صحافة دولية

ساعتان لـ"نيويورك تايمز" مع دحلان.. هكذا وصفته وهكذا تحدث

نيويورك تايمز: أصبح دحلان مركزا للمؤامرات على مستوى الدول العربية- رويترز
نيويورك تايمز: أصبح دحلان مركزا للمؤامرات على مستوى الدول العربية- رويترز
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقابلة للصحافي بيتر بيكر مع محمد دخلان، في بيته الواسع في أبو ظبي، بمقاعده الفاخرة، وسقفه المقبب، وثرياته، كما تبدو بركة السباحة في الخلف كأنها تندمج مع جدول أبعد منها.

ويقول بيكر إن دحلان، البالغ من العمر 55 عاما، لم يدخل منذ خمسة أعوام المناطق التي ينظر إليها الفلسطينيون على أنها الأراضي التي سيقيمون عليها دولتهم المستقبلية، مستدركا بأن هذا الرجل، الذي كان قويا يوما ما، وتحول إلى مليونير في المنفى، أصبح مركزا للمؤامرات على مستوى الدول العربية، في وقت يسعى فيه الزعماء العرب إلى فرض تغييرات يعارضها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس

وتعلق الصحيفة قائلة إن "الضفة الغربية مع كل يوم يمر تبدو في حرب مع نفسها، حيث يعاني عباس، البالغ من العمر 81 عاما، من مشكلات في القلب، ولم يعين خليفة له، ويهاجم كل من ينظر إليه على أنه مؤيد لدحلان، فهناك حملات اعتقال وتطهير ومظاهرات، بل إطلاق نار أيضا في معركة بالوكالة بين الحرس القديم، الذي يناضل لأجل الشرعية، وقيادة شابة لها تاريخها المتقلب".  

ويورد الكاتب في مقابلته، التي ترجمتها "عربي21"، نقلا عن دحلان قوله عن عباس، مستخدما كنيته: "أنا أعرف أن أبا مازن وغيره خائفون من عودة دحلان.. لماذا هو خائف؟ لأنه يعرف نفسه، ويعرف ماذا فعل على مدى السنوات العشر الأخيرة، ولأنه يعرف أني أعرف".

ويعلق بيكر قائلا إن "دحلان نفسه متهم بممارسة القمع خلال قيادته للأجهزة الأمنية، ويحمله بعض الفلسطينيين مسؤولية خسارة غزة، عندما استولت حركة حماس عليها عام 2007، فيما يراه البعض الآخر أداة في يد إسرائيل، لكنه أصبح المفضل لما يسمى بالرباعية العربية، المؤلفة من مصر والأردن والسعودية والإمارات، التي تضغط على عباس كي يسمح لدحلان بالعودة". 

ويقول الكاتب: "استقبلني دحلان، الذي يتمرن لمدة 90 دقيقة، ويحافظ على لياقته البدنية، بابتسامة عريضة عندما زرته مؤخرا لإجراء مقابلة معه هنا في الإمارات، ورفض ما يقال عنه بأنه كان لا يرحم عندما كان مسؤولا أمنيا، وقال: (هل أبدو خطيرا؟)، لكنه كان لا يرحم في شجبه لمنافسه". 

وتشير الصحيفة إلى قول دحلان إن البطالة مستشرية، والمدارس والمستشفيات في حالة سيئة، والفساد مزدهر، وأضاف أن عباس فشل في إنهاء الاحتلال، ويتزايد حكمه "ديكتاتورية" وإسكاتا للمعارضة، وعلق قائلا: "هذه كلها مؤشرات لنظام يشبه نظام الأسد، أو نظام صدام.. فما قام أبو مازن بفعله هو أنه حول ما تبقى من السلطة إلى آلة أمنية".

ويستدرك بيكر قائلا إن "الزعماء العرب يدركون أن سمعة دحلان وجذوره الغزية تجعلان من الصعوبة عليه كسب تأييد الضفة الغربية، ولهذا فهم يقومون بتسويق ترتيب يقوم على مشاركة السلطة، مثل أن يكون ابن شقيقة الزعيم الراحل ياسر عرفات، ناصر القدوة، هو الرئيس القادم، ويكون دحلان وآخرون جزءا من فريقه القيادي، والاحتمال الآخر هو مروان البرغوثي، الذي يحظى بشعبية كبيرة، والمسجون لدى إسرائيل بتهمة القتل، والذي يقول دحلان إنه يمكن أن يدعمه".

