مقالات مختارة

تحديات المقدسيين

زهير ماجد
1300x600
1300x600
الأذان بالنسبة للمسلم فرض واجب يمارسه منذ أن نطق بلال الحبشي بأول أذان، إنه الصوت الداخلي الذي يظل يضج على مدار حياته، بل هو النشيد المرسوم على شفاه الظمأى للقداسة وللعلاقة الروحية مع ربه.

فمن الذي يمكنه أن يمنع الأذان وأن يشطب بقرار معادلة الوجود أو عدمه للمسلمين. صحيح أن إسرائيل منعت مكبرات الصوت حتى الآن، إلا أنه مقدمة لما هو أدهى، وإذا ماقبل المقدسيون فكأنهم يقولون لسلطة الاحتلال الصهيوني إنهم يقبلون بمشيئة جديدة ليست أبدا من جوهر وجودهم.

المسلم لا يتذكر فقط الأذان، بقدر ما يختلط بفكره ويسيطر على روحه، إنه أكثر من عادة، هو ملاذ يقترب من حدود التكوين الطبيعي للإنسان المسلم. والأذان لا يهمس مثل الصلاة، كلما تعاظم الصوت وتفوقت النبرة، كان هنالك مطلب بمزيد من الإضافة. كأن يريد المسلم أن ينطق موجزا من إحساس قوي يهز بدنه وقلبه وعاطفته وروحه.

عندما تحدى المقدسيون القرار الصهيوني، الذي يقال إن الأذان أزعج خاطر ابن نتنياهو الفتى، خرجت أصواتهم جماعات كأنها لحن مشوب بالذاكرة لأول أذان وممتزج به. الأصوات الجماعية لها وقع على النفس وفيها مزيج من كل إحساس متوازن في الجسد والروح. هي والصدى التابع لها علامة إغناء لواقع التحدي الذي يتكرر. بدل أن يكون الأذان عادة طبيعية عند المسلم والمقدسي على وجه التحديد، ظل عادة يومية لكنه صار فعل طرد المنع الصهيوني الذي فيه جنون لاحدود له، وفيه من التعدي على حرمات المسلمين المقدسيين ما لا يوصف.

مرت أصوات المقدسيين من رجال ونساء وأطفال ثوان في نشرات الأخبار وهم يؤذنون، فمالت نفسي إلى سماع المزيد منها، سحرني الصوت الذي وصل إلى آذان الصهاينة أكثر من علم وخبر، وأكثر من تحد، وإنما ليقول بكل اختصار إنكم يمكنكم أن تمنعوا عنا الهواء والماء، لكنكم لن تستطيعوا أن تمسوا بخلاصة وجودنا على هذه الأرض.

عندما أذن الدكتور أحمد الطيبي في الكنيسبت، وبكل المفاجآت التي صنعها ونزلت كالصاعقة على رؤوس الصهاينة في القاعة وخارجها، كان مثل الفدائي الذي يقاتل بسلاحه عدوا واضح المعالم يريد أن يدخل في ما بين المسلم وخالقه، مما هو أبعد من رموز تقديم الطاعة لرب معبود. افتتح الطيبي نافذة للمقدسيين الذين ردوا جماعات، فكانوا الصدى لفعلته وصوته وتحدياته التي لا يفهم غيرها الصهانية.

لاشك أن النائب العربي الطيبي قاد المرحلة بصوته وعمم فكرة تحولت إلى نهر جارف لن يتوقف، وسيصبح من علامات الزمان وواحدا من انتفاضة ضد مستكبر، يسعى لاختراع حروب دينية لن تبقي ولن تذر، وسيكون الخاسر الأكبر فيها أمام الجمهور المسلم، الذي سيكون أوسع من القدس بكثير، أي على مدار العالم الإسلامي بكل مكوناته.

يقينا جن نتيناهو وزبانيته بعدما ظنوا أن قرارهم لا نقاش فيه، فإذا به يتحول إلى مشكلة لهم، وإلى إثبات وحود، وإلى مناخ حرية يتعاظم، وإلى تحد أكبر بكثير من تصوراتهم، وما قد ينتج عنه إذا ما قرر الصهيوني أن يلعبها بالقوة.

الوطن العمانية
0
التعليقات (0)