مقالات مختارة

إصلاح السياسة قبل الاقتصاد

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
أهم رسالة موجهة إلى الداخل المصري في الوقت الراهن، هي أن البلد مقبل على مرحلة صعبة، تفرض على السلطة اتخاذ عدة إجراءات اقتصادية قاسية، وتستدعي من المواطنين تفهما وتجاوبا وصبرا. الخبر ليس جديدا، لأن الناس يعيشون الأزمة الاقتصادية بمختلف تجلياتها، لكن الجديد هو الجهر بحقيقتها بعد استحكامها وبلوغها مرحلة الخطر. وليس سرا أن السلطة المصرية ظلت معلقة الأبصار بالخارج طوال السنوات الأخيرة، ولأن صبر الخارج كاد يضيق بحمل العبء، خصوصا بعد تراجع أسعار النفط، فلم يكن هناك مفر من مخاطبة الداخل بتلك اللغة التي لمسناها في تصريحات المسؤولين أخيرا. ولأن عطاء الخارج كان ولا يزال يتمثل في مساعدات الدول النفطية، إلى جانب المنظمات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن اليد العليا أصبحت من نصيب تلك الجهات. وأن مصر المأزومة صارت صاحبة اليد السفلى. ويعذر الطرف الأول (الأقوى) إن هو فرض شروطه، أما الطرف الثاني (المضطر) فيفهم موقفه إذا ما كان غاية مراده أن يحافظ على ورقة التوت التي تستر عورته، متمنيا أن يبقي لنفسه على الحد الأدنى من الكرامة. أما الطرف الثالث المتمثل في المجتمع المصري فإنه وحده الذي سيدفع الثمن في نهاية المطاف.

لدى حزمة من الملاحظات في هذا الصدد، بعضها يتعلق بخطاب السلطة والبعض الآخر يخص أداءها. إذ ليس دقيقا ولا مستساغا أن يمهد بعض المسؤولين للقرارات الصعبة بقولهم إن الدولة لن تقدم خدمة بالمجان، لأن الحكومة لا توفر المصروفات من جيوب أعضائها، ولكن أموالها هي حصيلة الضرائب التي يدفعها الناس أو الموارد التي هي ملك للمجتمع. والقصور في الموازنة يحسب على السلطة التي قصرت في جباية الضرائب أو أساءت استثمار الموارد والسياسات. وفي هذه الحالة فإن اللوم ينبغي أن يوجه للسلطة التي لا يحق لها أن تتهم المجتمع أو تمن عليه. حتى ما يبدو أنه مجاني فإن الحكومة تعاملت معه بازدراء شديد. حمل الناس أضعاف أضعاف التكلفة الحقيقية للخدمة. والنموذج واضح وفادح في التعليم الذي يفترض أنه مجاني، لكن التعليم الحقيقي صار يتم خارج المدارس وليس في فصولها، فضلا عن أن تكلفته أصبحت ترهق الأغلبية الساحقة.

بالقدر ذاته، فليس صحيحا ما يروج له المسؤولون عن أن الفقراء ومتوسطي الحال لن يتأثروا بإجراءات زيادة الأسعار، لأن هؤلاء هم أكثر الذين يعانون هذه السياسة. ذلك أن الزيادات في بعض السلع تحقق دفعة للغلاء تتجاوز بكثير حدود المستهدفين في البيانات الإعلامية.

من ناحية ثالثة فإن استسهال مد أيدي الحكومة إلى جيوب الناس للتفتيش فيها عندما تحل أي أزمة، أصبح سياسة تقليدية عفا عليها الزمن، وحكاية رفع الأسعار لمواجهة كل أزمة ينطبق عليها الكلام ذاته؛لأن الجهد الحقيقي يختبر حين تبذل الحكومة جهدها لتحريك عجلة الإنتاج، وحث القوى الحية في المجتمع لكي تعمل وتبدع كي توفر حاجياتها، وتشجعه على التصدير. وإذا شئنا أن نتصارح في هذا الصدد، فينبغي أن نعترف بأن تأثرنا بثقافة اليد السفلى بات أقوى بكثير من تعلقنا بسياسات وقيم اليد العليا.

