مقالات مختارة

حكم صادم وتوقيت بائس

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
لم نكد نفرغ من قراءة التقارير التي نشرتها صحف صباح السبت عن عشرات الشبان الذين تم العفو عنهم بقرار جمهوري، وطالعنا فيها صور الأهالي وهم يستقبلون ذويهم بالأحضان والزغاريد، حتى صفعنا حكم الحبس الذي صدر ضد نقيب الصحفيين المصريين واثنين من زملائه، أقول صفعنا لأنه فاجأنا بما لم يخطر على البال، ولأنه حدث لا سابق له في تاريخ الصحافة، الأمر الذي يعد وصمة في سجل السياسة المصرية، ذكرتنا بصدمة اقتحام الشرطة للنقابة لاستخراج اثنين من الزملاء احتميا بها، بعدما ظنا أن للنقابة حصانة ولمهنة الصحافة احتراما.

اقترنت الوصمة بالدهشة التي سبق أن انتابتنا حين تم اقتحام النقابة دون مبرر في أوائل شهر مايو الماضي، ذلك أن عملية المداهمة والاقتحام حدثت في وقت كان نقيب الصحفيين يتفاوض مع مسؤولي الداخلية لتسليم الزميلين استجابة لأمر الاستدعاء. ومن ثم كان يمكن معالجة الأمر في هدوء وسلاسة، بما يجنبنا الذعر والغضب اللذين انتشرا في المحيط الصحفي، فضلا عن الفضيحة التي ترددت أصداؤها في العالم الخارجي. أما ما حدث بعد ذلك فكان أكثر إدهاشا وأعجب، ذلك أن الزميلين اللذين ألقي القبض عليهما بسبب تظاهرهما السلمي دفاعا عن جزيرتي تيران وصنافير وتم إيداعهما أحد السجون، ثم حكم ببراءتهما حين أحيل الأمر إلى القضاء، وكانت البراءة تعني أنه لا وجه للصحة فيما نسب إليهما، وأن تصرفهما لم يكن فيه مخالفة للقانون تستوجب العقوبة. في وقت لاحق صدور حكم المحكمة الإدارية لصالح مصرية الجزيرتين وبطلان الاتفاق على إلحاقهما بالسعودية، وهو ما أكد سلامة موقف الزميلين وأسدل الستار عن قضيتهما.

هدأت الضجة بعد ذلك ونسي أكثرنا الموضوع، ولم ننتبه إلى أن ثمة قضية أخرى اتهم فيها نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة بإخفاء مطلوبين للعدالة، وهذه ظلت تتحرك في صمت إلى أن فوجئنا بتحديد موعد للحكم الذي صدمنا حين قضى بمعاقبة النقيب والزميلين بالحبس سنتين وغرامة عشرة آلاف جنيه لكل منهم.

وجه العجب في الموضوع أن الحكم صدر في اللاقضية، وسط أجواء الفرحة التي غمرت كثيرين جراء العفو عن الدفعة الأولى من الشبان المحبوسين، في بادرة مقدرة محملة بمعانٍ على النقيض تماما من الرسالة التي تلقيناها حين بلغنا نبأ الحبس المهين للنقيب وزميليه. وهو ما دعا أحد الزملاء إلى القول محقا بأن قرار الحبس أدى إلى اغتيال قرار العفو. كأن هناك من ساءه أن تشيع أجواء الفرح ذات يوم في دائرة محدودة من البشر، فأطلق فرقعة الحبس التي كانت بمنزلة «كرسي في الكلوب»، كما يقول التعبير الدارج، وهو ما أفسد «الفرح» وأشاع جوا من الغم والاكتئاب في محيط أهل المهنة.

جاء الحكم صادما وكان التوقيت بائسا. ولست ألوم القاضي بطبيعة الحال فالرجل حكم بمقتضى شهادات وتقارير قدمت إليه، أما تزامن إصدار الحكم مع صدور قرار العفو، فلست أشك في أنه مجرد مصادفة سيئة محت أثر العفو، وأساءت إلى النظام القائم أيما إساءة، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة سوء تقدير في إخراج العملية، ذلك أن أجواء العفو كانت تسوغ تسوية القضية بطريقة مختلفة تجنبنا الصدمة والفضيحة، ورغم أن الموضوع لا علاقة له بالعنف ولا الإرهاب، فضلا عن أن المتهمين في الاحتماء بالنقابة تمت تبرئتهما، فإن الإخراج الذكي كان يقتضى إقامة فاصل زمني بين الحدثين إذا لم يكن من الحكم بد.