ويقول دحلان في هذا الإطار، في الوقت الذي كان يدخن فيه غليونا صغيرا، ويتنقل في الحديث بين اللغتين العربية والإنجليزية خلال المقابلة التي استمرت لساعتين: "انقل عني: لا أريد الترشح للانتخابات الرئاسية.. هل هذا واضح؟"، لكنه أضاف: "أنا مستعد لأن أكون جزءا في أي فريق، أنا جاهز لأكون جنديا، أنا جاهز لأكون أي شيء، لكن مع وجود رؤية وخطط وقيادة حقيقية".

وتجد الصحيفة أنه "مع ذلك، فإن هذا لا يعني أن القدوة أو شخصية مماثلة ستكون مستعدة لقبول مثل هذه الصفقة، ففي مقابلة منفصلة قال القدوة، الذي عمل في عدة مناصب دبلوماسية، بما في ذلك وزير للخارجية، وعمل حديثا نائبا للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا: (أظن أن احتمال عودته (دحلان) ليس كبيرا، على الأقل في هذه المرحلة.. فعندما تحرق الجسور ربما يكون من الصعب إعادة بنائها". 

ويلفت الكاتب إلى أنه "ليست هناك انتخابات رئاسية الآن للترشح فيها، وحتى الانتخابات البلدية تم تأجيلها، وأملا بأن يخفف من ضغط الرباعية العربية، فإن عباس قام مؤخرا بزيارة بلدان أكثر دعما له، مثل تركيا وقطر، بالإضافة إلى أنه اجتمع بقيادة حركة حماس، متفوقا بذلك على دحلان".

وتنقل الصحيفة عن الزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن، والمؤلف المشارك في السيرة الذاتية لعباس، غرانت روملي، قوله: "يتمتع عباس بقبضة حديدية، لا تترك مجالا أمام أي من منافسيه الآن.. فهو في سنوات الأفول من حكمه، وهو من أكثر السياسيين حنكة في المنطقة، فيما يتعلق بقطع أرجل المعارضين".

وينوه بيكر إلى أن عباس قام في الأسابيع الأخيرة بطرد معارضيه من حركة فتح، واعتقل آخرين، وأعلن يوم الثلاثاء عن عقد مؤتمر الحركة في وقت لاحق من هذا الشهر، في تحرك فسر على أنه محاولة للتخلص من حلفاء دحلان، مشيرا إلى أن هذا التوتر تحول أحيانا إلى عنف، حيث قام مسلحون مجهولون بإطلاق 60 رصاصة على بيت فادي السلامين، الذي ينتقد عباس على صفحته على "فيسبوك"، ويقول السلامين إنه عمل مع دحلان على مبادرة دولية، لكنه ليس من زمرته، ويضيف: "لست جزءا من عمل دحلان في فلسطين"، لافتا إلى أن عباس يدعو أشكال معارضة دحلان كلها.

وتستدرك الصحيفة بأن هذا لا يعني أن دحلان يحظى بدعم الفلسطينيين، لافتة إلى قول المدير التنفيذي للحملة الأمريكية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي يوسف منير، إن دحلان لا يحظى بتأييد في الشارع الفلسطيني، وأضاف: "هذا شخص مشبوه، تريده الحكومات الأجنبية ليقوم بأعمال قذرة بصمت، وكان في العادة مستعدا لذلك".

وتذكر المقابلة أن دحلان ولد في مخيم للاجئين في غزة، وانضم للثورة الفلسطينية عندما كان مراهقا، واعتقل 11 مرة، وتعلم اللغة العبرية خلال قضائه فترة سجن لخمس سنوات، ثم أصبح مسؤول الأمن في غزة، وذكره الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في مذكراته، ووصفه بأنه أكثر المفاوضين الفلسطينية "ميلا للأمام"، ووصفه نائب رئيس مؤسسة "بروكينغز"، والدبلوماسي الذي عمل لكلينتون، مارتين إنديك، قائلا: "لديه كاريزما وذكي ومتلاعب، ويشكل تهديدا واضحا لحرس حركة فتح القديم في رام الله".

