مقالات مختارة

الأردن والقمة: أزمة "أدوات الحكم" تضرب مجددا

بسام بدارين
1300x600
1300x600
يدخل الأردنيون مجددا في المفارقة الغريبة ذاتها، وهم يتطلعون للقمة العربية التي ستنعقد قريبا في البحر الميت، متسائلين عن مصالحهم ومكاسبهم المشروعة، وأوضاعهم الاقتصادية، ومآلات فكرة الوفاق العربي.

السؤال المركزي ليس عن هوية وماهية المكاسب والمصالح الأردنية، فهي بكل حال معرفة ومعروفة.

لكن السؤال الذي يتردد وبدون خجل هذه المرة، عن هوية الفريق النخبوي الأردني الذي سيمثل ويفاوض الصديق والشقيق ممثلا للبلاد ومصالحها العليا، مع الافتقاد التام لأي رمز بمستوى المفكر أو المثقف السياسي، خصوصا في الحلقات الاستشارية العليا وطبقة رجال الحكم والإدارة.

مع الخوف من "إفلات القمة" من قبضة الدور الأردني، يكثر التذمر محليا من استقرار واضح، ولا يمكن إنكاره في أزمة أدوات الحكم والإدارة، حيث مواقف ومفاصل تحتاج لخبراء كبار بالمستوى التنفيذي مؤهلين لمخاطبة الدول الشقيقة ولديهم صفة "رجل الدولة".

يسأل أحد السياسيين الكبار أمامي ما يلي: "لدى "قيادتنا" رؤية ناضجة ومتكاملة عن الأوضاع في الدول العربية وعن الوضع الوطني.. من هم عناصر الطبقة السياسية المكلفون اليوم بتنفيذ هذه الرؤية وما هي مهاراتهم وقدراتهم الاتصالية؟ وهل يعرفهم الزعماء الأشقاء والأصدقاء؟ وهل لديهم قدرة على "الولوج" هنا وهناك؟".

سياسي آخر من المعروفين دوليا تلمس شخصيا تلك الخبرة المتراكمة في القصر الملكي، والرؤية الخلاقة للملك عبد الله الثاني فيما يخص قضايا وملفات المنطقية، حيث تعود المرجعيات الدولية للأردن في الكثير من التفاصيل، لكن السياسي ذاته يستفسر عن النقص الحاد في قدرات ترويج مواقف الأردن وملكه النبيلة في البعد الإنساني والسياسي والإقليمي، حيث لا يوجد "كادر" متخصص مقنع يتولى هذه المهمة ولا تهتم اصلا بها الطبقة السياسية الموجودة.

قلتها وأقولها دوما ولا أعرف تفسيرا لها وتحديت مسؤولين على رأس عملهم علنا.. لا يوجد في الطبقة الحاكمة اليوم ولا مفكر أو مثقف سياسي واحد فقط أستطيع أنا كمواطن إيداع مصالح بلادي أمانة بين يديه، وأنا واثق من تمثيله لي.

أسأل بحرص وغيرة ومسؤولية وطنية جميع كبار المسؤولين وعلنا: ما هو سر الخصومة بين المثقفين والمفكرين وطبقة رجال الدولة الحقيقيين، وبين أدوات الحكم الحالية في دوائر القرار؟

لا يوجد حتى اللحظة تفسير منطقي للحالة النخبوية الأردنية التي تقاوم وبشراسة وبدون سبب واضح، أو منطقي أو مفهوم، وجود رموز من طبقة رجال الدولة الأقوياء المعتد بهم، أو حتى الخبراء في طاقم الإدارة الحالي، الذي يتولى مفاوضة الدول العربية باسم الأردن والأردنيين.

المسألة تكاد تكون لغزا محيرا في بلد مثل الأردن طموحات قيادته ومؤسساته أكبر بكثير من إمكاناته.

وتكاد تكون لغزا، لأن الأردن ناجح خارجيا بكل المعايير، ويلفت الأنظار اعتمادا فقط على المساحات التي ينتجها شخص الملك فقط، فيما يخلو طاقم السفراء من الإبداع إلا من رحم ربي طبعا، وفيما نتلمس نحن الصحفيين يوميا تلك التساؤلات الحارة في ملامح الأصدقاء الأجانب والعرب، وهم يسألون عن "مهارات وخلفيات" من يتحدثون معهم بنزق، أثناء تمثيل نظامنا ودولتنا.

سألت مباشرة عن هذا الموضوع شخصيات وازنة وعليمة ومطلعة عدة تتحرق وهي ترصد يوما إفلات أو انفلات التفاصيل وبطريقة لا ترقى لمستوى الطرح الملكي، ولا تنسجم مع الرؤية الملكية، بل لا تشبه المؤسسات الأردنية التي كانت دوما عريقة وملهمة ومؤسسة في الجوار والعالم.

استمعت لإجابات محبطة، لأن المسؤول لم يكن أعلم من السائل بأغلب الحالات، فالمحيطون اليوم بدوائر القرار غير مقنعين، وأسس اختيار الكفاءات وتدوير النخب غامضة، ولم يعرف عن المعروفين اليوم أي خبرة في مجال إدارة مصالح الدولة، أو التفكير والتحليل السياسي، الأمر الذي يخرج حصيلة المعلومات والمعطيات المحترفة التي تقدمها أجهزة معلومات خبيرة وعميقة في الدولة للقرار السياسي عن سكة الإنتاجية، حيث لا يوجد من يلتقط، وحيث محاسيب وشللية تتكفل بإحباط أنبل المشاريع والاتجاهات.