إذا مضينا خطوة أبعد في المصارحة، فينبغي أن نعترف أيضا بأن الخطاب السياسي في مصر لم يختلف في بعض جوانبه عن خطاب الستينيات، التي أقنع المجتمع خلالها بأن الدولة ستقوم بكل شيء، متأثرة في ذلك بنزعتها الاشتراكية، وهو ما فعلته السلطة في الوقت الراهن حين صورت للمجتمع أن القوات المسلحة ستتحمل العبء وستقوم بكل ما يلزم، من توفير الأمن على الحدود إلى توفير السلع في الأسواق والمجمعات. وهو ما قد يصلح في مواجهة حالة استثنائية، لكننا اكتشفنا بمضي الوقت أن هذا السلوك لا يصلح نموذجا لإدارة السياسة الاقتصادية.

الملاحظات التي تتعلق بالأداء عديدة ويمكن تلخيص أهمها فيما يلي:

- أن التجربة أثبتت أن الإصلاح الاقتصادي لا يتحقق إلا في ظل الإصلاح السياسي، بل إن الإصلاح الأخير هو الأصل الذي من دونه يتعثر أي إصلاح اقتصادي؛ ذلك أن عجلة الإنتاج لن تتحرك والمستثمرين لن يدخلوا السوق المصرية مادام الخطاب الرسمي يتحدث عن معركة مفتوحة ضد الإرهاب مستمرة طوال السنوات الثلاث الأخيرة، ومادام تقييد الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان مستمرة.

- أن الحكومة لا تستأسد على المجتمع في سياستها فحسب، ولكنها لا تقدم له النموذج واجب الاحتذاء في ترشيد الإنفاق. فنحن نرى تقتيرا في بعض أنشطة خدمة المجتمع، وبذخا مشهودا في الإنفاق على المؤسسات السيادية. كما أننا نرى شحا في الاستجابة للمطالب المعيشية لبعض الفئات، وإنفاقا بلا حساب على فئات أخرى.

- إننا نفهم أن أي فريق عمل، حتى إذا كان فريقا لكرة القدم، إذا تكرر فشله في تحقيق النتائج المرجوة، فإن تغييرا ينبغي أن يطرأ على إدارته أو «لاعبيه»، وفي المعادلة المستقرة التي تقول إن الفشل إذا تكرر، فأنت لا تستطيع أن تحصل على نتائج مغايرة إلا إذا غيرت الفريق الذي يدير العملية؛ حيث لا تتوقع نتائج أفضل من جانب الفريق ذاته الذي ثبت فشله. وإذا حاولنا تنزيل هذه الفكرة على الواقع الاقتصادي، فإن ذلك يدعونا إلى طرح السؤال التالي: بعد الذي جرى، ألا يحفزنا ما جرى إلى تغيير السياسات وتغيير الفريق الذي يقررها؟

