قضايا وآراء

تركيا "تفرمل" إبادة الشعب السوري

شعبان عبد الرحمن
1300x600
1300x600
أيا كان القول في اتفاقية الوقف الشامل لإطلاق النار في سوريا، فإن إنجاز ذلك الاتفاق بصورة ثنائية بين تركيا وروسيا، وبمنأى عن بقية الأطراف، يسجل نجاحا تاريخيا للدولة التركية في "فرملة" ماكينة الإبادة اللعينة التي تحصد الشعب السوري على امتداد خمس سنوات، وقتلت منه ما يقرب من المليون بريء، وشردت غالبية الشعب، وسجنت بقيته خلف قضبان الجبروت البعثي الطائفي.

سقوط حلب بين أنياب الوحش الطائفي أسالت لعابه لمزيد من القتل والإبادة والتشريد، وأصابته بسعار الشوق للدم، وأعلنت طهران بكل بجاحة أن حلب باتت خطها المتقدم في المنطقة، في إشارة إلى مواصلة التقدم والتهام مزيد من أراضي المنطقة، وتحقيق حلمها الامبراطوري القديم، بتغاض أمريكي صهيوني حينا، ودعم كامل احيانا أخرى، لكن تلك الاتفاقية التي تم إنضاجها بهدوء بين موسكو وأنقرة " فرملت" ذلك إلى حين.

كانت مفاجأة الإعلان عن الاتفاقية مدوية وصادمة لكل من واشنطن وطهران، وهو ما حدا بواشنطن إلى طرد 35 دبلوماسيا روسيا، ومن المنتظر اشتعال الموقف بينهما.

الاتفاقية خرجت للنور بضمان الدولتين بعيدا عن بقية الأطراف، وبعد تكتم شديد على مجريات المفاوضات في هذا الخصوص، وهو ما يؤكد أن روسيا هي صاحبة الكلمة الاولى في سوريا، وأن تركيا صاحبة كلمة على معظم فصائل المعارضة السورية.

 • روسيا تسابق الزمن قبل حلول العشرين من كانون الثاني/ يناير القادم، موعد استلام الرئيس الأمريكي الجديد للسلطة، ليصل ترامب وقد وجد وضعا جديدا في سوريا، وعلى أساسه يكون التواصل بين واشنطن وموسكو.

• تركيا بهذا الاتفاق حققت معظم أهدافها في سوريا، وأهمها منع قيام كيان كردي مستقل في سورياـ يتواصل مع أكراد العراق وتركيا، وبالتالي يهدد تماسك الأراضي التركية، وهو الكيان الذي تدعمه أمريكا على الملأ.

 • تمكين تركيا بهذا الاتفاق من تقديم الإغاثة والمعونات اللازمة للسوريين على نطاق أوسع، وإقامة مخيمات لهم في داخل الأراضي السورية، وبالتالي وقف نزيف النزوح للأراضي التركية. كما أن تركيا بهذا الاتفاق تستطيع إعداد الأرض السورية لعودة اللاجئين إلى بلادهم، وبالتالي تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي عليها.

 • أرادت روسيا وبالطبع تركيا بهذا الاتفاق توصيل رسالة للعالم بأنهما قادرتان على حل المشكلة بمعزل عن واشنطن، وبالتالي فإن المرحلة القادمة ستشهد تحقيق شبه إزاحة للنفوذ الأمريكي من هناك.

تفاصيل الاتفاق تؤشر إلى ما يلي :

1- تركيا وروسيا اللاعبان الرئيسيان في الاتفاق.

2- النظام السوري تابع وليس صاحب كلمة، ومصير الأسد بات غامضا بينما المعارضة المسلحة طرف أساسي.

3- إيران حاضرة، ولكن الكلمة الأولى ما زالت لروسيا وتركيا.. والسعودية وقطر ومصر في الصورة.

4- استثناء داعش والنصرة من الاتفاق يبقي الطريق مفتوحا على مصراعيه لتركيا لمواصلة حملتها ضد داعش، وفتح الطريق لروسيا وإيران والنظام للحرب على النصرة، وتلك ثغرة يمكن أن تتسبب في انهيار الاتفاق، لكن ذلك يعتمد على قوة مراقبة تنفيذه.

5- المعضلة الأكبر تكمن فيما نص عليه الاتفاق من انسحاب المليشيات الشيعية، الذي تصر إيران على عدم تنفيذه إلا بعد انسحاب كل المليشيات والأشخاص الأجانب من البلاد.

وهكذا.. تبدأ سوريا اليوم مرحلة جديدة، تكون الكلمة الأضعف فيها لنظام بشار الأسد، وتكون الكملة لروسيا التي تحاول إزاحة الدور الإيراني المنافس لمصالحها، أو على الأقل إضعافه.

وفي الجهة المقابلة، تكون لتركيا كلمة قوية لصالح اللاجئين والمقاومة الوطنية، والأهم إزاحة أي خطر يهدد أمنها ووحدة أراضيها. لكن إيران لن تبقى صامتة دون تحقيق مصالحها في الإبقاء على نظام الأسد والقضاء على المعارضة، وإضعاف المكون السني الذي يشكل غالبية الشعب، لصالح المكون الشيعي العلوي الذي تعتبره عاملا من عوامل تحقيق  مشروعها الفارسي الاستعماري.

ما وصلت إليه سوريا اليوم هو نتيجة طبيعية للحكم الفاشي الديكتاتوري.. إبادة الشعب وتقديم الدولة لقوى الاستعمار لنهش أراضيها وثرواتها وتحويلها لغابة يكون البقاء فيها للأقوى.

وبعد.. ظلت الأزمة  السورية منذ بداية الأزمة؛ ورقة ضغط من قبل الولايات المتحدة والمتحالفين معها ضد تركيا، تهدد بها وحدة أراضيها، وتدفعها للتورط في الحرب بصورة غير مدروسة، ولكن تركيا بسياستها المتأنية والمدروسة تمكنت من أخذ تلك الورقة من واشنطن، وتحويلها إلى ورقة ضغط لصالحها، لحماية أمنها ووحدة أراضيها ولحماية الشعب السوري من استمرار مسلسل الإبادة اللعين، وتلك عبقرية السياسة التركية التي حولت كثيرا من ورقات التهديد إلى فرص لصالحها.
التعليقات (0)