بورتريه

ليبرمان.. من ملاهي مولدافيا إلى "صانع الملوك" في تل أبيب

ليبرمان- عربي21
ليبرمان- عربي21
سياسي إسرائيلي متطرف، مثير للجدل، ومباشر، صعد إلى قمة الهرم السياسي الإسرائيلي بفضل المهاجرين الروس الجدد إلى فلسطين المحتلة.

أصبح ورقة ضغط، و"كرت الجوكر" في جميع الحكومات الإسرائيلية التي شكلت منذ عام 1999. 

هدد في الماضي بقصف سد أسوان على نهر النيل، ودعا إلى "قطع رؤوس الخونة بين العرب في إسرائيل". وقال إنه سيأمر، إذا عين وزيرا للدفاع، بقتل زعيم حماس، إسماعيل هنية، خلال 48 ساعة إذا لم يقبل مطالب "إسرائيل" بإعادة جثتي جنديين إسرائيليين سقطا في العدوان على غزة في عام 2014.

بدأ حياته حارسا للأمن بأحد الملاهي الليلية في مولدوفا وهو دون العشرين، ثم انتقل للعمل في أذربيجان، وهو الآن في موقع الرجل الثاني في حكومة بنيامين نتنياهو، وكان أول قرار له بعد تسلمه منصب وزير الدفاع (الجيش) هو منع تسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين لعائلاتهم لدفنهم.

أفيجدور ليبرمان المولود في حزيران/ يونيو عام 1958 في بكيشيناو في مولدافيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، كان يتحدث اللغة اليديشية لغة أهله الأساسية، وهي لغة اليهود الإشكناز.

هو أحد مؤسسي "المنتدى الصهيوني ليهود الاتحاد السوفيتي" سابقًا، قدم إلى فلسطين المحتلة في حزيران/ يونيو عام 1978، وتعلم اللغة العبرية قبل أن يلتحق بالجيش الإسرائيلي لعدة أشهر كونه قادم جديد إلى "إسرائيل".

حصل على درجة جامعية في العلوم الاجتماعية من "الجامعة العبرية" في القدس.

في فترة دراسته الجامعية، تزوج "اّلّاه" اليهودية القادمة من طشقند في أوزبكستان عام 1981 وسكنا في القدس، وانتقلا عام 1988 للسكن في مستوطنة "نوكديم" المجاورة لبيت لحم.

دخل في عام 1986 مجلس إدارة "الشركة الاقتصادية أورشليم القدس"، وبعدها شغل منصب سكرتير نقابة العمال "هيستادروت هاعوفديم هالؤوميت"، وعمل محررا في صحيفة "يومان إسرائيلي".

حياته السياسية بدأت مع لقائه ببنيامين نتنياهو في عام 1988 الذي نجح في إقناعه بالدخول بقائمة حزب "الليكود" وخوض انتخابات البرلمان الإسرائيلي "الكنيست".

بعد انتخاب نتنياهو رئيسا لحزب "الليكود" عام 1992، عين ليبرمان مديرا عاما لـ"الليكود"، وفي 1996 وبعد اختيار نتنياهو كرئيس للحكومة الإسرائيلية عين ليبرمان مديرا عاما لديوان رئاسة الوزراء حتى عام 1997 حين تخلى عن منصبه، بعد فتح ملف تحقيق ضده في الشرطة (تم إغلاق ملف التحقيق فيما بعد بدون أي إدانة ضده).

لكن التحقيقات معه لم تمنعه في العام التالي الإعلان عن تأسيس حزب "إسرائيل بيتنا" الذي حصل على أربعة مقاعد في انتخابات "الكنيست" بعد أن حصل على ثقة نحو مليون مهاجر روسي، جاؤوا إلى فلسطين المحتلة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق.

فوزه المفاجئ والكبير في الانتخابات ساعده على دخول حكومة أرييل شارون وزيرا للبنية التحتية عام 1999، لكنه ما لبث  في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2001 أن انسحب مع رحبعام زئيفي من الحكومة احتجاجا على تسليم "حي أبو سنينة" في الخليل إلى الفلسطينيين، وبرر استقالته بأن هذا الأمر سوف يشكل خطرا على يهود الخليل ويُعرضهم إلى خطر القَنص من قبل "التنظيمات الإرهابية".

