مقالات مختارة

فلسطين - لبنان: لا تُزوِّر... أَجِّلْ فقط الانتخابات

جهاد الزين
1300x600
1300x600
ليس تزوير الانتخابات النيابية والبلدية هو الإرث الوحيد لبعض أنظمة التسلّط، وإنما هناك إرث تأجيل الانتخابات. تختلف ممارسة هذا النظام أو ذاك بين إحدى المدرستين: التزوير أو التأجيل حسب ظروف كل بلد وطبيعة تكوين كل سلطة من السلطات: الوحشيةُ التسلُّطِ حيث القاعدة لا انتخابات أصلا، الحادةُ التسلُّطِ حيث القاعدة تزوير الانتخابات، المعتدلةُ التسلّطِ حيث القاعدة تأجيل الانتخابات.

يدفع إلى فتح هذا الموضوع القرار الأخير أمس الأول لـ"محكمة العدل الفلسطينية العليا" في رام الله بالتأجيل المؤقت للانتخابات البلدية، التي كانت مقررة في الضفة الغربية وقطاع غزة في الثامن من تشرين الأول المقبل.

حسب مقال الزميل معتصم حماد في "قضايا النهار" أمس الأول والمطّلِع الجاد عادة على ما يجري بين الفصائل الفلسطينية، فإن التأجيل تمّ إخراجه بعد سلسلة "نصائح" حملها "موفد عربي" إلى الرئيس محمود عباس.

بين الحالات العربية التي نوقِشَتْ أو نُفِّذَتْ فيها"الحكمة" التأجيلية (في ما تبقى من البلدان بعد انهيار العراق وسوريا واليمن وليبيا)، حالتان ممكن استعادتهما بالإضافة إلى النموذج الفلسطيني الحالي للنقاش حول التأجيل أو عدمه.

هناك الانتخابات الجزائرية الشهيرة، والفاصلة في التاريخ العربي الحديث، التي جرت في الجزائر عام 1991 والتي أسفرت عن أول فوز - اختراق للتيار الإسلامي الأصولي في الوضع العربي، الفوز الذي حقّقته الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية وقامت السلطة السياسية العسكرية بإلغاء نتائجه؛ مما فتح البلاد على حرب أهلية استمرت أكثر من عقد وحسمها الجيش الجزائري بالنتيجة لصالحه.

بعد حصول هذه التطورات بقليل، كان الرئيس المصري حسني مبارك في لقاء مع أحد الصحفيين المصريين البارزين حين سأله الصحفي عن رأيه في ما يحصل في الجزائر، فأجابه الرئيس مبارك الجواب البليغ التالي: هم أتوا بوجع الرأس لأنفسهم، أي السلطة الجزائرية، هذه الانتخابات كان يجب ألا تحصل بالأساس. كانوا وفّروا علينا وعليهم!

بهذا الجواب قفز مبارك يومها عن السجال الدائر هل فاز الإسلاميون فعلا أم لم يفوزوا إلى دائرة أخرى مختلفة تماما، وهي استنساب عدم إجراء الانتخابات من أصلها. هذه مدرسة في السياسة العربية. كاد مبارك يقول للشاذلي بن جديد الرئيس الجزائري يومها: يا ساذج لماذا سمحتَ بالانتخابات أصلا.

النموذج الثاني لبناني. وهو التمديد الذاتي لمجلس النواب عام 2013 بعد انتهاء ولايته التي بدأت عام 2009، ثم التمديد لنفسه مرة ثانية عام 2014 حتى عام 2017، وكان هذا هو الشكل اللبناني لتأجيل الانتخابات.

لكن في لبنان حصل التأجيل لا لأن أي انتخابات جديدة يمكن أن تغيِّر في النظام السياسي، وهو نظام قوي جدا، وإنما لأن القوى السياسية النافذة ارتأت أن تخدم بعضها البعض؛ بتجديد الستاتيكو الذي يناسبها جميعا: "تيار المستقبل" البادئة صعوباته المالية، "القوات اللبنانية" غير المطمئنة يومها إلى نتائج تنافس جديد مع التيار العوني، كذلك "الكتائب". أما القوتان الشيعيتان "حزب الله" و"أمل"، وإن كانتا الأكثر اطمئنانا لقدرتهما على تجديد سهل لقوتيهما النيابيتين بسبب سيطرتهما الأمنية الشعبية السياسية شبه المحْكَمة على الوضع الشيعي، غير أنهما فضّلتا تجنبَ كِلفِ ومتاعب انتخابات جديدة والدخول في صفقة مع القوتين السنية والمارونية. ينطبق الأمر نفسه على الحالة الدرزية.

هكذا حصل التأجيل تحت شعار الظروف الأمنية الاستثنائية، وكانت خدعة مكشوفة مررتها الطبقةُ السياسية بسهولة عبر تعبئة مدروسة، مع أن بلدة طرفية واحدة في كل لبنان كانت في حالة أمنية استثنائية هي بلدة عرسال وليس أي مكان آخر. والطريف أن هذه البلدة نفسها جرت فيها الانتخابات البلدية هذا العام رغم التوتر الأمني ومن دون مشاكل تُذكر.

لكن إذا كان التمديد للمجلس النيابي عبّر أكثر عن عوامل داخلية ترضي حاجات وظروف القوى المحلية، ولم يكن للقوتين الإقليميتين غير المفتونتين بالانتخابات، أي مانع في تجديد ستاتيكو. لاحقا صار من الصعب بل من شبه المستحيل تجديده عام 2017، وبالتالي لا يمكن تأجيل الانتخابات النيابية ماعدا في حالة واحدة صارخة هي الانفجار الدراماتيكي الكامل للوضع الداخلي. وهو أمر ليس بمقدور القوى المحلية، جميع القوى المحلية مهما علا شأنها رغم أن قوة النظام السياسي، وبالتالي فجاجته، يمكن أن ننتظر منها ما لا يُنتَظر.

في الانتخابات الرئاسية ورغم فداحة المخالفة الدستورية، من الصعب تكبير حجم القوى المحلية وتحميلها مسؤولية الفراغ الرئاسي (غير الميثاقي طبعا)؛ لأن الأمر ليس في يدها بل هو خارجي. وليست في وضع وطني يمكن مطالبتها بوقف هذا الانتهاك الدستوري. هي لا تستحي بذلك. أقصد قوى التعطيل على الجهتين.

في فلسطين خوف السلطة الوطنية من اختراقات كبيرة لـ"حماس" تُغَيِّر المشهد السياسي، خوف أكيد. لكن "حماس" ليست مرجعا للممارسة الديموقراطية، فهي تقفل على مناطقها في قطاع غزة وتُحَوِّلُها، كما هي عمليا إلى دويلة، أمر واقع في المعادلات الإقليمية وتلعب في ملعب الضفة الغربية ضد خصمها... "فتح" - السلطة وما آلتا إليه.

دعونا نلاحظ في معرض التعليق على النماذج الثلاثة، كم أصبحت مسألة الانتخابات في بلداننا متصلة مباشرة بمسار حروب أهلية باردة تحيطها حول كل بلد حروب أهلية ساخنة.

الانتخابات في مجتمعات قلقة بل خائفة هي الاسم الآخر للحرب الأهلية. حتى في فلسطين حيث الخطر الاستيطاني الإسرائيلي.

النهار اللبنانية
0
التعليقات (0)