ملفات وتقارير

الانتخابات المغربية.. قراءة في النتائج وأفق التحالفات

حصل حزب العدالة والتنمية على أزيد من 30% من مقاعد مجلس النواب- (أرشيفية) عربي21
حصل حزب العدالة والتنمية على أزيد من 30% من مقاعد مجلس النواب- (أرشيفية) عربي21
بوأت نتائج الانتخابات التشريعية المغربية حزب العدالة والتنمية (قائد الحكومة المنتهية ولايتها) المرتبة الأولى بحصوله على أزيد من 30% من مجموع مقاعد مجلس النواب (125 من أصل 395)، فكيف يمكن قراءة هذه النتائج؟ وما تفسير الفارق الكبير بينه وبين باقي الأحزاب؟ وما التحالفات الممكنة؟

ثنائية "البام" و"البيجيدي"

أجمع باحثون مغاربة في تصريحات لصحيفة "عربي21" على أن نتائج الانتخابات التي أعطت حزب الأصالة والمعاصرة (مقرب من السلطة) الرتبة الثانية مسبوقا بالعدالة والتنمية، لم تكن مفاجئة.

وقال حسن طارق أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بمدينة سطات، في تصريح لـ"عربي21"، إن النتائج كانت متوقعة، "لأنها احترمت المؤشر الصلب الوحيد الذي كان لدى المتتبعين وهو آخر انتخابات جماعية"، التي حصل فيها حزب العدالة والتنمية على الرتبة الأولى.

وتابع: "تفريغ نتائج الانتخابات الجماعية في وعاء التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع الخاص بالنتائج الانتخابية يعطي مثل هذه النتائج"، معتبرا أن "الظواهر الجديدة نفسها تتكرس؛ أولها الثنائية بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وهي ثنائية لها آثار مهيكلة وآثار سلبية بالنسبة لباقي الأحزاب".

واعتبر طارق أن تصدر العدالة والتنمية "يعني تكريس نتائج 2015 وسقوط فرضية التصويت العقابي"، موضحا أن ذلك يعني أيضا أن الحصيلة الحكومية لم تكن موضوع نقاش، "أي أن الرهانات السياسية كانت أكبر من البرامج والأرقام والحصيلة".

وتابع أن "بعض الغاضبين من سياسات ابن كيران لم يجدوا بديلا ذي مصداقية في مواجهته برنامجيا فيما يتعلق بالإشكالات الاجتماعية، ناهيك عن أن جزءا من ناخبي العدالة والتنمية صوتوا له مقاومة لما يعتبرونه "تحكما".
 
أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، أحمد مفيد، ذهب في الاتجاه ذاته، إذ اعتبر أن نتائج الانتخابات كانت متوقعة، موضحا أنها "تعكس حجم وقوة التنظيمات السياسية المتنافسة في إطار الانتخابات".

واستطرد في تصريح لصحيفة "عربي21" أن "حزب العدالة والتنمية رغم قيادته الحكومة المنتهية ولايتها، استطاع الحفاظ على تنظيمه وقوته"، معتبرا أن من الأمور التي ساعدته "القدرة التواصلية الكبيرة التي استقطبت آلاف الناخبين عبر موقعه الإلكتروني ومواقع والتواصل الاجتماعي، ناهيك عن قدرات ابن كيران التواصلية".

وقال إن قوة حزب العدالة والتنمية "نتيجة منطقية لضعف الفرقاء السياسيين الآخرين الذين لم يستطيعوا أن يقدموا بدائل. فانتقاد أحزاب المعارضة كان يركز على شخصنة عبد الإله بن كيران وهذا ما أعطى الرجل قوة".

وبين مفيد أن نتائج الانتخابات الجماعية ساعدت حزب العدالة والتنمية، الذي يسير أغلب جماعات المدن الكبرى، نظرا لأن الجماعة تقوم بخدمات القرب وتعطى المستشار هامشا للتواصل مع المواطنين.

واعتبر الباحث في العلوم السياسية أن النتائج التي حصل عليها حزب الأصالة والمعاصرة (103 مقاعد)، تشكل تطبيعا له مع الممارسة السياسية وتجعله يتجاوز مرحلة الولادة التي رافقتها مجموعة من الأسئلة، "يمكن القول إنه نجح في تجاوز مرحلة مخلفات التأسيس، حيث استقطب مجموعة من الأعيان والكفاءات، إذ انتقل من المرحلة الرابعة في انتخابات 2011 إلى المرتبة الثانية في الانتخابات الحالية".