لكن بعد ساعات قليلة من الاستقالة قُتل رحبعام زئيفي على يد فلسطينيين ينتمون إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على خلفية اغتيال الاحتلال أمين عام الجبهة الشعبية أبو علي مصطفى عن طريق قصف مكتبه في مدينة رام الله بمروحيات الأباتشي، فقررت الجبهة الشعبية الانتقام لمقتل أبوعلي مصطفى عن طريق اغتيال زئيفي، وكان زئيفي قد وصف الفلسطينيين قبل مقتله بأيام قليلة بالـ"حشرات والأفاعي".

وبناء على اغتيال زئيفي قرر ليبرمان سحب طلب الاستقالة بطلب من شارون، لكنه ما لبث بعد قليل أن استقال من الحكومة من جديد في آذار/ مارس عام 2002.

في دورة انتخابات الكنيست الـ 16 التي بدأت مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية عمل حزب "الاتحاد الوطني"، الذي ضم حزب "إسرائيل بيتنا" مع حزبين يمينيين آخرين، على نشر وتثبيت فكرة "الترانسفير" للفلسطينيين كحل لإنهاء الصراع، وحاز "الاتحاد الوطني" في هذه الانتخابات على سبعة مقاعد، ثلاثة منهم بفضل "إسرائيل بيتنا".

لكن ليبرمان طرد من الحكومة عام 2004، وكان فيها وزيرا للنقل والمواصلات، بعدما عارض خطة رئيس الوزراء شارون لانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، والتي نفذت في صيف عام 2005.

في نهاية عام 2004 تركت حركة "إسرائيل بيتنا" تحالفها ضمن "الاتحاد الوطني" وخاضت انتخابات "الكنيست" كحزب مستقل بعد أن طرح ليبرمان خطة "تبديل الأراضي" المأخوذة من حلول لصراعات عدة بالعالم جرت على أساس عرقي وقومي أوديني عن طريق فصل "الشعبين"، وحصل "إسرائيل بيتنا" على 11 مقعدا بعد حصوله على تأييد اليهود الجدد القادمين من دول الاتحاد السوفيتي سابقا.

في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2006 قاد ليبرمان الحزب إلى تحالف مع حزب "كاديما" بزعامة إيهود أولمرت الذي شكل الحكومة، فعين ليبرمان نائبا له ووزيرا للشؤون الإستراتيجية، وكان وجود ليبرمان عامل توتر متواصل في الحكومة بعد صدامه مع حزب "العمل" المتحالف مع "كاديما" أيضا.

وعلى وقع المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، أعلن ليبرمان عن انسحاب حزبه من حكومة أولمرت بسبب المناقشات مع الفلسطينيين حول "القضايا الجوهرية". لكنه عاد في انتخابات لاحقه في عام 2009 ليحقق مفاجئة جديدة بحصول حزبه "إسرائيل بيتنا" على 15 مقعدا، وبات ثالث أكبر حزب في "إسرائيل".

ولأنه يتحكم في 15 مقعدا في "الكنيست" فقد أصبح بمثابة "صانع الملوك"، وعرقل ليبرمان جهود حزب "كاديما" صاحب النصيب الأكبر في مقاعد "الكنيست" لتشكيل ائتلاف حكومي، وأعلن بدلا من ذلك تأييده لحزب "الليكود" وزعيمه نتنياهو الذي نجح في انتزاع مقعد رئيس الحكومة.

وفي مقابل ذلك، منح ليبرمان منصبي وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء، وعضو في "مجلس الوزراء الأمني"، وأيضا عضوا في المطبخ السياسي والعسكري الإسرائيلي.

 وبعد فوزه الانتخابي في آذار/ مارس عام 2015، عكف نتنياهو على محاولة توسيع ائتلافه الذي كانت له، مع 61 عضوا فقط، في البرلمان المؤلف من 120 مقعدا، وإبرام صفقة مع ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا".

