مقالات مختارة

سامحوني!

غادة السمان
1300x600
1300x600
اعتدت أن أبدأ السنة الميلادية الجديدة مع قارئي بالتفاؤل والأمل والدعابة والنكتة والبهجة، حتى لا أدخل الغم على قلبه وسأفشل في ذلك اليوم… فسامحوني.
ولكن العرافة «خاتون» في رواياتي، التي طالما تنبأت بحرب لبنان وسواها، تصرخ أكثر من أي وقت مضى مبشرة بالحزن الآتي، كأن ما فات من خراب وموت عربي في البحار لا يكفينا ويزيد..


سوريا. فلسطين. العراق. اليمن. ليبيا!!


أخط سطوري هذه في بداية رأس السنة الميلادية 2017. وأنصح القارئ الذي ما زال قادرا على سرقة لحظات فرح، ألا يتابع قراءة «لحظة حريتي» هذا الأسبوع فالاكتئاب لا يجدي..
باريس تتعرى وتستلقي على ضفة نهر السين والأضواء تشع من رؤوس أصابعها، وشعرها المتطاير وجنون قدميها في حانات الرقص والزمامير والخدر اللذيذ المجنون والألعاب النارية بدلا من القنابل القاتلة، والعطور بدلا من الغازات السامة..
وقلبي يرحل بعيدا إلى حيث جذوري أنا، التي لم تحاول يوما اقتلاع الياسمين الشامي والفل من قلبها لزرع برج إيفل في موضعهما.. باريس بالتأكيد مهرجان دائم.. ولكن في قلبي جنازات تتكاثر عاما بعد آخر. أرى على الشاشة قافلة من أبناء وطني الأم وعلى وجوه البعض ابتسامة ما، لأنهم هربوا من حروب حاصرت بيوتهم وأرواحهم. من طرفي أعرف مرارة من غادر داره لأنني عشت ذلك في الحرب اللبنانية. أعرف طعم أن يكون على المرء ان يغادر بيته بسرعة في فرصة هدنة ملتبسة لينجو بحياته.. ويحار ما الذي يحمله معه؟


لا.. للاغتصاب


أعرف تلك اللحظة المريرة حين علينا فيها أن نختار من البيت ما سنحمله في هربنا، ونحمل غالبا الشيء الخطأ!..
جدتي الشامية العتيقة كانت تردد «يا بيتي يا بويتاتي يا ساتر عيباتي» والبريطاني يقول: «منزل المرء قلعته».. ويقال إن (الكاوبوي) الأمريكي المدجج بالسلاح يستأذن قبل الدخول لقتل سكان البيت!! فللبيوت حرمتها التي يحترمها، حتى بعض المجرمين الذين لا يغتصبونها لا كما يدور في حروبنا المخزية حيث الاغتصاب هو السيد؛ للنساء والمال والبيت والعقل والسلطة.


سنة جديدة سعيدة للإسرائيلي


هل يصدمكم هذا العنوان الفرعي؟ وأنا أيضاً صدمني بينما كنت أخطه، لكنها الحقيقة المريرة… إسرائيل النازية وحدها تستطيع الاحتفال ببهجة بسنة جديدة من دون معظم أقطارنا العربية.. ها قد جاء إلى الحكم في البلد الأقوى في العالم من وعدها بالقدس عاصمة لها، وبعد وعد بلفور نواجه وعد ترامب.. وستتابع إسرائيل بأمان بناء الحي الاستيطاني في راس العامود داخل القدس المحتلة المرصود له عشرة ملايين شيكل، قد يسددها الرئيس الأمريكي الجديد كمساعدة للحليفة المحببة المغروسة كحربة في قلب الوطن العربي.. وستتكاثر خلايا الاستيطان السرطانية، ولن يجد الاحتلال صعوبة في منع مصلي غزة من الوصول إلى المسجد الأقصى في القدس، بل وفوق ذلك كله ربما سيتم تحويله إلى (سيناغوغ) على الرغم من أنف حقيقة التاريخ، وبيان اليونيسكو أن المسجد الأقصى يخص المسلمين وحدهم ولا دبوسَ مغروسا في جداره لليهود.. بل سيتابع (المتطرفون) الإسرائيليون اقتحامات الأقصى وإحاطته بالوحدات السكنية، ولم لا والعالم العربي يكاد يضع فلسطين في آخر قائمة اهتماماته مشغولا بحروبه المحلية بكل شهية..! حسنا.. سيأتي أعضاء من هذا البرلمان الأوروبي أو ذلك، كأعضاء برلمان إيرلندا الذين (اطلعوا!) على معاناة أطفال فلسطين.. ولكن هل يجدي ذلك حقا أمام «التَغَوّل» الإسرائيلي وشعاره الأصلي: من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل..
وهذا الشعار هو طبعا خطوة أولى في درب تقاسم أرض العرب بين إسرائيل الكبرى، و… و… و… وامبراطوريات أخرى ليست عربية.. ونحن أضعنا البوصلة وهي تحرير فلسطين.


لبنان ورقة مقايضة


العراق.. اليمن.. ليبيا.. كلها يطول فتح قطب الجرح وقت الحديث عنها.. 
بغداد عاصمة الحضارة والأدب والفن التشكيلي والثقافة وجماليات الإبداع الروحي والمسرحي والطليعيات في كل حقل..
اليمن الذي كان يلقب بـ«اليمن السعيد» كما لبنان «سويسرا الشرق» وليبيا الخزان التاريخي والحضاري.
ولبنان.. ذلك الوطن الحبيب الذي يحتضن الجميع وقلما يتعامل معه البعض باحترام، فهو في نظر الكثيرين ورقة مقايضة كما يحدث غالبا للبلدان الصغيرة هنا وهناك في العالم، التي تجاور بلدانا أكبر حجما.. لكن لبنان يظل كبيرا بطموحه إلى أن يظل عاصمة الحرية العربية، وذلك وحده يكفي لينتمي جزء كبير من قلبي إليه..


«باي باي» و«هاي» لسنة حزن جديدة


ها هي أصوات المراكب في نهر السين مقابل نوافذي تتعالى أصواتها في لحظة وداع السنة الماضية، واحتضان مباهج متوقعة من سنة آتية.. وأشعر بالحرج من كل ما سبق أن كتبته، لكنه آتٍ من قاع صدقي الذي تمسك أصابعه بقلمي.. وبقلبي!
أنا لست في باريس. جسدي وحده هنا. أنا الآن جالسة على ذلك المقعد في المحطة في انتظار وصول قطار الوحدة العربية.. ولكن المحطة رحلت وتركت أيتام حلم الوحدة لاستعادة فلسطين كخطوة أولى يدمعون.
لقد فاتنا قطار الوحدة فخسرنا فلسطين واشتعلت الحروب المذهبية هنا وهناك، وما من لحظة صحو تعيدنا على سكة السلامة لا الندامة.. وسامحوني يا أحبائي القراء لأنني كتبت ما تقدم ولعلي أفسدت بهجتكم بسنة جديدة، لكنني حذرتكم منذ البداية من قراءة ما تقدم!
وإلى اللقاء في الأسبوع المقبل مع جوابي على استفسار د. فايز رشيد وسواه حول رسائلي إلى الشهيد المبدع غسان كنفاني والشاعر أنسي الحاج.
0
التعليقات (0)