الخاسرون الكبار

كشفت نتائج الانتخابات الحالية أن أربعة أحزاب مغربية فقدت عددا من مقاعدها، مقارنة بالمقاعد التي حصلت عليها في انتخابات 2011، وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي ثم حزب التجمع الوطني للأحرار متبوعا بحزب الاستقلال فحزب التقدم والاشتراكية.

وكان حزب الاتحاد الاشتراكي حصد في انتخابات 2011، 39 مقعدا، في حين لم يحصل اليوم إلا على 20 مقعدا، فاقدا 19 مقعدا، فيما فقد حزب التجمع الوطني للأحرار 15 مقعدا مقارنة بتشريعيات 2011. أما حزب الاستقلال الذي حصد 60 مقعدا في انتخابات 2011 فلم يحصل في الانتخابات الحالية سوى على 46 مقعدا، وخسر حزب التقدم والاشتراكية (شارك في حكومة ابن كيران) 14 مقعدا مقارنة بنتائج 2011.

وأوضح الباحث في العلوم السياسية حسن طارق أن "فكرة التصويت النافع أمام وجود خطابين سياسيين متقاطبين (العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة) دفع بعض الناخبين إلى اختيار التصويت النافع لأحد هذين الحزبين وهو ما يفسر الهوة بين باقي الأحزاب والتراجع الانتخابي لكل من الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية".

بدوره اعتبر محمد شقير الأستاذ الباحث في العلوم لسياسية أن تراجع حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي شكل مفاجأة، و"أعتقد أن انسحابه (حزب الاستقلال) من الحكومة وعدم خضوعه لمربع القصر الملكي خلق مشاكل للحزب وساهم في تراجعه، هذا الوضع لعب فيه حميد شباط (الأمين العام للحزب) دورا كبيرا كما أثر لشكر (الكاتب الأول للاتحاد الاشتراطي) سلبا في حزبه".

وتابع أن "التقاطب بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة يفسر تراجع باقي الأحزاب كالاستقلال والاتحاد الاشتراكي ما أدى إلى استفادة الحزبين الكبيرين".

تراجع أحزاب اليسار "يطرح تساؤلات حول برنامج اليسار وخطابه وقدرته على التواصل والتعبئة والتأطير وطرح بدائل بغض النظر عن الإشكالات المطروحة لدى كل من الحزبين (التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي) في مؤتمراتهما الأخيرة"، يقول الباحث أحمد مفيد.

أفق التحالفات

اعتبر الباحث حسن طارق أنه لا يمكن الحديث في المغرب عن أزمة تحالفات، لأن "طبيعة النظام الانتخابي تعطي مثل هذه النتائج.. التحالف سيكون طبيعيا وسلسا .. إمكانية الحديث المفتعل عن الأزمة في التحالف ستعني في العمق أزمة لنمط الاقتراع والنظام الانتخابي، ولا يمكن أن نقول بأن هناك أزمة تحالفات ونحن نعرف أن جزءا من السياسة الانتخابية والحزبية مبني على هذا النمط".

واستطرد: "الذين سيدفعون في اتجاه أزمة تحالف سيدفعون في الوقت نفسه في اتجاه طرح قضية تعديل نمط الاقتراع، ولا يمكن أن تغامر الدولة في هذا الأمر"، عكس محمد شقير الذي رأى بأن المفاوضات ستكون عسيرة "لكن لن تصل إلى أزمة".

وتابع شقير: "سيعمل حزب العدالة والتنمية على استمالة الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية لتشكيل حكومة لن تختلف عن سابقتها.. لأن القصر سيلعب دورا كبيرا في اقتراح وزراء تكنقراط وستتكون تشكيلة لأن الخريطة وضعت لها ثوابتها قبل الانتخابات".

من جهته استبعد الباحث أحمد مفيد الحديث عن أزمة ورئيس الحكومة لم يعينه الملك بعد، "لن يكون هناك استثناء أو خط أحمر فيما يتعلق بالتشاورات حتى بين حزبي العدالة والتنمية وبين الأصالة والمعاصرة".
التعليقات (0)