السبيل الأردنية
3
التعليقات (3)
مُواكب
السبت، 06-08-2016 04:53 م
ما جاء في المقال جاء بتسلسل منطقي لا لبس فيه من الناحية النظرية، وفي الجانب العملي فإن الأمر مُختلف جدا وينطبق عليه قول " المعرفة لا تُغيِّر المعروف " فما هو المعروف في مصر؟ جنرالات المجلس الأعلى للقوات المسلحة اصطفوا حول السيسي عندما حذرهم أنهم سيتعرضون للمُساءلة في حال انتخاب برلمانا حُرا ( وهذا كلام موجود في فيديو مسجل ومنشور ) هكذا كان الانقلاب على الشرعية، وحقق السيسي حلمه الشخصي في أن يُصبح رئيسا للجمهورية، وكل الدلائل تُشير إلى أنَّه يُريد توريث أبنائه أيضا. وِلِّي مش عاجبو يبقى يِمشي " هذه عبارة السيسي التي يجب أن تكون حاضرة في الذهن في تحليلاتنا. ولِتثبيت حُكمه صفَّر السيسي كل خلافات مصر مع دُول الجوار ومع أمريكا وروسيا وأوروبا وبالطبع مع إسرائيل أيضا! هذا السلوك يوضح ماذا يجوب في عُقول العسكر الحاكمين، طُغمة من شُذاذ الآفاق والجنرالات الرامية الذين لا يفقهون شيئا آخر غير مصالحهم الآنية منها فقط . لا يُمكن لِهؤلاء أن يفقهوا بعلم من العلوم التي تحتاجها إدارة الدولة. ولو تمعن الأستاذ فهمي هويدي كيف يغرق السيسي بالضحك أمام العامة لوجد أنَّه ليس عنده مُشكلة من أي نوع، وأمام مشاكل الغلاء الفاحش القادم سيقول السيسي: الدنيا بأ زحمة خلِّيها تخف !
محمد الدمرداش
السبت، 06-08-2016 03:54 م
تحول الحلم إلى واقع إذا حلمت دولة ما ان يكون لها اقتصاد قوى فلابد أن يكون لها قيادة حكيمة رشيدة تتمتع بقدر عالي من الشفافية و النزاهة و على مستوى على من الأدارة لدولة تتسم بالعدل النسبي و لا نطالبها بالعدل المطلق لأنه غائب و لن يكون إلا في المثاليات و أن يتحقق التواصل بين القيادة و جميع شرائح المجتمع بصورة تحقق الاستقرار و تولد حافز البناء و التطور سواء أن كان في مجال الأنتاج أو الخدمات و عندئذ نجد المخرجات معدلات نمو و فائض عملات و تواجد على الساحات الإقليمية و العالمية بثوبي الاقتصاد و السياسية و قوة تأثير حسب قوة الاقتصاد لأن عالمنا اليوم عالم مادى بحت فقدر الدول مقرون بقدر العطاء و المشاركة في حركة تداول الاقتصاد العالمي . و عندما نقيس ما سبق على مصر نجد بحسب منظمات الشفافية أن مصر من الدول التي يستشرى فيها معدل كبير من الفساد و عدم الشفافية و بحسب المنظمات الحقوقية العالمية بلد به معدلات كبيرة لانتهاكات حقوق الأنسان ؛ و عقد التواصل و الرضا الضمني بين القيادات و عموم الشعب يشوبه التنافر و الرفض و وضح ذلك بجلاء في ثورة 25 يناير و ما أعقبها من خمس انتخابات نزيهة كانت نتيجتها طلب قيادات جديدة غير التي تحكمت في مصر طوال ستة عقود و ثبت فشلها في أدارة مصر و لما تمكنت الثورة المضادة من مصر و عاد النظام العسكري ليتحكم في البلاد و عقد صور لانتخابات كان رسالة عدم حضور جماهير الشعب لصندوق الاقتراع رسالة أخرى للرفض و التنافر و صدق حدث الشعب باستمرار فشل العسكر في أدارة البلاد و تفاقم المشكلات الاقتصادية مع موت خدمات السياحة و تناقص موارد العملات الحرة و تدنى أرقام الاحتياطي النقدي و هروب المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال لغياب الاستقرار و مع استمرار الفساد و الفشل الأدارى لم يجدى أو ينفع مليارات دول الخليج في انتشال مصر من أزمتها الاقتصادية و حينما تتحول مصر لصندوق النقد الدولي فإنها على مشارف كارثة مزدوجة في أحد جوانبها زيادة الضغط و تفاقم معاناة الشعب و الجانب الأخر انغماس مصر أكثر من أي وقت مضى في مشكلات اقتصادية لتفاقم الديون و لن يكون هناك تحسن اقتصادي لحضور الفساد و الفشل الأدارى في المشهد . و من هنا نستطيع أن نقول بكل ثقة إذا ما أرادت مصر اقتصاد قوى فلابد أن يكون فيها تغيير سياسي شامل غير النظام الحالي الذى شهدت فيه جميع أوساط الاقتصاد العالمي بأن لا يصلح لشيء ذي نفع للبلاد
لحسن عبدي
السبت، 06-08-2016 12:26 م
ربما الأجدر، ان نظام الاستغلال الاقتصادي ، أولى من كل إصلاح سياسي واقتصادي ، لذلك فان الانظمة الديموقراطية ، مرتاحة لان المراقبة والمحاسبة تجعل المواطن يتتبع نصيبه من التكاليف العامة ، ويستفيد من عدة خدمات آخرها راتب معاش محترم ، اما هذه الانظمة العربية الريعية تأخذ من الشعوب لتسخين جيوبها ، ومصر اذا علمنا ان أزيد من 70? من لاقتصاد المصري تحت تصرف العسكر فعن اي إصلاح اقتصادي او سياسي نتحادث ، المطلوب تغيير الأوضاع وليس إصلاحها لان التقدم رهين بمشاركة كل أفراد المجتمع في الانتاج إراديا ( الحالة التركية) سابع اقتصاد الاتحاد الاروبي العشرون دوليا في ظرف عقدين من الزمن