قضايا وآراء

في الصمت عن حلب وادعاءات "الممانعة"

عبد الحكيم مفيد
1300x600
1300x600
لا يمكن بطبيعة الحال الصمت عما يحصل في حلب، ليس فيما يحدث من جرائم وإبادة من الجو وعلى الأرض، فهذه مسألة يفترض أنها مفهومة للغاية، لا يمكن الاختباء خلف أي شيء لتبرير و"فهم" حجم الجريمة، من يظن أنه بالإمكان الاختباء خلف "داعش" لتبرير الجريمة فهو شريك فعلي، حتى لو أنه لم يطلق رصاصة واحدة، الشراكة بالجريمة لا تحتاج قنابل ودبابات، يكفي تبريرها أو الصمت عنها.

نفهم للغاية أن حجم الجريمة في سوريا، وأهداف الأطراف المشاركة صارت تحرج بشدة من احتجوا بـ"المقاومة والممانعة" للوقوف إلى جانب النظام، وصار البعض يهرب من الحالة السورية والتداول بها بحجة أنها تثير "الفتن" وتعمق "الخلافات" بين أبناء الشعب الواحد، وعليه من الأفضل عدم الحديث عنها، إذا عم إذا سنتحدث؟

تفتح حلب الجراح من أوسع أبوابها، لكنها بالأساس تكشف حقيقة ما يحدث هناك، هذه الإبادة لا تخص النظام فحسب، بل تكاد لا تخص النظام، سوريا تحولت منذ فترة طويلة إلى ساحة ومكان لقوى أخرى تعيد ترتيب البلد على مقاساتها، أهم مركباتها إعادة بناء التوازن الديموغرافي في سوريا، تصفية وإبادة وتشريد أكبر قدر من أهل السنة، أو تشييعهم، كما يحدث في أحياء كثيرة في دمشق ومدن سورية أخرى، هذا هو مفتاح الحرب في سوريا، من لا يريد أن يفهم ذلك ابتداء، فستكون النتيجة عقيمة.

لا يمكن فهم الإبادة في حلب وغيرها، ما تقوم به إيران والمليشيات الشيعية القادمة من العراق، بدون السياق "المذهبي"، بإمكان كل واحد الهروب من هذه الاعتبارات "حرصا" على "نسيج الأمة"، ولكن هل يملك أحد تفسيرا للتدخل الإيراني والمليشيات الشيعية من العراق وحزب الله، وما يقولونه من كلام واضح ومرعب بشأن سوريا بدون المرور بالاعتبارات "المذهبية"؟ هل هناك وضوح أكثر مما يحصل  مؤخرا؟ وهل أنقذ العراق من مصيرها تجاوز الحالة المذهبية وماذا كانت النتيجة؟

تصل سوريا ممثلة بحلب إلى خط النهاية، وتطرح كل الأسئلة بإلحاح وحرج شديدين، يمكن مع الحالة الآن الاكتفاء بالقول "نحن مع الشعب السوري"، ولا يمكن منذ الآن الاحتجاج بـ"الممانعة والمقاومة"، فهذه انتهى تاريخ استعمالها شعبيا، وهي لم تعد مقنعة حتى لأصحابها، لا يمكن الاكتفاء بالقول إن شعب سوريا ضاع بين الشبيحة والتكفيريين، ولم يعد بالإمكان الهروب من الواقعة والجريمة، لأن الشعب السوري في حلب يذبح ويباد انطلاقا من مشروع لا علاقة لما قيل ويقال الآن فيما يخص ملاحقة "الإرهاب" و"الداعشية"، هذه كانت شماعات.

