مقالات مختارة

الحكومة الاسرائيلية تدفع ثمن تحريضها

جهاد أبو ريا
1300x600
1300x600
كان للتحريض الذي قام به رئيس الحكومة الاسرائيلية واعضاء حكومته ضد المواطنين العرب في فترة اندلاع الحرائق تأثيرا قويا داخل اسرائيل، بحث سريع على صفحات التواصل الاجتماعي الاسرائيلية يظهر الاف التعليقات التي تدعو الى حرق العرب أحياء والى  تنظيم عصابات لحرق بيوتهم وقراهم، هذا المشهد يعيد الى ذاكرة الفلسطينيين حرق الطفل محمد ابو خضير وعائلة دوابشة التي قام بها مستوطنون نتيجة لحملات التحريض التي سمعوها من قياداتهم، لم يكن مفاجئا ان سلطات الاحتلال لم تعتقل احدا من هؤلاء المحرضين او التحقيق معهم، رغم ان صفحاتهم الاجتماعية مفتوحة ويمكن لأي كان قراءتها, لان اعتقالهم سيؤدي بالتالي الى توجيه اصبع الاتهام ضد المحرضين الكبار.
 
مع اخماد النيران بدأ يتضح انه "تمخض الجبل فولد فأرا"، ولم يكن اي اساس لاتهام الفلسطينيين في اشعال الحرائق سوى رغبة القيادة الاسرائيلية في اشعال الفتنة بين اليهود والعرب وتعزيز الكراهية. حملات الاعتقال الجنونية التي قامت بها الشرطة الاسرائيلية كانت سياسية واتت لتغطي عورة القيادة الاسرائيلية وتحريضاتهم العنصرية.
 
من ضمن المعتقلين كان أنس ابو دعابس من النقب، الذي حظي اعتقاله لتغطية اعلامية واسعة رافقتها حملات تحريض على حرقه وحرق عائلته وقريته، المضحك المبكي ان انس كان قد نشر على صفحة الفيس بوك الخاصة به انتقادات لاذعة ضد الفرحين على اندلاع الحرائق، احد البوستات كتب بلغة عربية ادبية هزلية، الشرطة الاسرائيلية قامت بترجمة البوست بواسطة "جوجل ترانسليت" ليعطيها صورة مغايرة عما يحويه, فقامت باعتقال أنس وعرضه للمحكمة، بعد ان اتضح للمحكمة حقيقة الامر قامت بإطلاق سراحه، أنس قضى عدة ايام في السجن وتعرض للتحريض على الحرق لان الشرطة الاسرائيلية لم تفهم ما كتب.
 
كذلك تم اعتقال خمسة قاصرين من قرية دير حنا شمال فلسطين بتهمة اشعال الحرائق بدوافع ارهابية، شارك حينها وزير الداخلية الاسرائيلية ارييه درعي بجوقة التحريض متهما هؤلاء "الارهابيين" بالعمل على اشعال بيوت واراضي اليهود في المجلس الاقليمي مسجاف وهدد بسحب جنسياتهم، بعد التحقيق معهم تم اطلاق سراح اربعة منهم دون توجيه اي اتهام لهم، اما القاصر الخامس فتم توجيه تهمة له بحرق اعشاب داخل قريته العربية، طبعا دون اي اتهام بخلفية وطنية، نشير الى ان اقرب مستعمرة يهودية الى منطقة حرق الاعشاب تبعد عدة كيلومترات، لم نسمع بعد ذلك اعتذارا من الوزير درعي على حملة التحريض التي قام بها.
 
ستة شباب من قرية الجديدة قرب عكا كانوا كعادتهم يدخنون نرجيلة في حرش قريب من قريتهم، الرياح القوية القت بالجمر على الاعشاب مما ادى الى اشتعال النيران وبدأت وسائل الاعلام الاسرائيلية تنشر ان قوات الامن تلاحق خلية ارهابية تحاول حرق مستعمرة احيهود القائمة على أنقاض قرية البروة المهجرة، تم اعتقال الشباب الستة والتحقيق معهم، اربعة منهم تم اطلاق سراحهم دون اي اتهام اما الاثنين الاخرين فقد تم ايضا اطلاق سراحهم رغم ان الشرطة قررت توجيه الاتهام لهم بإشعال الحرائق نتيجة للإهمال!!
 
هذا هو الحال مع العشرات من الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم ظلما، بالنسبة للحرائق الكبرى التي جرت في حيفا وزخرون يعكوب والتي تسببت بحرق مئات البيوت فلم يتم اعتقال احد، ولم يتم توجيه التهم الى احد بإشعال الحرائق هناك على خلفية وطنية او "عدائية".
 
بحسب القانون الاسرائيلي فان الدولة هي المسؤولة عن دفع التعويضات للمواطنين عن الاضرار التي تنتج عن اعمال " عدائية"، والا فعلى المتضررين التوجه الى شركات التأمين اذا كانوا مؤمنين، اتضح ان اكثر من نصف البيوت التي احترقت لم يكن لها تأمين، بحسب التقديرات الاولية فان قيمة الاضرار تصل الى نحو مليارد شيكل.

مع اخماد النيران توجه اصحاب البيوت المتضررة الى مكاتب ضريبة الاملاك يطلبون تعويضهم عن الاضرار التي تسببتها الاعمال " الارهابية العدائية"، لكن المسؤولين رفضوا هذه الطلبات معللين ذلك انه لا يوجد حتى الان اي اثبات ان الحرائق تسببت نتيجة لأعمال "عدائية"، وحتى الان لم تتم ادانة احد في ذلك. المتضررون وجهوا المسؤولين في ضريبة الاملاك الى تصريحات وزراء الحكومة الاسرائيلية حول اتهامهم العرب بالحرائق على خلفية وطنية لكن جواب ضريبة الاملاك ان الجهة الوحيدة المخولة بإصدار مثل هذا التصريح هو جهاز المخابرات الاسرائيلية الذي لم يصدر اي بيان بذلك وان تصريحات وزراء الحكومة الاسرائيلية لا قيمة لها من الناحية القانونية. من جهة اخرى رفضت شركات التأمين تعويض المؤمنين بادعاء ان التأمين لا يغطي الاضرار الناتجة عن الاعمال "العدائية" او " الارهابية".
 
هذا الوضع خلق ارباكا كبيرا داخل اسرائيل، الحكومة الاسرائيلية ارادت التحريض وزرع الكراهية، لكنها لم تقصد دفع التعويضات ولم تقصد اعفاء شركات التأمين من تعويض المتضررين، هذا الوضع خلق احراجا كبيرا للحكومة الاسرائيلية وادخلها في مأزق كبير وفضح اتهاماتها العارية عن الصحة.
 
بالتالي تم الاتفاق بين الحكومة الاسرائيلية وشركات التأمين ان كل منهما يدفع جزء من التعويضات للمتضررين، الجزء الذي ستدفعه الحكومة الاسرائيلية هو ثمن تحريضاتها العنصرية، وليس ثمن اعمال عدائية. هذا التعويض هو رشاوى تقدمه الحكومة الاسرائيلية لإسكات الانتقادات ضدها، لا يستند على اسس قانونية ويتعامل بعدم مساواة مع الذين حرقت بيوتهم في الماضي ولم يحصلوا على تعويض.
ان ما يحصل في الداخل الفلسطيني ليس مجرد تمييز ضد جزء من مواطنين , انه تنفيذ لمشروع ابرتهايد.
0
التعليقات (0)