قضايا وآراء

القضية 174 لسنة 2015 غرب عسكرية.. الإعدام على الهوية

وليد شرابي
1300x600
1300x600
في البداية، فإن هذا المقال ليس للدفاع عن أي متهم، فأنا من أنصار خضوع كل متهم إلى محاكمة عادلة مهما كان انتماؤه الأيديولوجي أو السياسي، ولكن نظرا للحالة المؤسفة التي انحدرت إليها العدالة في مصر، ما أدى إلى إزهاق أرواح أبرياء وإفلات مجرمين من العقاب، كان من الواجب توضيح عدة حقائق لبعض ما يجري من ظلم على المصريين تحت مظلة العدالة!

كارثة تمر بكل مدني إذا ما أجبرته السلطة العسكرية التي تتحكم في مصر أن يحاكم أمام القضاء العسكري، ذلك لأن القاضي الذي سينظر في قضيته هو ضابط يحمل رتبة عسكرية، ومن ثم فهو حريص على إرضاء قادته وتنفيذ أوامرهم، سواء طمعا في الحصول على الترقية العسكرية القادمة، أو رهبة من التنكيل الذي قد يصيبه بسبب غضب قادته من حكم عادل قد يصدره!

منذ أيام قليلة صدّق صدقي صبحي، وزير الدفاع في سلطة الانقلاب، على الحكم بإعدام ثمانية مدنيين، فالأمر أكثر جنونا وخروجا عن كل قواعد العقل والقانون، لأن ما نسبه القضاء العسكري للمتهمين لم يحو ثمة جريمة يعاقب عليها القانون.

فطبقا لنص البيان الذي صدر عن الموقع الرسمي لوزارة الدفاع فور القبض على المتهمين في القضية 174 لسنة 2015 غرب عسكرية، فإن "الأجهزة الأمنية نجحت في توجيه ضربة استباقية للعناصر الإرهابية التي تستهدف النيل من مقدرات البلاد في الداخل والخارج، وتهديد الاقتصاد والأمن القومي، واستهداف الشخصيات المهمة في الدولة". وإذا ما افترضنا صحة ما جاء في بيان وزارة الدفاع، وأردنا توضيح ما إذا كانت هذه الأفعال تشكل جريمة أم لا، يجب أن نفرق بين أمرين: 

الأمر الأول، هو الأعمال التحضيرية للجريمة، والأمر الثاني هو الشروع في ارتكاب الجريمة.

فقد أشارت المادة 45/2 من قانون العقوبات إلى هذا الفارق بين الأمرين حين نصت على: "... ولا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضيرية لذلك". فالأعمال التحضيرية هي حالة نفسية تسيطر على الجاني وتجعله مصمما على ارتكاب الجريمة، وقد تصاحب هذه الحالة بعض الأفعال المادية التي تشير إلى اتجاه نية الجاني إلى ارتكاب الفعل الإجرامي.

إذاً مجرد العزم على ارتكاب الجريمة هو أمر غير معاقب عليه قانونا، حتى وإن صاحب ذلك أفعالا مادية ترتبط بتنفيذ جريمة ما.

ومثال ذلك أن يقوم لص بنسخ مفاتيح باب مسكن لسرقته، إلا أنه لم يتوجه للمسكن ولم يسرقه، وهنا مجرد نسخ المفاتيح يعد عملا تحضيريا لا عقاب عليه.

أما الشروع ففيه ينتقل الجاني من مرحلة العزم على ارتكاب الجريمة إلى مرحلة تنفيذ جريمته بالفعل، حتى وإن كان قصده من الجريمة لم يتحقق لأي سبب من الأسباب.

ومثال ذلك أيضا أن اللص قد نسخ مفاتيح باب المسكن لسرقته وتوجه بالفعل للمسكن، إلا أن شيئا ما قد طرأ، كأن يقوم الحارس أو سكان المنزل بإلقاء القبض على اللص أثناء أو بعد دخوله المسكن، ففي هذه الحالة يعد الفعل شروعا في ارتكاب الجريمة ويعاقب فاعله.

وإذا ما عدنا إلى نص البيان الذي عرضه الموقع الرسمي لوزارة الدفاع، نجد أن أهم ما جاء فيه أن "الأجهزة الأمنية نجحت في توجيه ضربة استباقية للعناصر الإرهابية التي تستهدف النيل من مقدرات البلاد في الداخل والخارج... إلخ".

فبفرض صحة كل هذه العبارات المطاطية التي جاءت تنسب للمتهمن هذه الاتهامات، فإن هذه "الضربة الاستباقية" التي تحدث عنها البيان تعني أننا أمام مجرد أعمال تحضيرية لارتكاب جريمة أو جرائم، ولم ترق إلى مرحلة الشروع في الجريمة، ومن ثم كان يتعين على المحكمة، إن كانت تحكم بالقانون وبصورة مجردة، أن تقضي ببراءة المتهمين.

ولكن هذا هو حال القضاء العسكري الذي لا هم لقضاته سوى إطاعة الأوامر، حتى وإن وصل الأمر إلى إعدام الأبرياء على هويتهم السياسية التي لا تروق إلى السلطة العسكرية الحاكمة.

بالقطع أنا لا أعمم على كل القضاة العسكريين، فالرجاء في الضمير الذي يسكن وجدان كل شريف لا ينقطع، وما زال للمتهمين أمل في الحياة أمام قضاء النقض العسكري، فلعله يخرج من بين هؤلاء شريف يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وينتصر لأرواح قد تزهق ظلما، بسبب سلطة عسكرية لا تفكر إلا في كيفية التخلص من معارضيها إما بدم بارد أو على أعواد المشانق أو غياهب السجون.
التعليقات (1)
واحد من الناس
الأربعاء، 05-10-2016 06:22 م
مقال جيد في بدايته لكن ختامه غير موفق..تقول إنك لا تعمم كلامك على كل القضاة العسكريين حيث أن بعضهم شرفاء!! وهل وجد القضاء العسكري والمدني إلا للتنكيل بمعارضي النظام في كل فتراته .هل نسيت مئات الأحكام التي صدرت قريبا من المدني والعسكري..إن فلسفة الحكم في مصر هي :اضرب المربوط يخاف السايبوأهم شيء عندهم يكون المربوط "مقدور عليه"