بإمكان رمضان شلح الأمين العام للجهاد الإسلامي أن يتحدث من هنا حتى إشعار آخر عن دور إيران في دعم الشعب الفلسطيني والمقاومة، لكن ماذا سيقول رمضان لحلب، وماذا سيقول لأبناء شعبه الذين أبيدوا وشردوا في مخيم اليرموك، وماذا سيقول للفلسطينيين أبناء شعبه، إذا افترضنا أن حلب لا تهمه، في العراق الذين تمت إبادتهم وقتلهم وتشريدهم إلى أمريكا اللاتينية للتوطين، من قبل أنصار ملالي إيران، ذاتهم الذين يمارسون أبشع أنواع الإبادة في حلب وسوريا، علانية, ما الحاجة الآن بالذات، بالضبط وحلب تدمر أن يقال مثل هذا الكلام، ولو فرضنا أن إيران تقف خلف كل أعمال ودعم المقاومة الفلسطينية، فهل يصبح من الجائز لها أن تفعل ما تفعله  الآن في سوريا؟

روسيا والجريمة

إذا كان من الصعب اعتبار ما تفعله روسيا "جريمة"،ومثلها إيران فالمصيبة  التي نحن بصددها تفوق اي تصور،والمسالة تجاوزت كونها "سياسية" كما قد يظن البعض.

إذا كان ما  يفعله الجيش السوري"البطل"بحسب تعبيرات البعض مسألة "تحرير" ودفاعا عن "سيادة" البلد،يكون أصحابها وصلوا إلى هاوية وحضيض  تحتاج إلى  تفسيرات غير معتادة،لا يفيد معها  أقوال مثل "تحيرنا "و"الواحد مش فاهم شو بصير"،هل يعقل أن يكون 7 ملايين لاجئ  مشتتين  في بقاع الأرض، غالبيتهم الساحقة تحمل ذات "المذهب" ،ونصف مليون مباد بالبراميل وحلب معهم لا تكفي لفهم ما يحدث في سوريا؟

هل يكون كل ما تفعله إيران  والمليشيات  الشيعية من العراق وحزب الله والجيش السوري "البطل" وروسيا ،كل هذه تصنف ضمن "مقاومة" التكفيريين والدواعش،7 مليون مشرد  ونصف مليون مباد،وحلب؟
 
العراق ثم سوريا

تعالوا الآن نسأل كل الأسئلة التي يفضل الكثيرون تجاوزها،بالذات أنصار  "الوحدة العربية"،وأعداء المشروع الأمريكي  في المنطقة، التقسيم والتفكيك والهيمنة؟

من المهم أن نحيلكم  إلى العراق،فليس بحوزتنا أفضل منها،وليس لدينا أوضح منها،لمحاولة فهم حقيقة ما يحدث في سوريا،وقد يكون النموذج المثالي ،الآن  بالذات ،في هذه اللحظات العصيبة،لأن غدا سيكون متأخرا   للغاية.

من الواضح أولا أن الحماسة التي امتازت البعض في الدفاع عن  النظام السوري ،بصفته ممثلا "للمقاومة" قد تراجعت،والأمر  في تقديري نابع من غياب  القناعات في الدفاع عن نظام  مجرم وفاشل  ومتآمر على شعبه، وأكثر من ذلك، نظام سلم بلاده للغير للدفاع عنه وتثبيته لا يستحق أن يدافع عنه،لا أحد يحب الدفاع عن الأنذال، هذا التراجع في الدفاع عن نظام بشار في تقديري أمر إيجابي ،ومن المهم  التركيز عليه.

لكن في ذات الوقت  لا يمكن الاكتفاء بهذه الحقيقة ،دون ربطها بالمشروع والنتيجة النهائية .
لم يفقد النظام السوري أهميته فقط لهذا السبب،بل لأنه أصلا ومنذ اللحظة الأولى لم يكن ضمن الحسابات النهائية لأصحاب المشروع  الحقيقي،الغرب وإيران.

كلما كانت الأحداث  في سوريا  تتقدم،كان  النظام يتراجع لصالح الخروج  النهائي من اللعبة،حتى تحول إلى دمية تخدم المرحلة الحالية استعدادا للحل  النهائي.

منذ فترة انتهى تاريخ  استعمال النظام  السوري  وتحول إلى هيئة تشبه روابط القرى،لا يملك أي سيطرة او سيادة على أي شئ،لا الدولة ولا الحدود ولا الجيش ولا إدارة المعركة،وهو لم يعد ذا جدوى،لا من حيث التغيير ولا من حيث التأثير، الذي سلم بلده المليشيات  الإيرانية والعراقية واللبنانية وإلى المافيا الروسية يعرف  أنه لا يملك شيئا في بلده،إلا حق أداء  صلاة العيد  أمام الشاشة وعلى الأغلب  بدون وضوء.

