سياسة عربية

المجلس الأعلى للتربية: تعليم المغاربة في خطر.. وبنكيران يرد

دق المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ناقوس الخطر للوضع الذي أصبح عليه التعليم بالمغرب- عربي21
دق المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ناقوس الخطر للوضع الذي أصبح عليه التعليم بالمغرب- عربي21
أكد رئيس الحكومة المغربية المعين، عبد الإله بنكيران، أن التعليم بالمغرب جيد، في الوقت الذي خلص فيه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (هيئة استشارية مستقلة) في دراسة نشرها، أمس الأربعاء، إلى أن "تعليمنا في خطر".

وقال بنكيران خلال كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح معرض "génientreprises" بالمدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم، أمس الأربعاء بالرباط، إن "تعليمنا ليس بتلك الصورة السوداوية التي يسوقها البعض ويسيئون إليه..".

وأضاف: "نحن مع الأسف في بلدنا العزيز لدينا ما يعرف بجلد الذات.. كل ما هو مغربي ليس جيدا.. وهذا غير صحيح"، وتابع: "هناك العديد من الأمور بالمغرب تدعو إلى الافتخار والاعتزاز.. والفاعلون الذين كانوا السبب فيها هم المواطنون العاديون".

                             

بالمقابل دق المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ناقوس الخطر للوضع الذي أصبح عليه التعليم في المغرب، مشيرا أنه "أصبح في خطر"، وذلك خلال ندوة صحفية عقدت أمس الأربعاء بالرباط، وخصصت لتقديم النتائج الأساسية للبرنامج الوطني لتقييم مكتسبات التلاميذ 2016.

وكشفت مديرة الهيئة الوطنية للتقييم بالمجلس، رحمة بورقية، مظاهر الخطر والتي تمثلت بالأساس "في ضعف مكتسبات التلاميذ"، مشيرة إلى وجود "أبعاد متعددة تؤثر سلبا على المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية والأسرية والتربوية والتدبيرية والمادية، ثم تراكم العوائق والاختلالات منذ سنوات".

الدراسة التي شارك فيها 34109 تلاميذ وتلميذات من التعليم العمومي والخصوصي؛ وكذا 4606 مدرسين ومدرسات؛ إضافة إلى 543 مدير ومديرة، أبانت "عن عدم التطابق بين الأهداف الرسمية التي يحددها المنهاج (الدراسي) ومستوى مكتسبات التلاميذ".

ولفتت مديرة الهيئة الوطنية للتقييم إلى أن ضعف اكتساب التلاميذ للمكتسبات القبلية في السلكين الابتدائي والإعدادي يدفع لـ"مساءلة أهليتهم وقدراتهم على متابعة الدراسة في شعب ومسالك متخصصة".

وقالت إن البرنامج، أيضا، عكس "ضعفا عاما في نتائج التحصيل يعكس نقصا في المكتسبات، ويتجلى هذا النقص بشكل واضح في اللغتين العربية والفرنسية وفي الرياضيات بالنسبة لجميع الجذوع المشتركة".

وأوضحت أن "ضعف تحصيل التلاميذ في اللغات والرياضيات يرهن القيمة الإشهادية للباكالوريا في المستقبل، مما يؤدي لضرورة التمفصل بين الإصلاح على المستوى الوطني ومفعوله على المستويين الجهوي والمحلي".

كما أكدت أن خُمس التلامذة لم يتلق أساتذتهم في مواد اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والفيزياء والكيمياء، وكذا علوم الحياة والأرض "أي تكوين أساسي قبل تكليفهم بمهام التدريس".

ودعت بورقية إلى "إلزامية القيام بتعبئة وطنية كبرى لكل قوى المجتمع لوضع المدرسة فوق سكة الإصلاح قصد تحسين مستقبل الأجيال والبلاد".

من جهته، أكد رئيس المجلس عمر عزيمان، أن "النتيجة بعيدة كل البعد عن المستوى المطلوب"، مضيفا أن "الهدف من العمل ليس هو أن يصدم الرأي العام أو التلاميذ أو الأسر، بل تشخيص المشاكل والأماكن التي يجب الاشتغال فيها لتجاوز المعيقات والاختلالات بمنهجية موضوعية معترف بها دوليا".

ولفت عزيمان إلى أنه بالرغم من أن الدراسة كشفت عن حقائق صادمة إلا أنها "ضرورية لتحسين أوضاع المنظومة التربوية"، على حد تعبيره.