التحالف القديم المتجدد مع ليبرمان، وزير الخارجية الذي اصطدم مرارا مع نتنياهو ووصفه ذات يوم بأنه "كاذب ومحتال"، واتهمه بأنه غير قادر على اتخاذ القرارات، يشير إلى المسافات التي يبدو نتنياهو مستعدا لقطعها من أجل الحفاظ على حكمه.

 ففي مقابل جلب أعضاء حزبه الخمسة في الكنيست إلى الائتلاف، عرض تعيين ليبرمان وزيرا للدفاع، وهي تقليديا أهم منصب في "إسرائيل" بعد وظيفة رئيس الوزراء. كما سيحصل ليبرمان على 1.4 مليار شيكل (360 مليون دولار) من أجل زيادة المعاشات التقاعدية للمتقاعدين ذوي الدخل المنخفض، الذين يتكون معظمهم من المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق، ويشكلون الدائرة الانتخابية الأساسية لليبرمان.

ليبرمان متعدد التحالفات ومتذبذب في مواقفه المتضاربة أحيانا، في البداية أيد "الترانسفير" كحل للصراع العربي-الإسرائيلي ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات عام 2006 اقترح حل "الدولتين" مع التشدد في مضمون الاقتراح على "تبديل أراضي" لضمان أغلبية يهودية في "إسرائيل". 
في عدة مواقف أعرب ليبرمان عن معارضته الشديدة لليسار الإسرائيلي، فقد طالب بمحاكمة كل عضو "كنيست" يلتقي بقادة "حماس" على أساس أنهم "عملاء"، بحسب قوله.

يرى ليبرمان الصراع العربي-الإسرائيلي جزء من "مواجهة أكبر بين الغرب والعالم الإسلامي"، وحسب رأيه "فالهدف الوطني والأمني لدولة إسرائيل يجب أن يكون الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي".

مع استلام مهامه كوزير للخارجية في السابق أعلن أنه غير ملزم باتفاقيات مؤتمر أنابوليس للسلام، وأن "حل الدولتين أمر جيد لكنه لا يُطبق"، وبهذا غير ليبرمان مسار توجه الحكومة برئاسة إيهود أولمرت حينها.

ونظرا لأصوله فهو متحمس جدا لتحسن العلاقات الروسية الإسرائيلية، ويرى أن نمو هذه العلاقات "يدعم المصالح الحيوية لدولة إسرائيل"، حتى أن البعض دعا إلى تعيينه مندوب "الحوار الاستراتيجي مع الكرملين".

وعاد في عام 2009 ليقود إصلاحات بعلاقات "إسرائيل" الخارجية، وتغيير الموضوع المركزي من "الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني" إلى "الدبلوماسية العامة وتحسين العلاقات الخارجية لإسرائيل".

وعلى خلفية الوضع غير المستقر بعلاقات "السلام" بين مصر و"إسرائيل" قال ليبرمان أثناء لقاء مع سفراء اتحاد الدول المستقلة في "الكنيست" عام 2001 إنه: "في حال نشبت حرب بين مصر وإسرائيل على إسرائيل أن تفجر السد العالي وتغرق بالمياه بحيرة ناصر والمناطق المحاذية لها".

وردا على ذلك، قالت مصر إن وزير خارجيتها لن يلتقي ليبرمان حتى يعود عن أقواله، ومع هذا جاء رئيس جهاز المخابرات المصري عمر سليمان للقاء ليبرمان، وحسبما عرض بالصحف أن سليمان دعا ليبرمان لزيارة مصر، ولكن مبارك أنكر هذه الدعوة بعد بضعة أيام.

بمجال السياسة الخارجية، أعلَم ليبرمان سفراء "إسرائيل" أن "لا يُذللوا بقيمة أنفسهم أمام العالم" لأن لمفهوم "الاحترام العالمي" أهمية كبيرة بالتأثير على "صورة إسرائيل بالعالم". وفي إطار هذه السياسة وعلى إثر خطاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ضد "إسرائيل"، قام نائب ليبرمان، داني أيالون، بجعل سفير تركيا في "إسرائيل" الجلوس على كنبة منخفضة أمام أعين الكاميرات، ليبرمان لم يوبخ نائبه وحتى دعمه، مؤكدا أنه على "إسرائيل" أن ترد بقوة.

