قضايا وآراء

تغيرات أردنية في سوريا

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600
على مدار سنوات الأزمة السورية نأى الأردن بنفسه عن الدخول في تفاصيل هذه الحرب بسبب قدراته العسكرية والاقتصادية المحدودة مقارنة باللاعبين الإقليميين الفاعلين في الأزمة السورية.

وظلت سياسة الأردن تعتمد الاعتدال كمنهج، فتتوافق مع الإجماع العربي ـ الدولي حيال النظام السوري دون الذهاب إلى حد القطيعة التامة على المستوى السياسي، وتقدم الدعم العسكري اللوجستي لفصائل المعارضة المسلحة في الجنوب دون الذهاب بعيدا في اختراق الجغرافيا السورية، مع تعاون مضمر أحيانا وواضح أحيانا أخرى مع النظام السوري.

غير أن ازدياد الأزمة الاقتصادية في الأردن ووطأة اللاجئين السوريين من جهة، والتسلل البطيء للمنظمات الإرهابية نحو حدوده الشمالية والشرقية من جهة ثانية، ووصول إدارة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة من جهة ثالثة، دفعت عمان إلى إجراء تعديل في سياساتها حيال سوريا، مع الحفاظ على المبدأ الأساسي القائم على عدم الانخراط في المستنقع السوري.

هذه المعطيات ساهمت في تعزيز وتعميق التعاون العسكري ـ الاستخباراتي بين الأردن والولايات المتحدة وروسيا على السواء، بسبب وجود إيران و"حزب الله" إضافة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في الجنوب والجنوب الشرقي لسوريا.

سياسة الاعتدال هذه تترجم أردنيا من خلال الانفتاح على النظام والمعارضة السورية عبر الوسيطين الروسي والأمريكي، خصوصا بعيد إعلان الرئيس الأمريكي عن نيته إنشاء مناطق آمنة في سوريا.

تشكل المنطقة الآمنة في الجنوب السوري هدية كبيرة للأردن لإزالة الضغط الاقتصادي الذي أثقل كاهلها الناجم عن الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين في أراضيها أولا، ولإعادة ترتيب المشهد العسكري في الجنوب السوري بين النظام والمعارضة فقط، مع استبعاد القوى الأخرى، ولاسيما تنظيم "الدولة الإسلامية" ثانيا.

غير أن المشكلة التي تواجه الأردن تتمثل بكثرة الفاعلين العسكريين (إيران، حزب الله، النظام، تنظيم الدولة الإسلامية، فصائل المعارضة) من جهة، وغياب التموضع العسكري الجغرافي الثابت كما هو الحال في الشمال من جهة ثانية. 

تعني إقامة منطقة آمنة في الجنوب السوري قيام الأردن مدعوما من الولايات المتحدة بإجراء طوق عسكري جغرافي. 

لا يفضل الأردن الانخراط العسكري في سوريا، ولا يفضل بالمقابل بقاء اللاجئين في أراضيه بسبب التبعات الاقتصادية المترتبة على ذلك، ناهيك عن الاعتبارات الأمنية.

يفضل الأردن إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري لا تكون تحت حمايته مباشرة، وإنما تحت سيطرة "الجبهة الجنوبية" على الأرض، وحماية جوية أميركية، مع دعم أردني لوجستي، وهذا أمر قد يعقد عملية إقامة هذه المنطقة في الجنوب لعدم قدرة "الجبهة الجنوبية" على تأمينها، ولعدم رغبة الولايات المتحدة إرسال قوات لها إلى هذه المنطقة المفتقدة للحماية الكاملة كما هو الأمر في الشمال السوري في المنطقتين الكردية والتركية.

وقف إطلاق النار في سوريا شكل تطورا مهما بالنسبة لعمان التي تحاول استثماره جيدا، وربما هذا هو سبب تواجدها في اجتماعي استانة الأول والثاني، فمن شأن وقف إطلاق النار أن يوقف الصراع العسكري بين فصائل المعارضة وقوات النظام وحلفائه، ويحول مدافع طرفي الأزمة السورية نحو تنظيم "الدولة الإسلامية".

بعبارة أخرى ستكون الساحة الجنوبية خلال المرحلة المقبلة موجهة نحو محاربة التنظيم، ما يسمح لعمان المضي قدما نحو تشكيل المنطقة الآمنة، وظهرها محمي من فصائل المعارضة وقوات النظام على السواء، ذلك أن فرض منطقة آمنة يعني فتح حرب لتنظيف التنظيمات الإرهابية.

ومن هنا وجد صناع القرار في الأردن أن حديث ترامب عن المنطقة الآمنة فرصة لهم لتهيئة المناخ الجغرافي لتحقيق ذلك، فكان قصف الجيش الأردني لمواقع تابعة للتنظيم جنوبي سوريا قبل نحو أسبوعين.

لكن الغريب في الأمر أن هذه المعطيات تتعارض مع التطورات التي حصلت خلال الأيام الماضية، مع قيام غرفة عمليات "البنيان المرصوص" بش هجمات في مدينة درعا ضد قوات النظام عشية "اجتماع استانة 2".

وطرحت تساؤلات عديدة، هل ما جرى كان بدعم أردني؟ أم بقرار خارج عن إرادته؟

من المستحيل أن تكون عمان داعمة لهذه المعركة لأسباب كثيرة، منها أن "جبهة فتح الشام" النصرة سابقا تشارك فيها، ولأن المعركة تتعارض مع التفاهمات الأردنية ـ الروسية، ولأن الأردن لا يفضل دعم معركة ضد النظام السوري، في ظل رغبة أردنية أن يسيطر النظام على المعابر الحدودية معها.

وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء إطلاق معركة درعا، فإن تطورات الأزمة السورية فرضت على عمان حضورا أكبر من ذي قبل، وهو ما يعني بلغة السياسة خروج الأردن من مرحلة العمل الصامت إلى العمل المعلن، مع ما يفرضه ذلك من مواقف سياسية أكثر وضوحا مما كان عليه الوضع خلال سنوات الأزمة الماضية.
التعليقات (0)