قضايا وآراء

عسكر مصر وصناعة الفتن

شريف منصور
1300x600
1300x600
في يوليو 1954 كلف وزير الدفاع الصهيوني آنذاك "بنحاس لافون" مجموعة من الجواسيس بعمل تفجيرين في القاهرة فيما عُرف "بقضية لافون"، وفشلت العملية فشلا ذريعا، وتم القبض على المجموعة ومحاكمتهم وإعدام اثنين منهم وسجن الباقين، وبعدها تم عزل لافون من منصبه وكل المسؤولين عن العملية، وأظهرت وثائق الموساد بعد ذلك أن الغرض من هذه العملية هو إلصاقها بالإخوان المسلمين، وقبل هذه العملية بأربعة أشهر وتحديدا في مارس 1954 وقعت 6 تفجيرات في الجامعة، وسكة حديد القاهرة، ومحل جروبي، وكما جاء في مذكرات خالد محيي الدين وعبد اللطيف البغدادي، عضوا مجلس قيادة انقلاب يوليو، أن عبد الناصر أبلغهما أنه هو الذي دبر تلك التفجيرات الستة لإثارة مخاوف الناس من الاندفاع في طريق الديمقراطية، والإيحاء بأن الأمن سيهتز، وأن الفوضى ستسود إذا مضوا في طريق الديمقراطية.

 واعترف عبد الناصر، أيضا، بأنه هو الذي دبر إضراب العمال الشهير في مارس 1954 وكلفه 4 آلاف جنيه من جيبه الخاص، وفي ذلك يقول الكاتب الراحل محمد جلال كشك في كتابه "كلمتي للمغفلين": (تشابه غريب في مشاغل القيادتين المصرية والإسرائيلية، كلاهما يزرع القنابل في القاهرة مع فارق أن المدبر الإسرائيلي عوقب بالطرد من الحياة السياسية الإسرائيلية والمنفذين لقوا حتفهم في سجون مصر، أما الفاعل المصري "يقصد عبد الناصر" سيقام له حزب في مصر اقترح أن يسمي "حزب البلبلة")!!

تشابه غريب بين الصهاينة والعسكر في موضوع إثارة الفتن لإرهاب الناس وتخويفهم وتشتيتهم وتمزيقهم.

من المعروف، ووفق كثير من المؤرخين، أن عصور ما قبل انقلاب يوليو 1952 كانت خالية تقريبا من الأحداث الطائفية اللهم إلا أحداثا فردية عفوية وغير مرتبة، وكانت الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في أوجها منذ إندلاع ثورة 1919.

ويذهب بعض الأقباط إلى أن الأحداث الطائفية بدأت على نطاق ضيق في الخمسينيات والستينيات، وبلغت ذروتها في عهد السادات مع أحداث الخانكة في يونيو 1972، وأحداث الزاوية الحمراء عام 1981، واستمرت في عهد مبارك إلى الآن. وبعد سقوط حسني مبارك في فبراير 2011 ظهرت الكثير من الوثائق التي أكدت ضلوع نظام حسني مبارك بدور كبير في إشعال نار الصراعات الطائفية في مصر لتشتيت المجتمع وإضعافه، ومنها مسؤولية حبيب العادلي، وزير داخلية مبارك، عن تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ...

في فبراير 2011، وبعد تنحي مبارك نشرت صفحة "خالد سعيد" وثيقة خطيرة حصل عليها ثوار 25 يناير من مقر مباحث أمن الدولة بالشرقية تُبين الدور القذر الذي قام به هذا الجهاز لبث الفرقة والفتنة بين طوائف المجتمع المصري إبان حكم حسني مبارك، وتتحدث الوثيقة عن توافر معلومات لدى الأمن عما سمتها خطة جماعة الإخوان المسلمين للتقريب بين التيار السلفي والجماعة، وتجنب الخلافات والتشاحن بينهما، ومد جسور التواصل بين الجماعة وجميع طوائف المجتمع، وتطلب الوثيقة في مواجهة تلك الخطة أن يقوم جهاز مباحث أمن الدولة بإزكاء حدة الخلاف بين التيار السلفي والإخوان عن طريق القيادات السلفية الدعوية بدعوى تحصين أتباعهم من الانزلاق عن المنهج الصحيح.

وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، قام العسكر بإشعال نار الفتنة والفرقة والخلاف بين شركاء الثورة من كل الحركات والتيارات والقوى التي شاركت في هذه الثورة، وكان للمجلس العسكري ومخابراته الحربية بقيادة السيسي دور كبير في هذه الفتنة التي أدت فى النهاية إلى مشهد 30 يونيو وماتبعه من انقلاب عسكري دموي على إرادة الشعب المصري بمساعدة نخب منحطة باعت ضميرها ومبادئها. وقسم العسكر الشعب المصري وأضعفه وأنهكه "إنتو شعب واحنا شعب"، "تسلم الأيادي" وغيرها ..

ويقوم العسكر الآن بإشعال نار الفتنة الطائفية والاحتراب الأهلي بدعمهم الخبيث واللامحدود للكنيسة عبر قيادات كنسية غبية متواطئة لاتدرك تبعات ما تقوم به على المدى الطويل في بلد أكثر من 94 % منه مسلمون، في هدف واضح من العسكر لإثارة الفتنة الطائفية والإحتراب الأهلي في المجتمع ليضعف أكثر وأكثر، ولا يكون قادرا علي الثورة في وجه العسكر وداعميهم من الغرب والصهاينة..

كشف النائب محمد العمدة على صفحته أبعاد مؤامرة جديدة يقوم بها العسكر وداعميه من الصهاينة والغرب، حيث نشر النائب على صفحته الشخصية فيديوهات لمؤتمر عُقد في باريس في مايو 2015 حضره محمد علاء أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، مع المتطرف القبطي ومحامي الكنيسة الأرثوذكسية، نجيب جبرائيل، بحضور عدد من المنصرين وكارهي الإسلام برعاية البرلمان الفرنسي، حيث تحدث علاء أبو العزايم عن أن الصوفية هي أقرب المسلمين للمسيحيين، وتجلى هذا القرب عندما شعر الطرفان بالخطر المحدق من الإسلاميين عليهما فكونوا الرابطة المصرية "مسلمون ومسيحيون لبناء مصر"، لأن الإسلاميين والسلفيين والإخوان المسلمين قاموا بالاعتداء على الكنائس المسيحية، وقام هذا التحالف بدعم المرشح أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة ضد مرسي، ثم أيدوا عبد الفتاح السيسي في جميع مطالبه في 30 يونيو حتى الآن، وقال إن الصوفية هي عنصر أمن واستقرار المجتمعات فلم يخرج من عباءتهم إرهابي أو متطرف. وأكد نجيب جبرائيل على كلام أبو العزايم، وطالب العالم باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية..

هذا المؤتمر، باختصار، معناه أن هناك ترتيبات غربية تتم بالتعاون مع الصوفية والمسيحيين وخصوصا أقباط المهجر برعاية العسكر لجعل الصوفية هي المذهب الوحيد الذي يعبر عن الإسلام الصحيح، وما عداها من حركات إسلامية هم متطرفون وإرهابيون، وفي هذا الإطار نستطيع فهم السياقات التي من أجلها تم عقد مؤتمر جروزني في الشيشان، وهذه فتنة جديدة في الطريق لتمزيق ماتبقى من المجتمع المصري والمنطقة كلها.

إن العسكر وداعميهم في واشنطن وتل أبيب يحرصون كل الحرص على إثارة جميع أنواع الفتن بين مكونات المجتمع المصري بين المسلمين والمسيحيين، والإخوان المسلمون والسلفيين، والإخوان والسلفيين من جهة، والصوفيين من جهة أخرى، وبين القوى والحركات والتيارات الحية في المجتمع، وبين الشيعة والسنة وغيرهم، من أجل تمزيق المجتمع وإضعافه وتشتيته، فلا يقوى على القيام بأي ثورة تهدد الحكم العسكري ومصالح داعميه في واشنطن وتل أبيب، والحل الوحيد هو إدراك كل هذه المكونات لإبعاد هذا المخطط وإعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أخرى لإفساد كل هذه المخططات، وإنقاذ مصر والمنطقة بأسرها من أتون محرقة ستأتي على الأخضر واليابس.
التعليقات (0)