كتاب عربي 21

غرق المركب أم غرق الحكومة في مصر

مصطفى محمود شاهين
1300x600
1300x600
مركب رشيد الغارق في مصر كاشف وبجلاء عن قضايا في غاية الأهمية في الاقتصاد المصري، ففي حادث المركب يبدو أن المصريين موعودون بصدمات مقبلة سيتلقونها جيلا بعد جيل نتيجة الفشل الاقتصادي المزمن الذي أصبح عاجزا عن تلبية حاجات المواطنين الأساسية، فلم يعد هناك أي أفق للناس لحل أزماتها وأخذت الأزمات تتفاقم وتزداد حدتها بشدة، وكعادة مصرية قديمة متأصلة منذ عصور طويلة أن نرضى بالظلم ولا نقاومه فأصبحت ترضخ له وتسايره ونتتكيف معه بكل السبل
وغرق هذا المركب المسمى "موكب الرسول" عكس عدة حقائق كاشفة لمحنة الاقتصاد المصري.

إن العديد من الأسر ذهبت كاملة بأولادها، الزوج والزوجة والأولاد رغم ذلك من مخاطر مركب الصيد غير المؤهل لعبور البحار أو المحيطات لافتقاده كافة عناصر السلامة والأمان ، فقد أبلغت إحدى الأمهات وكالات الأنباء وهي تبكي ابنها الذي غرق ومعه زوجته وأبناؤه الثلاثة "أنا اللي رحت ومضيت على الشيكات حتى يسافر، ولم أقدر على منعه بعد أن عجز عن توفير مصاريف أسرته منذ أكثر من سنة، فهو يعمل نقاشاً والحال واقف، وقال لي يا أمي أنا كده كده ميت، خليني أجرب السكة دي وخفت على زعله".

فكما يبدو أمامنا أن هناك انسداد في الأفق الاقتصادي لدى المواطنين فلم يعد هناك أي أمل أن يجد فرصة عمل فرب الأسرة أصبح عاجزا عن توفير الحد الأدنى لقوام الأسرة ، فهذا العامل حال الكساد بينه وبين عمله، فالناس ترغب وتبحث عن العمل ولكنها لا تجد الفرص المناسبة، وكثيرا ما تضرب الأمثلة في الإعلام المصري الحكومي عن الفارق بين الشعب السوري المقيم في مصر وبين المصريين واتهام المصريين بأنهم كسالي، والواقع أن المهجرين السوريين كانوا أصحاب أنشطة تجارية وصناعية من قبل، وانتقلوا بأنشطتهم وتجارتهم وخبراتهم إلى مصر، فقاموا بفتح مصانعهم السابقة في مصر، فالمقارنة ظالمة وفى غير محلها.

وقد قام المعهد الأوروبي للهجرة مؤخرا بمسح للمهاجرين المصريين واستطلع آراءهم فتبين أن 70% منهم بحثوا عن عمل في مصر ولم يجدوا على الإطلاق وأن 25 % قد تم الاستغناء عنهم من أعمالهم بعد ثورة يناير وان 33 % قد أجبروا على أخذ إجازات إجبارية وغير مدفوعة الأجر.

فالاقتصاد المصري أصبح عاجزا عن أن يولد فرص عمل جديدة مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة إلى ما هو أكثر من 40 % بين فئة الشباب كما صرحت بذلك مجلة الايكنومست، والبطالة هر عرض لمرض اقتصادى اكبر متمثل في مشاريع التنمية التي عجزت عن استيعاب قوة العمل الجديدة.

الأمر اللافت للانتباه هنا هو إقبال القصر على الهجرة إلى الخارج وهم من دون 18 عاما، فأغلبهم في سن لا يميز على الإطلاق، فوفق ما نشره موقع "HuffPost" فإن مسؤول الشرطة محمد سعيد، نائب مأمور مركز رشيد، أكد بأن" 90% من ضحايا المركب من المصريين أطفال لا تتجاوز أعمارهم 16 عاما، وهو ما تطابق مع روايات أهالي الضحايا الموجودين عن أعمار ذويهم، حيث أكدوا أن هجرة الأطفال منتشرة بكثافة لسهولة حصولهم على أوراق إقامة مؤقتة داخل إيطاليا".

لكن ما كان يخطر ببال أحد من المتابعين للشأن الاقتصادي المصري أن يصل بنا الحال إلى وضع يقوم الآباء بالاستغناء عن فريضة التعليم  ويرسلوا أطفالهم إلى الخارج طمعا في تحويل أموال إليهم لتأثيث بيت جديد أو شراء أراضى جديدة أو مساعدة عائل الأسرة في النفقات والمصاريف.

إن برنامج الحكومة الذي يسير على هدى صندوق النقد الدولي هو الذي أجج الصراع الطبقي في مصر، حيث إن إفقار الفقراء وزيادة ثراء الأغنياء وعدم عدالة توزيع الدخل هو الذي أودى بالمصريين إلى المهالك، فالمجتمع بسياسات رفع الدعم وغلاء الأسعار تفقر الفقير وتؤدى إلى انهيار الطبقة الوسطى وتأكلها هو الذي يزيد الغليان في مصر والحكومة تعلم كافة أسباب الظاهرة ولكنها تريد أن تتركها بلا حل ولذا فان الحل الآن بيد هذا الشعب فعليه أن يشكل قوى اقتصادية تردع الحكومة وأقلها الإضرابات حتى تنزع حقها في العيش الكريم.
0
التعليقات (0)