب قره التي قال فيها: "إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي ترامب سيناقش فكرة الرئيس السيسي لإقامة دولة فلسطينية موسعة في غزة وأجزاء من سيناء"، مع الإشارة هنا إلى أن هذه التصريحات قوبلت بالنفي والاستنكار من القاهرة .. هذا الخيار الذي تحدث عنه الوزير الإسرائيلي والذي قال فيه "إن الرئيس المصري قد عرضه على الجانب الإسرائيلي كحل بديل لحل الدولتين"، ليس جديدا على المصادر الإسرائيلية، فقد نقلته صحيفة جيروزلم بوست؛ التي قالت "إن الرئيس السيسي قد عرضه على الرئيس محمود عباس عام 2014، ولكن عباس رفض هذا العرض في حينه". لكن تم نفي الخبر من قبل الطرفين الفلسطيني والمصري، وهو المشروع الذي كشف عنه الرئيس المصري حسني مبارك في حديثه خلال وجوده في المستشفى العسكري؛ بأن رئيس الوزراء نتنياهو عرض عليه خرائط عن دولة فلسطينية في غزة تشمل جزءا من سيناء قبل إسقاط حسني مبارك بستة أشهر من ثورة 25 يناير 2011، حيث تحدث مبارك بأنه رفض هذه الفكرة جملة وتفصيلا، وأنه غير مستعد لمناقشتها بأي صورة كانت. الغريب أن هذه التسريبات تأتي من الطرف الإسرائيلي ولم تأت من طرف آخر، مما يثير الكثير من التساؤلات حول حقيقة ما يجري، أو حقيقة من هو الطرف الذي يقدم مثل هذه العروض.

لماذا يعاد طرح فكرة الدولة الفلسطينية في غزة وأجزاء من سيناء الآن وفي هذا التوقيت؛ كحل بديل للدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة؟ أليس هذا مصلحة إسرائيلية صرفة، وهي من خطط للفكرة وأسس لها منذ فترة طويلة؟ ولماذا يعاد تدوير فكرة الحل من خلال مصادر إعلامية إسرائيلية على أنه اقتراح مصري، في الوقت الذي لا تترد إسرائيل وبشكل علني في وسائل الإعلام الإسرائيلية؛ بالحديث عن أن علاقات فوق العادة مع القاهرة ومتقدمة جدا، وأنها في أفضل أحوالها خاصة في المجال الأمني، وهي تقر بوجود تعاون امني غير مسبوق بين الطرفين في مجالات إقليمية مثل مكافحة الإرهاب الإسلامي "داعش"؟

قد يكون الجواب على هذه التساؤلات يكمن في أن إسرائيل تسعى لممارسة ضغوط على القيادة المصرية وبدعم أمريكي؛ مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحالة الارتباك الإقليمي، لإقناع أصحاب القرار في القاهرة للقبول بالفكرة التي تقوم على أساس دولة فلسطينية في غزة وأجزاء من سيناء، في إطار حل إقليمي يشارك فيه العرب ويدفعون ثمنه، ويكون لمصر دور محوري فيه لإسقاط فكرة حل الدولة الفلسطينية في غزة والضفة. وعليه، فإنه من غير المستبعد أن يكون نتنياهو بحسب الوزير الإسرائيلي قد ناقش فعلا الأمر مع الرئيس الأمريكي خلال زيارته واشنطن في شهر شباط/ فبراير الماضي؛ على ان يبذل جهدا مع الرئيس السيسي لإقناعه بقبول الفكرة خلال زيارة السيسي إلى واشنطن الشهر القادم.
التعليقات (0)