ابتهال الخطيب
1300x600
1300x600
هل يأتي دونالد ترامب خطابا مخالفا للخطاب الذي يقدمه المسلمون والذي في أذهان الكثيرين أصبح هو الخطاب الرسمي للدين الإسلامي؟ دونالد ترامب هو الرئيس الأمريكي الأول، لربما يأتي بعده جورج بوش الابن، الذي مزق المجتمع الأمريكي بهذه الصورة المرعبة بسبب من أطروحاته العنصرية ومذهبه العنيف في إدارة الدولة.

لربما يجدر هنا ذكر أبراهام لينكولن الذي انقسمت أمريكا كذلك إبان حكمه بسبب سعيه الدؤوب في موضوع إنهاء العبودية والذي قاومته الولايات الجنوبية بشدة بسبب من حاجتها الماسة للعبيد كأيدي عاملة رخيصة إلى معدومة التكلفة في مزارعها الشاسعة. لينكولن قسم أمريكا حول مبدأ نبيل، بوش قسم أمريكا حول حرب بشعة، ويبقى ترامب، الرئيس الأمريكي الأكثر ضراوة في أسلوبه والأكثر بشاعة في عنصريته، قسم بلده لا حول مبدأ ولا سياسة خارجية، قسمها بحس عنصري يخاطب من خلاله الآخرين من حيث أبشع أنانياتهم وعنصرياتهم وتطرفاتهم.

هو خطاب الكراهية للآخر والعزل للمختلف والأنانية البحتة الذي استخدمه ترامب ليصل، والذي سيودي به ذات يوم بعد أن يخترق هذا الخطاب المجتمع الأمريكي ويحدث أضرارا يصعب ترميمها. 

في هذه الفترة البسيطة من دخول ترامب معترك السياسة، أحدث هذا الرجل أضرارا فادحة بمجتمعه، ولنا أن نتخيل إذا ما استمر خطابه هذا لألف سنة مقبلة مثلا، ماذا سيفعل هذا الخطاب في المجتمع الأمريكي؟ لربما في هذا المثال تفسير لمعاناتنا المستمرة في عالمنا العربي والإسلامي، فنحن ننحني ومنذ ألف وأربعمئة سنة على نسج خطاب مشابه لخطاب ترامب، خطاب موغل في الإقصاء، ممعن في التطرف، حتى مزقنا مجتمعاتنا تمزيقا لا ينفع معه إصلاح ولا ترقيع. 

كيف نلوم على الرجل إقصاءه للمسلمين وعنصريته تجاههم ونحن نأتي الأفعال ذاتها ونخاطب بالمنطق ذاته؟ أعلنا أنفسنا خير أمة أخرجت للناس، وأن ديننا هو الدين الحق الأخير، فرقته الحقة (لم نحزم أمرها بعد) هي الفرقة الناجية التي ستدخل الجنة. المسلم في الجنة وغيره في النار، الحق عندنا والباطل عند غيرنا، لا نقبل نقدا، لا نتقبل تساؤلا، لا نرضى بتشـــكك، دع عنك الرفض، بل ونؤمن بمبدأ قتل المرتد عن الديـــن، كيف اختلف خطابنا الديني الإقصائي العنيف عن خطاب ترامب السياسي إن لم يفوقه عنفا وإقصاء؟ لقد صنعنا خلال الألف سنة الماضية حائطا ضخما منيعا أفظع من ذاك الذي يرغب فيه ترامب آلاف المرات، حائطا منعنا نحن عن الدنيا، حجب عنا هواءها النقي وأبقانا في حيزنا الضيق نعتقد أننا وحدنا على الحق في الدنيا ووحدنا إلى الجنة في الآخرة، فأي غضب نغضب من حائط ترامب العنصري وحائطنا امتد حولنا ولا سور الصين العظيم؟ 

كيف يختلف ما يقترحه ترامب من مفاهيم عنصرية عن مفهوم الجزية مثلا الذي يعتقده المسلم حق «لإمبراطوريته» حتى تقبل بوجود غير المسلم فيها؟ أي منطق يفرق بين المواطنين ويميز بينهم على أساس الدين أشد من هذا؟ كيف نقبل استمرار منطق غنيمة المسلم لمال وجسد الغير مسلم إلى اليوم في كتب تراثنا وأي مفهوم تمييزي عنصري أنكى من هذا؟ ترامب يرمي لعزل وبهذلة المسلمين، هذين الهدفين لا يمكن أن نخطئهما في تقييمنا للمنحى الترامبي، ولكن قبل أن نرميه بالحجر، ألا ننظر في بيتنا الزجاجي؟ ألا نقيم معاملتنا مع الآخر غير المسلم أولا؟