بالمقابل، أرجع أستاذ الفلسفة والباحث في علم الاجتماع، ناصر السوسي، مشكل تدني اكتساب التلاميذ إلى نوعية المقرر الدراسي ومن صاغه.

وقال "السوسي" في تصريح لـ"عربي21"، إن المشكل بالنسبة للغات وكذا الفلسفة يأتي من المقررات التي وضعها من هم بعيدون كل البعد عن عالم التدريس، "فيختارون نصوصا وأعمالا فوق مستوى التلاميذ".

وأضاف: "هناك من لم يُدرّس في أي مستوى ومع ذلك يشارك في صياغة المقرر.. بأي حق.. هم لا يعرفون حاجات التلاميذ..".

ولفت الباحث في علم الاجتماع إلى أن "التلميذ إذا كان ضعيفا في اللغات فإن المشكل يأتي من الإعدادي"، واستطرد: "لا يجب أن نلوم الأساتذة فقط، فالأسرة أيضا لها نسبة من المسؤولية، فالآباء لا يقرؤون أمام أبنائهم بالمنزل، فكيف تريد أن ننشئ جيلا قارئا. نطالبهم بالقراءة ونحن لا نفعل ذلك؟ وهذا قمة التناقض".

وشدد الباحث على أنه للخروج من أزمة التعليم على المسؤولين إشراك جميع الفاعلين في الحقل التعليمي وخاصة الأساتذة الأكفاء باعتبارهم يعرفون حاجات التلاميذ، محذرا من إشراك المفتشين التربويين باعتبارهم إداريين ومنقطعين عن التعليم، وقال: "لا يجب إشراكهم في كتابة المقرر".

وتابع: "من يوجد داخل الميدان (الأستاذ) هو الأجدر بإعداد المقرر وليس من هو بعيد عنه (في إشارة إلى المفتش)".

من جهته، يرى الفاعل والمشرف التربوي، إبراهيم الحجري أن "حل أزمة التعليم التي لطالما تم التلويح بها، يقتضي اتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية بعيدا عن المزايدات وتعليق الأسباب على جانب أحادي، قرارات تستند إلى الجدية وإتباع المسؤولية بالمحاسبة، والرهان بشكل أساس على تأهيل العنصر البشري، وإعادة الثقة إليه بعد السنوات الطوال من مسلسل الخيبات والنكسات".

وأكد الحجري في تصريح لـ"عربي21"، أن "وضع ملف التعليم في يد خبراء لهم من التجربة ما يؤهلهم لخوض غماره المتشعب، قد يعطي نتائج إيجابية".

وشدد المشرف التربوي إلى أن الإصلاحات تبتدئ "من معالجة المعطيات المتناقضة أولا في التدابير السياسية للقطاع، ثم بالتدريج تعالج الأمور اللوجيستيكية والورشية الكبرى المتعلقة بالقطاع...".

وتابع: "لكن يبقى أهم عنصر هو تأهيل العنصر البشري وتحفيزه، وإعادة الاعتبار والثقة للمدرسة العمومية. إذ لا يمكن أن نراهن على الجودة ونتخذ قرارات استراتيجية وسياسية وتدبيرية مناقضة تجهز حتى على المكتسبات".

ودعا الحجري إلى "إعادة الهيبة لجهاز التفتيش التربوي والإداري والمالي وجعله مستقلا حتى يستطيع القيام بدوره الفعال في التتبع والمحاسبة والتقويم، مع استثمار التقارير الهامة التي يحررها هذا الجهاز في إطار مواكبته لسيرورة القطاع وتتبع الممارسات التي تحدث ضمنه".

وكانت الدراسة التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي كشفت أن 98% من تلامذة "الجذع المشترك" ينتمون إلى أسر فقيرة وإلى الطبقة المتوسطة، بينما لا تتعدى فئة التلامذة المتحدرين من أسر ميسورة نسبة 2%.

فيما تبين دراسة تقييم المكتسبات أن ثلث التلامذة لم يتمدرس آباؤهم، أما نسبة عدم تمدرس الأمهات فتجاوزت النصف (52 بالمائة).

يذكر أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يتكون من 20 عضوا يعينهم الملك من بين الشخصيات المشهود لها بالخبرة في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي، ومن مهامه إبداء الرأي في جميع السياسات العمومية والاختيارات الوطنية المتعلقة بقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا المصالح العمومية المرتبطة بهذه القطاعات، كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي.
التعليقات (0)