وبحسب الكاتب، فإن دحلان قاد قوة من آلاف العناصر في غزة، اتهمت بأنها كانت تعذب المعتقلين، حيث أطلق البعض على غزة "دحلانستان"، لكنه كان في الخارج عندما سيطرت حركة حماس على الأوضاع في غزة، ما جعل البعض يقولون إنه تخلى عن القتال، مشيرا إلى أنه انتقل إلى الضفة الغربية، حيث شغل منصب وزير الداخلية حتى عام 2011، عندما تبادل هو وعباس تهم الفساد، وفر دحلان إلى أبو ظبي.

وتفيد الصحيفة بأن دحلان أصبح مقربا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وساعده في حربه على المعارضة من الإخوان المسلمين، وفي مهمات دبلوماسية، مثل التفاوض على مشروع السد بين مصر وأثيوبيا والسودان، ويقال إن لديه علاقة بناءة مع الإسرائيليين، بما في ذلك وزير الدفاع المتشدد أفيغدور ليبرمان. 

وتورد المقابلة أن المسؤولين الإسرائيليين يرفضون الحديث عن دحلان؛ لعلمهم أن أي تعليقات إيجابية عنه ستفقده مصداقيته بين الفلسطينيين، مستدركة بأن مدير معهد دراسات الأمن القومي، ورئيس المخابرات السابق آموس يالدين، قال إن الحكومة تراقب تحركات دحلان، وأضاف يالدين: "عندما ننظر إلى ما بعد أبي مازن، فإن (دحلان) يبدو خيارا مثيرا، ليس لشخصه، لكن لعلاقاته الجيدة في العالم العربي".

ويقول بيكر: "أخبرني دحلان أنه لم يلتق بليبرمان، ونفى تهم الفساد، لكنه لم ينكر استخدام تكتيك العنف في غزة"، وقال دحلان: "لم أكن رئيسا للصليب الأحمر.. لم يُقتل أحد، ولم يفقد أحد حياته، لكن بالطبع كانت هناك أخطاء"، بالإضافة إلى أنه اعترف بأنه اكتسب أموالا، وقال: "هناك أمران لا أنكرهما، أنني ثري، لن أنكر ذلك أبدا، وأنني قوي، لن أنكر ذلك، ماذا أقول؟ أنا ضعيف، أم أنا لست ثريا؟ أنا فقير وأموت من الجوع؟ لكني أعمل بجد لأحسن مستوى حياتي".

وتكشف الصحيفة عن أن دحلان يستخدم بعض الأموال، التي حصل عليها من رعاته العرب، لتمويل أنشطة خيرية في غزة والضفة الغربية، فبينما كان يتحدث في أبو ظبي كانت زوجته جليلة في غزة تشرف على مشاريع خيرية وزواج جماعي، واستخدم بعض الغزيين هاشتاغ دحلان في رسائل "تويتر"؛ طلبا للمساعدة لأقربائهم المرضى.

ويختم الكاتب مقابلته بالقول إن "دحلان، الأب لأربعة، يصف نفسه بأنه مدمن على العمل، ولا يأخذ إجازات أبدا، أطلعني على حديقته الخلفية، حيث قال إنه لا يقضي أي وقت فيها سوى عندما يطلع ضيوفه عليها، وقال: (أحب الإنجاز.. إنه إدمان بالنسبة لي)".
التعليقات (2)
علاء النجار
الجمعة، 04-11-2016 09:07 م
الوطن هُوَ الاتِجَاهَاتُ الأَربَعَةُ، لِكُلِ مَن يَطلُبُ اتِجَاهاً.
لطفي عودة
الخميس، 03-11-2016 04:05 ص
ذكر يعقوب بيري رئيس الشاباك الأسبق في كتاب له أنه هو الذي طلب من رابين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق الطلب من السلطة الفلسطينية تعيين دحلان قائدا للأمن الوقائي في غزة ، وتعيين الرجوب قائدا للأمن الوقائي في الضفة ، وهو ما تم . والدلالة واضحة . هذا الرجل صناعة إسرائيلية أميركية ، وليس لها أي قبول حتى في غزة ، وكل هذا الضجيج الإعلامي حوله صناعة إسرائيلية أميركية بموافقة الأطراف العربية الخاضعة لإسرائيل وأميركا . مستحيل أن يقبل الشعب الفلسطيني بهذا المنتج الإسرائيلي الأميركي .