يعتقد ليبرمان أنه يجب إدخال تعديلات في "حقوق المواطنة" لـ"دولة إسرائيل"، وبحسب هذه التعديلات "يُلزم كل مواطن في إسرائيل التوقيع على إعلان وفاء لدولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية ولمبادئها ولقوانينها، ومن يرفض التوقيع يخسر صلاحياته بالانتخاب والترَشُح وربما يأخُذ منهُ بطاقته الشخصية".

بنهاية عام 1991 قدمت دعوى ادعاء ضد ليبرمان تتهمه بالاعتداء على قاصر على إثر اعتداء على ابن ليبرمان، وهدد ليبرمان الفتى القاصر بالاعتداء عليه مرة أخرى في حال عودتهم لمستوطنة "نوكديم". وفي أيلول/ سبتمبر عام 2011 أدين ليبرمان بالاعتداء على قاصر وتهديده.

اتهم وابنته بقضايا فساد بينها فضيحة كازينو "واحة لادن" في الخليل التي أعيد فتح التحقيقات بها في كانون الثاني/ يناير عام 2008 وخلصت الشرطة أن ليبرمان تلقى رشوة من رجل الأعمال النمساوي اليهودي مارتن شلاف.

تعيين ليبرمان في المنصب الثاني في "إسرائيل" اعتبر مؤشرا على ازدياد حالة العنصرية والتطرف لدى الاحتلال الإسرائيلي.

 ولا ينظر المستوى العسكري بارتياح لتعيين ليبرمان، فخلافا لقائد الأركان السابق موشيه يعالون لا يملك ليبرمان أية تجربة عسكرية تذكر، وقد لا يحظى قادة الجيش بدعمه كما كانت الحال في عهد يعالون في مواجهة ضغوط المستوى السياسي.

قبل تعيين ليبرمان كان التوقع أن يعدل نتنياهو في مسار حكومته وتغير طابعها اليميني المتطرف حين خاض مداولات ماراثونية مع زعيم المعارضة إسحاق هرتزوغ لضم حزب "المعسكر الصهيوني" للحكومة، لكن نتنياهو، غير المتوقع، أدار دفة السفينة بانعطافة حادة نحو اليمين، وفضّل ضم ليبرمان على هرتزوغ.

"الصدمة والغضب" سيطرا على العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، فوصفت "هآرتس" الصفقة مع نتنياهو وليبرمان بـ"الطعنة في ظهر" يعلون الذي أراد رئيس الوزراء "تأديبه". واعتبر آخرون بأن تعيين ليبرمان "خطأ فادح"، إن اعتقد نتنياهو أن بإمكانه كبح نزعات ليبرمان المتشددة، إذ أن التاريخ يثبت أن من فكر بهذا الشكل من الزعماء الإسرائيليين في مراحل سابقة فشل، وقد ورط بعض الوزراء "إسرائيل" في تجارب فاشلة.

وفي وقت كان ينتظر من نتنياهو التهدئة في السياسة الإسرائيلية اليمينية، في ظل تحضير باريس لـ"مؤتمر السلام الدولي"، وإمكانية تبني واشنطن للمبادرة الفرنسية، فقد فاجأ الجميع بهذا التعيين (وهو أمر ليس جديدا على نتنياهو في الواقع)، وفضّل ليبرمان على أي مرشح آخر، في رسالة تشير إلى رفض "إسرائيل" التعاطي مع أي من مبادرات للتسوية.

لا يشكل نتيناهو وليبرمان تحالفا حقيقيا فكلاهما يلعبان في المربع نفسه وهذا ما أكدته "القناة العاشرة" الإسرائيلية فنبشت ماضي الرجلين وبثت تسجيلا لليبرمان يصف به نتنياهو بـ"الكاذب والمنافق والاستغلالي الذي لا يستطيع اتخاذ قرارات". كما ذكرت القناة بقضية الفساد التي لاحق بها نتنياهو ليبرمان في العام 2013.

لكن في السياسة يبدو كل شيء ممكنا، وما جرى كان تأكيدا لجملة وزير الخارجية الأسبق هنري كسينجر: "لا توجد سياسة خارجية لإسرائيل، بل سياسة داخلية فقط".
0
التعليقات (0)

خبر عاجل