المشروع

بالضبط من هذه الزاوية يجب النظر  للحالة السورية الآن، الجيش السوري"البطل" أحد اهم رموز النظام،الذي من المفروض ان يكون رمز سيادي لها،يقع  تحت قيادة إيرانية مباشرة ومساعدات روسية بالذخيرة،وما يجري في حلب هو شأن إيراني  بالأساس وبعد ذلك روسي،بموافقة أمريكية  وغربية وعربية تامة،وهنا بالمناسبة لا  يفيد أي شئ في شرح  عن "بطولات"العرب الاخرى،التي تتلخص في حملات الإغاثة الخجولة،ولعن  الشيعة وإلغاء احتفالات الاستقلال، هذه صارت تصل إلى حد  الفضيحة والتآمر.

ما يحدث الآن في سوريا هو استكمال لما حصل في العراق،في كلاهما أمر واضح  للغاية،مدهش،إيران على الأرض تبيد وتقتل وتشرد بالشراكة  مع  أمريكا  لمن  نسي) وتغير ميزان البلاد الديموغرافي لصالح  الشيعة،ولعل من أخطر الأمور  التي تحدث هي استهداف الفلسطينيين ،حصار وذبح وإبادة وطرد وتوطين هذا لمن لم ينتبه،وأيضا  تفكيك وتقسيم العالم العربي،ما حصل في العراق واضح للغاية،في سوريا يسير المشروع بذات الاتجاه.

إذا كان من غير المهم وقوف إيران  موقفا وممارسة على أرض الواقع إلى جانب المشروع الأمريكي في  التقسيم والإبادة،كما في العراق (إلا إذا رغب أحد الادعاء بالفبركة كما في واقعة إبادة السوريين)،إذا كان هذا غير مهم،فلا ندري ما المهم؟

وأخيرا

لمن يبدي فرحا على ما يحدث في سوريا من إبادة،أرحم نفسك وأهلك أولا واتق الله.

لمن يعتقد أنه ب الادعاء أنه مع الشعب السوري والجيش السوري (بدون بشار وهذا تطور)،ويتغاضى  عن حقيقة الإبادة وما تفعله روسيا بشكل خاص تذكره أن روسيا بوتين هي نظام  المافيا الذي قام على أشلاء الاتحاد السوفييتي ،وعليه نرجو أن تصحح معلوماتك التاريخية ولا تفضح نفسك.

إلى من يقول أين تكون أمريكا لا نكون،أمريكا الآن  مع إبادة حلب،ولا حاجة لنفسر لك ذلك،ومصالحها ومشروعها  التفكيكي يقتضي ذلك،جيد أن تصحو من سباتك.

إلى من يظن أنه سيهرب  من جرائم  الإبادة في سوريا ،يمكن أن تهرب اليوم لكن لن تهرب منها أمام الله،موالاة الظالمين والدفاع عنهم أشد من الظلم،والظلم ظلمات يوم القيامة.

إلى من يقف ضد النظام ولكن بحكم العلاقات وخوفا من أن يعيره  أحد، وهل تقبل عارا ستواجه به غدا.

إلى  من  اكتشف  أن  مسرحية  "الممانعة  والمقاومة" انتهت،لا  تخف  قل  ما  بداخلك،الساكت  عن  الحق شيطان  أخرس.

وليس آخرا

إلى  من يعتقد أن "تحرير" حلب هي دلالة على "صدق" النظام،وانتصار "المقاومة"،نقول له هداك الله،قبل أن تخسر كل شئ.

لا ينتصر أحد على دماء أطفال وشيوخ وعجز ،لا ينتصر أحد على اغتصاب الحرائر،لا ينتصر أحد على شعب  بحرقه بأبشع أسلحة الإبادة شعب أعزل.

سنقول لك جملة واحدة، احفظها، لا "ينتصر"هكذا إلا الأوغاد والأنذال  والمنحطين  والسفاحين، ولا ينتصر أحد في هذه المعارك إلا شعب مثل أهل حلب،هذا يقين،هذا وعد من الله، ،والله لا يخلف الميعاد.

يا أهل حلب اعذرونا، كم نحبكم.
التعليقات (0)