قضايا وآراء

لا تعولوا على استمالة ترامب

محمود علوش
1300x600
1300x600
حالة الإحباط التي أصابت العرب على المستويين الرسمي والشعبي بعد إعلان فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية؛ مفهومة، وهي مستمرة ولم تكن لتنتهي بخسارة ترامب أو فوز هيلاري كلينتون؛ لأن السّياسات الأمريكية في المنطقة خلال العقود الأخيرة، وبالتحديد في عهد أوباما خلّفت أزمات وصراعات لا يعلم إلاّ الله كيف ومتى ستنتهي. ففي القضية الفلسطينة، أم القضايا العربية، وقفت واشنطن على الدوام إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي ودعمته، ولا تزال، في سلبه لأدنى حقوق الفلسطينيين في إقامة دولة على ما تبقّى من أرضهم. وفي صراع النفوذ مع إيران، تسبّبت إدارة أوباما في تجرؤ طهران على الهيمنة على دول عربية، كالعراق وسوريا ولبنان، وهي تحاول فعل ذلك في اليمن، وربما مستقبلاً في دول أخرى.

مسارعة الزعماء العرب إلى إرسال برقيات تهنئة لترامب بروتوكول لا غنى عنه، لا سيما وأن الولايات المتّحدة لديها من النفوذ في الشرق الأوسط ما يفوق نفوذ الدول العربية نفسها. لكنّ التعويل على استمالة ترامب لصالح القضايا العربية لن يُجدي نفعاً، وسيكون تكراراً لنفس الخطأ مع أوباما، وقبله بوش والرؤساء الأمريكيين السابقين، ولا يُغيّر من حقيقة أن الأمريكيين ليسوا عابئين كثيراً بالمصالح العربية. على العرب أن يقرأوا جيّداً ما بين سطور دعوة ترامب بعد فوزه مباشرة؛ بنيامين نتنياهو إلى الاجتماع به في واشنطن. هذا أمر مقلق للغاية، وسيكون في غاية السوء إذا كان رئيس أمريكا الجديد لا يرى في الشرق الأوسط شخصية تستحق الاهتمام بها سوى رئيس الوزراء الإسرائيلي.

كفرد من أبناء هذه المنطقة المنكوبة، لا أطلب من الدول العربية التي لا تزال واقفة على قدميها، كالسعودية ودول الخليج العربي، بفك ارتباطاتها بالكامل مع الأمريكيين؛ لأن ذلك غير منطقي، لكنّ الوضع يختلف اليوم، وأمريكا الجديدة التي سيقودها ترامب بغض النظر عن توجّهاته الخارجية ستكون مختلفة عن أمريكا التي كنّا نعرفها، والنظام الإقليمي السائد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يندحر شيئاً فشيئاً. المؤشّرات على ذلك كثيرة، وهي موجودة حتّى ما قبل زلزال ترامب، إذ أن التغييرات الهائلة التي طرأت على الشرق الأوسط منذ احتلال العراق عام 2003، وما تبعه من زلزال الربيع العربي، غيّرت كثيراً في البعد السياسي والجغرافي للمنطقة، والحديث يدور منذ فترة عن مرحلة ما بعد اتفاقية سياكس – بيكو التي تقترب هي الأخرى لأن تكون جزءاً من الماضي بفعل الحدود الجديدة التي تُرسم بالدم، ومن يرسمها أطراف غير عربية على أرض عربية.

لا أطالب الدول العربية أن تكون على كلمة واحدة؛ لأن هذا أمر محال، وانشغالها في صراعاتها الداخلية وصراعاتها مع بعضها البعض يجعل هذا الطلب ضرباً من الخيال، لكنه على الأقل يمكن الاقتداء بالموقف الأوروبي، فالزعماء الأوروبيون قلقون على مستقبل علاقات بلادهم بواشنطن في عهد ترامب، وهم تواصلوا مع بعضهم حتى قبل إرسال برقيات التهنئة له، ودعوه إلى اجتماع لبحث مستقبل العلاقات. وكان بالإمكان أن تفعل الجامعة العربية الأمر نفسه، وتدعو على الأقل مندوبي الدول، إذا تعذّر حضور وزراء الخارجية، إلى اجتماع مماثل، إذا ما أرادت أن تحمي بلدانها من المتغيّرات العالمية القادمة.

وإذا كان العرب اشتكوا في عهد أوباما من قلّة الاهتمام الأمريكي بقضاياهم على حساب إيران، فإن عهد ترامب الذي سيقوم على إعطاء أولوية للمصالح الأمريكية على حساب الحلفاء، يُفترض أن يشكّل حافزاً للدول العربية لأن تُفكّر جدّياً بمستقبل شعوبها وحلّ أزماتها الكارثية بعيداً عن الأمريكي، أو على الأقل طي صفحة وضع كل البيض في سلّة الأمريكي. إذا كان ذلك أمراً صعباً في الوقت الراهن، فأضعبف الإيمان أن يشرع العرب في بناء تحالفات جديدة من دول إقليمية وازنة تربطنا بها هموم ومصالح مشتركة كتركيا مثلاً، وربما التحاور مع إيران وروسيا للوصول إلى أرضية مشتركة لوقف نزيف الدم في سوريا والعراق واليمن. 
التعليقات (0)