ألا ننظر في بلداننا كيف نعزل ونميز بل ونضطهد ولنا في أقباط مصر ويهود العراق والخليج خير مثال؟ ألا ننظر في معاملتنا بل وحتى تفكيرنا تجاه أصحاب الديانات الشرق آسيوية والذي ننحدر به لاعتبارهم أنجاسا عبدة حيوانات جهلا وتعنصرا تجاه معتقداتهم الفلسفية النبيلة؟ ألا ننظر لخطابنا تجاه من نرميهم من منابرنا بالقردة والخنازير كيف عزز الفرقة العنصرية والاضطهاد اللفظي والتعالي الجاهل؟ 

غضبى نحن، ولكننا اليوم نذوق من الكأس ذاته، وفي حين أن المسلمين تعرضوا سابقا لاضطهادات مختلفة، إلا أنه لم يسبق لأحد أن خاطبهم بتعال وتمييز صارخين كما يفعل ترامب اليوم، فبكل الأفكار المنتشرة حول المسلمين، لم يجرؤ ساسة العالم الغربي في يوم أن يصرخوا بعنصرياتهم كما يفعل ترامب، لربما حفاظا على الواجهة المتحضرة والمبادئ الليبرالية لمجتمعاتهم أو لربما لمصالح خاصة بهم، فعاملنا العالم وكأننا أطفال الكرة الأرضية، نصرخ عنصرياتنا وهو لا يلتفت لنا. 

هذا إلى أن وصل ترامب، طفل أمريكا الثري المدلل، فبادلنا الصراخ، وراشقنا العنصريات، وخاطبنا من عقر منطقنا، والآن نغضب؟ إنها أفعالنا ردت لنا، فلنجلس ولنشاهد كيف تبدو أشكالنا ونستمع كيف يظهر خطابنا، فها نحن نرى انعكاس قولنا وشكلنا في ترامب الذي رماه القدر الساخر في طريقنا، ترامب الذي تعاقبنا الدنيا به، ترامب الذي هو درس نأبى أن نتعلمه.
3
التعليقات (3)
أيمن عصمان ليبيا
السبت، 18-02-2017 03:23 ص
"فنحن ننحني ومنذ ألف وأربعمئة سنة على نسج خطاب مشابه لخطاب ترامب" هل تقصدين سيدتي أن المشكلة في الإسلام ؟!!هل كان يوجد أقباط في مصر لليوم لو كان المسلمون غير متسامحين؟!!!! هل تعرفين ماذا فعل الإسبان بمسلمي الأندلس والصليبييون بأهل القدس ؟!!!! الجنة سيدتي لا بيدي ولا بيدك إنها بيد الله يدخل فيها من يشاء
ياسر عرفة
الجمعة، 17-02-2017 06:34 م
لا يجوز للكاتبة التعميم ، ولا يجوز لها الاعتراض على نص آيات قرآنية كريمة ، إن كان ربنا قال في محكم كتابه: [ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ... الآية ، وقيلت للنبي صلى الله عليه وسلم المعصوم والذي يأتيه الوحي ، فمن ينطبق عليه نص الآية من المسلمين اليوم ؟ ، لا أحد يعرف فالعلم عند الله ، جانبك ِ الصواب بطريقة العرض ، رغم صواب الفكره ، من يضمن دخول الجنة حتى لوكان مسلماً ؟ ، قبول العمل أو رفضه عند رب العباد وليس عند فلان أو علان ، أو غيرهم ، ،فكيف تعممين الخطأ على عموم المسلمين ، وما الفرق في هذه الحالة بينك وبين أعداء الدين ، وأحسبك لست منهم ؟ ، تحياتي
راشد
الجمعة، 17-02-2017 11:18 ص
الكثير من المغالطات تملأ المقال للأسف. يبدو أن جلد الذات متمكن حتى النخاع. هل صحيح أنه "لم يجرؤ ساسة العالم الغربي في يوم أن يصرخوا بعنصرياتهم"؟ أرجو أن تعيدي قراءة تاريخ أوربا الاستعماري و بالذات فرنسا و بلجيكا. و أن تقرأي أيضا في مجتمع الطبقات الهندي و نجاسة طبقة المنبوذين عندهم و بالمرة أن تعرجي على مصطلحات التلمود في انتقاد و وصف الأغيار و مدى تبني الحركات الصهيومسيحية لهذه الأطروحات التلمودية. يبدو أن كرهك لكل ما هو عربي مسلم قد صرف ناظريك عن كل ما عدا ذلك من ممارسات شعوب و حضارات الأرض.