نعم صدق صديقي الخليجي عندما وصف الأردن بأنه "عروس مدهشة يسيء لها أولادها"، لكن أسأل مع غيري من الذي يسيء للعروس أكثر، أهو الشعب ام مؤسسات القرار، أم تلك النخب التي تفتقد لوزن نوعي وتتولى إدارة كل شيء؟

لا زلنا في هذا البلد نعيش بالمفارقة المضجرة ذاتها، فمن يفشل في الإدارة يتم إعادة تدويره في السياسة، ومن يخفق في السياحة يتولى الزراعة، وأصحاب القرار يمكن تحويلهم ببساطة من خبراء مثلا في التربية والتعليم إلى مصفاة البترول، أو مسؤولين عن المشروع النووي.

وببساطة، يمكن أن يتولى طبيب نسائية وتوليد إدارة ملف الانتخابات أو مهندس متخصص بالطاقة البديلة الرقابة على الأسواق الاستهلاكية، فيما يمكن لخبير في مزارع الدجاج والبيض أن يصلح لإدارة الاستثمار أو موقع أمني متقدم في الخارطة البيروقراطية.

ومن لا ينجح بأي مهمة من أي نوع يتحول إلى مستودع أو متحف سياسي وظيفته صياغة المزيد من الوثائق المرجعية التي يعلوها الغبار ولا تنفذ.

وطبقة "الصالحون لكل المواقع" تزيد وتنمو وسط قهر وآهات الأردنيين التي تعكس حرمانهم من كفاءة وجدارة نخبة من أهم أولادهم الذين لم يحصلوا على فرصة.

محاصصة مقيتة تضرب العشائر وكيانات المجتمع وتسحب من رصيد النظام وأخطاء بالجملة في التشريع والقوانين ومبادرات لا تكتمل ونظام "مناولة" في المناصب والمواقع يحول البلاد، وكأنها "ميناء شحن" ومؤسسات بآلاف الموظفين تدار فعلا بالعشرات وأخرى بحجم موظفين لا يوجد بعددهم مقاعد أو مكاتب حيث يضطرون للعمل "وقوفا" أو من منازلهم.

خبير دراسات "إكتوارية" يجلس في اتحاد رياضي و"متطرف دينيا" بوضوح يتولى إدارة استراتيجية مكافحة التطرف وموظف صغير يتيح له "وضعه الخاص" إطلاق اسم ابنته على الفتاة التي تظهر في مناهج الأردنيين، ومسؤول عن أمن السيارات والشوارع ينام، ويستيقظ فيقرر تحرير مخالفات سير بحق كل ماكينة متحركة أو واقفة في الشوارع بداعي تطبيق القانون قبل استقالته.

أيضا، وللأسف.. جنرالات لا يعترفون بالتقاعد و"يبتزون" النظام والشعب معا، ومسؤول "كبير جدا" يعبر عن فرحه علنا، لأن الرئيس دونالد ترامب "لم يتطرق هذه المرة" لملف "الإصلاح في المملكة".

لماذا يحصل ذلك في بلد مثل الأردن؟.. سؤال بات محرجا ولا إجابة شافية وافية عليه، لكنه يدور عبر كل الأفواه مع نمو دور طبقة جديدة من البيروقراطيين الشباب من الذين يجمعون للصدفة كل المواهب فهم خبراء في الاستثمار، ومواجهة الإرهاب، وتشكيل المجالس والطرق على أبواب الوزراء والمدراء، وإخافتهم، وبالوقت ذاته العمل بوظيفة "مراقب دوام".

أدهشني شخصيا أحد المسؤولين في دائرة "خدماتية"، عندما زاره أحد المستشارين الكبار، من الذين "يطعجون" لسانهم أثناء الحديث عن المرجعية والبلد والدولة، وبدأ يطلق الفتاوى التي تخص الرجل وعمله الفني المحض، وكأنه "أبو العريف"، بينما يعرف المدير المسؤول بأن كل ما يقوله المستشار خاطئ فنيا وقانونيا وأساسا.

أدهشني أيضا الإجراء التأديبي الذي اتخذ في إحدى المؤسسات المهمة ضد موظف شاب مبدع استطاع توفير نحو 400 ألف دينار على الدولة فحاربه فورا المسؤولون عنه، وقمعوه وهدده على الفور كل الذين لا يعملون ولا يريدون العمل أصلا بمن في ذلك المعنيون بـ"العطاءات"، الذين حرمهم إجراء الشاب من مناولات وعمولات العطاء.

قد تكون كل تلك الهفوات إدارية بامتياز أو بيروقراطية وتحدث في كل مكان.. هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن أزمة الأدوات ينبغي لجمها عندما يتعلق الأمر بالمفاصل ونقاط التحول، وهو ما لا يحصل حتى الآن بخصوص قمة البحر الميت المرتقبة.

(عن صحيفة القدس العربي)
التعليقات (2)
حسين/لندن
الأربعاء، 15-03-2017 04:43 م
مقال جريء وجميل أستاذ بسام كعادتك...الاجابه عندي بشكل مختصر جدا،،الأردن تقوم بدورها كما العديد من الدول الوظيفيه،،
لؤي المصري
الأربعاء، 15-03-2017 09:52 ص
لاتستغرب فذالك الموظف سبقته انا عندما كنت اعمل في امانة عمان وسرق مني مشروع المراسلات الالكترونية وتم تدميره واختطافه لينشا في مكان اخر ويصبح شيء او اشياء وفكر وافكار ونظام ويكبر ويترعرع ويثمرويتوالد صدق او لاتصدق هذا الذي ابهر العالم بما يسمى مواقع التواصل الاجتماعي وبالذات الفيسبوك هو ابداعي وعملي وثمرة أفكاري التي سرقة مني والله على ما اقول شهيد