حقوق وحريات

مضايا المحاصرة بسوريا تواجه الأمراض.. والأمم المتحدة غائبة

يتم سحب المواد الغذائية الأساسية والأدوية قبل دخول قوافل الأمم المتحدة للمدينة المحاصرة - أرشيفية
يتم سحب المواد الغذائية الأساسية والأدوية قبل دخول قوافل الأمم المتحدة للمدينة المحاصرة - أرشيفية
منذ ما يقارب العامين، وما زالت بلدة مضايا تعيش حصارا خانقا يفرضه حزب الله اللبناني وقوات النظام السوري على البلدة الواقعة في ريف دمشق، والمطلة على سلسلة جبال لبنان الشرقية.

ولم يدخل أسواق البلدة منذ ذلك الوقت أي مواد ضرورية، باستثناء ما أدخله برنامج الأمم المتحدة إلى البلدة المحاصرة من البقوليات والنشويات، أما البروتينات واللحوم الحمراء والخضروات فلم تدخل للبلدة منذ بدء الحصار. ونتيجة لهذا الوضع، ظهرت العديد من المشاكل الصحية في البلدة من أبرزها وفاة الأجنّة، وانتشار مرض الفشل الكلوي، كما يقول الدكتور محمد يوسف، مدير المكتب الطبي في مضايا.

ويقول اليوسف، وهو طبيب بيطري، لـ"عربي21": "الوضع الطبي في مضايا سيئ للغاية، وأنا بالأساس طبيب بيطري، ولكن اضطررت لأخذ هذه المهمة على عاتقي بسبب غياب الأطباء المختصين في البلدة، ويساعدني في ذلك طالبان في طب أسنان في السنة الرابعة، وممرضتان، مع كادر صيانة للنقطة الطبية الوحيدة في البلدة، التي تدمرّت أيضا قبل شهرين نتيجة القصف من النظام السوري؛ مما اضطرنا لمعالجة المرضى في منازلهم".

وأوضح اليوسف أن الفريق، خلال سنتين من الحصار، قام بنحو 115 عملية قيصرية، انتهت 11 حالة منها بوفاة الأجنة. وكانت الأسباب الأساسية هي سوء تغذية الأم، "وجفاف السائل الجنيني في الرحم، وبالتالي ضعف في نمو الجنين مما يؤدي للوفاة، وأحيانا تحدث الولادة في الشهر السادس أو السابع من الحمل مع وفاة الجنين، ما يضطرنا لإجراء عملية قيصرية لإخراجه، كما توفي ثلاثة أجنة بسبب البرد القارس وانعدام وسائل التدفئة في البلدة بسبب الحصار".

وأشار اليوسف إلى أن آخر الحالات كانت وفاة امرأة وجنينها في أثناء الولادة، حيث كانت الأم تعرضت في وقت سابق لصدمة نفسية؛ بسبب إلقاء القبض على اثنين من أبنائها من قبل قوات النظام السوري في أثناء محاولتهم الخروج من البلدة، ثم تعرضت لاحتشاء في عضلة القلب أدى لوفاتها ووفاة جنينها تبعا لذلك، رغم أنه بقي حيا لمدة ساعتين بعد الولادة، ولكن عدم وجود اختصاصيين أو حاضنات وتجهيزات طبية أساسية أدى لوفاته.

ولم يقتصر الأمر على وفاة الحوامل والأجنة، بل ظهر أيضا مرض الفشل الكلوي في البلدة، وحصد أرواح عدد من أهل البلدة، ومنهم علي غصن، وهو في العقد الثالث من العمر، رغم المناشدات المتكررة التي وجهت للمنظمات الطبية الدولية والأمم المتحدة لإخراجه بشكل عاجل لإنقاذ حياته.

وحول هذا الموضوع، يؤكد اليوسف وجود 25 حالة فشل كلوي في البلدة، وسببها أيضا سوء التغذية والاعتماد على مصادر تغذية مكررة، مشيرا إلى أن جميع هؤلاء المرضى بحاجة للدخول إلى مشافٍ تتوفر فيها أجهزة غسيل كلى، في ظل انعدام الأجهزة في البلدة وغياب أدوية علاج أو تنشيط  الكلى.

من جهة أخرى، سُجلت 12 محاولة انتحار في مضايا بين الفئة الشابة بسبب ضبابية مستقبلهم، وخاصة ممن حرموا من دخول الجامعات، مما دفعهم لمحاولة الانتحار في السعي للهروب والتخلص من الواقع.

وظهرت أيضا حالات تقزم بين الأطفال، أي عدم النمو بشكل منتظم، نتيجة غياب مادة الحليب التي يصل سعر الكيلوغرام الواحد منها 100 دولار، مع احتكار بيعها من قبل حواجز حزب الله والنظام السوري. كما ظهرت أمراض نفسية، كانفصام الشخصية والحديث مع النفس، نتيجة القصف والقنص والأوضاع المعيشية الصعبة، وانتشار البطالة بنسبة 100 في المئة.

وحمّل اليوسف مسؤولية سوء الوضع الطبي في مضايا، لبرنامج الأمم المتحدة الذي تجاهل مرارا للملف الطبي الذي رفعه المكتب الطبي لمضايا إلى هذا البرنامج، الذي ينقل صورة الوضع الطبي "الكارثي" للبلدة، ولكن اقتصر الرد بإدخال بعض شامبوهات القمل وأدوية الجرب وبعض الضمادات، دون إدخال أدوية خفض الحرارة والضغط والسكر والقلب، وباقي الأدوية الضرورية.

واحتوى آخر ملف رفع للأمم المتحدة من قبل مكتب مضايا الطبي، على 27 حالة مستعجلة لإخراجها من البلدة ونقلها لمشافي دمشق، ولكن توفي خمسة أشخاص حتى الآن من القائمة دون رد من الأمم المتحدة، والعدد قابل للازدياد كل يوم، كما يقول اليوسف.

ووصف اليوسف عمل الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر بــ"المسيس" و"المنحاز" للنظام السوري، حيث يتم تشكيل لجنة طبية تابعة للنظام السوري لتفتيش القوافل الداخل لمضايا واستبعاد الأطعمة والأدوية والأجهزة الطبية اللازمة والضرورية، كما يقول.

وناشد الأمم المتحدة والمنظمات الطبية الدولية بأن تأخذ دورها والقيام بواجبها، بفتح ممرات طبية وإحداث نقاط طبية مجهزة بأطباء مختصين ومعدات طبية متكاملة، كما تمنى فك الارتباط بين مضايا والزبداني من جهة، وكفريا والفوعة في إدلب، التي تقطنها أغلبية شيعية مؤيدة للنظام السوري، من جهة أخرى.

يذكر أن مضايا التي يقطنها 40 ألف مدني حاليا، بالإضافة لبلدة الزبداني، يرتبط وضعها باتفاقيات وتفاهمات مشتركة ببلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين في شمال سوريا، من حيث إدخال القوافل الإغاثية أو إخراج المدنيين، حسب الاتفاق بين النظام السوري وفصائل جيش الفتح.
التعليقات (0)

خبر عاجل