سوء الإخراج ملاحظة تكررت في مواقف كثيرة أحدها في تزامن تعويم الجنيه مع رفع الأسعار الذي اعتبر بمنزلة توجيه ضربتين موجعتين على الرأس في وقت واحد، وهو ما جعلنا في حيرة من الأمر فقد فرض علينا أن نتنازل عن الحلم الديمقراطي، وتصورنا مخرجا في بديل المستبد العادل بمعنى الحازم، لكن هذه الوصفة لم تنجح فتعين علينا أن نخفض من سقف توقعاتنا، بحيث صرنا نتعلق بأمل الذكاء وليس العدل، لكن حتى هذا صرنا نفتقده، الأمر الذي يكاد يوصلنا إلى طريق مسدود.

الشرق القطرية
2
التعليقات (2)
محمد الدمرداش
الثلاثاء، 22-11-2016 07:12 م
ما اشبه الليلة بالأمس .......... د. هشام قنديل قبض عليه في سيارة د. ياسر على و سجن د. ياسر على بتهمة التستر على مطلوب للعدالة و قضت المحكمة ببراءة المطلوب للعدالة " د. هشام قنديل " و لكن المتستر عليه د. ياسر على بقى بعد خروج د. هشام من السجن بضع شهور في السجن و هنا يحلوا لي سؤال أليس ما بنى على باطل فهو باطل ؟ أليست هذه قاعدة فقهية و قانونية ؟ و لما لم يشمل منطوق حكم المحكمة ببراءة د. هشام قنديل أن كل ما ترتب على الاشتباه به أو نسب جرائم له هو و العدم سواء و يخرج د. ياسر على من السجن فور خروج د. هشام قنديل من سجنه ؟ أن ما حدث و شاهدناه يجعلنا نقر أن هناك قصور عدلي في الإجراءات القضائية و أن سير العدالة فيه انتقائية تبرئ مستحق للبراءة و ترجأ أخر مستحق للبراءة أيضاً إلى يوم أخر لاحق في حين البراءة تشمل الأثنان معاً . و نفس الشيء يحدث اليوم مع نقيب الصحفيين و زملائه بتهمة تسترهم على مطلوبين للعدالة و حقيقة الأمر طعن قدسية الصحافة و نقابتها و المطلوبين للعدالة هم أهل عدل أقرتهم المحاكم و خرجوا براءة فأين تكون أدانة نقيب الصحفيين و زملائه ؟ و عار على القضاء إذا ما أستدرك الأمر في محكمة ثاني درجة ليؤكد القصور العدلي و لا ينمحي الاعتداء على قدسية الصحافة و الصحفيين لأن قيمة نقيب الصحفيين و زملائه ليست في أشخاصهم لأنهم على رأس نقابة صاحبة الجلالة و المفترض أنها سلطة رابعة خادمة للبلاد في رسالتها باستخدام القضاء كأداة يبقى العار .
محمد الدمرداش
الإثنين، 21-11-2016 04:03 م
سلطة اللاسلطة قدسية اللاقدسية ................... لابد أن نوطن أنفسنا على أنه لا سلطة و لا قدسية في بلادنا لأن كل شيء هلامي عشوائي فقد سرت في الماضي خدعة أن ببلادنا سلطة تنفيذية و سلطة تشريعية و سلطة قضائية و سلطة رابعة أطلق عليها سلطة الصحافة " صاحبة الجلالة " و تمضي بنا الأيام و السنون لنجد أن مصر الأمر الناهي فيها جهات سيادية لا تراها و تعرفها البشرية و أن السلطة التشريعية ديكور لزوم الشيء و السلطة القضائية تسيس بحجة أول درجة أحكام ثم ثاني درجة ثم نقض و أبرام و عفو لتكون كل الأمور تمام و أن على المستوى الشخصي لم يهلني الحكم الصادر على نقيب الصحفيين و زملائه لأنني أعرف السلطة و اللاقدسية و هذا ه حال كل البرية في مصر الذكية .