مقالات مختارة

العدو الأكثر خطورة

سمير عطالله
1300x600
1300x600
كان الكاتب الراحل لو شون (LU XON) (1881 – 1936) من أشهر خبراء الشؤون الصينية، لكنه اكتشف ذات يوم أنه برغم كل ما يعرف، فإنه في متاهة تشبه تماما متاهة الأنظمة العربية. إليكم ما كتب هذا العبقري:

«في سالف الزمان، كان هناك بلد نجح حكامه في سحق الشعب سحقا تاما، ومع ذلك، ظلوا يعتقدون أن الشعب هو أخطر أعدائهم، وقد أصدر الحكام عددا كبيرا من مجلدات القوانين، لكن لم يكن من الممكن اللجوء إلى أي منها؛ لأنه من أجل تفسيرها كان لا بد من اللجوء إلى تعليمات لم يطلع عليها الناس أبدا؛ مثلاً، كلمة (تحرر)، تعني في الحقيقة الإعدام. و(مسؤول حكومي) تعني صديقا أو قريبا أو خادم أحد النافذين، وما إلى ذلك. وأصدر الحكام أيضا تنظيمات في غاية الحداثة وحسن الصياغة، لكن في بداية كل مجلد، كان هناك صفحة بيضاء لا يعرف أحد رموزها سوى الذين يعرفون التعليمات غير المدوّنة، وأول البنود الثلاثة من هذه التعليمات غير المرئية هي كالتالي:

البند الأول: بعض القضايا يجب أن تُعامل في ليونة خاصة؛ البند الثاني: بعض القضايا يجب أن تُعامل في شدة قصوى. البند الثالث: لا ينطبق هذا وذاك في جميع الحالات».

منذ الأباطرة، وإلى ما بعد وفاة ماو، كان على الصيني أن يستقرئ، لا أن يقرأ. أن يعرف لماذا تغفل الدولة ذكرى مهمة، ولماذا تحتفل بذكرى مهمة. وعليه أن يفسر معاني الألوان في عناوين صحيفة «الشعب». وأن يحلل الصور ومواقع المسؤولين في الصفوف. إلا أن ذلك كله لم يكن كافيا للنجاة بالنفس إذا وقع غضب النافذين أو الحزبيين على أحد.

وكان أعضاء الحزب الشيوعي معفيين من الإحالة إلى المحاكم. أما الحقيقة الأخرى، فإنه إذا أحيل أحدهم إلى المحاكمة، فهذا يعني سلفا أنه مدان. والفارق بين النازية والفاشية والشيوعية، هو أن الأوليين وصلتا إلى السلطة بالانتخاب، بصرف النظر عن المصير الذي آلت إليه الديمقراطية في ظلّهما.

اختارت الأنظمة العربية مزيجا من الثلاثة، علامته الأولى غياب القانون. وإذا ما حضر، فإن له مفسرا واحدا. وقد فتح الحزب الشيوعي الصيني أرشيفه مؤخرا أمام البحاثة والعامة. ولم يعد أحد في حاجة إلى التكهّن والتحليل، مع أن الوثائق المكشوفة لا تشكل جزءا أساسيا من الحياة في ظل ماو.

أما الأنظمة العربية، فلم تترك وثائق تُكشَف ذات يوم، إلا التقارير المزورة التي تدين معارضيها. لم يقلدوا الأحزاب الشيوعية في ذلك، وتجاوزوها في اعتبار الشعب هو العدو الأكثر خطورة.

الشرق الأوسط اللندنية
0
التعليقات (0)