مقالات مختارة

بريطانيا فعلا "عظمى"

عبد الناصر بن عيسى
1300x600
1300x600
في سنة 1980، عندما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، في زمن الرئيس جيمي كارتر، عزل الاتحاد السوفياتي، وإفشال احتضانه الألعاب الأولمبية، رفعت شعار المقاطعة، ففهمت الكثير من الدول، ومنها الخليج العربي ومصر وفرنسا وتركيا وكندا وغيرها، أن ما تقوله أمريكا هو أمر مُنزّل، يجب تطبيقه من دون سؤال، فبلغ عدد المقاطعين خمسة وستين بلدا، ولكن بريطانيا التي أبانت دائما بأنها حُرة لا تتحرك إلا لأجل مصالح شعبها، رفضت المقاطعة، وشاركت في الألعاب الأولمبية، مع شجبها لاحتلال السوفيات أفغانستان، بالرغم من أن أمريكا ظلت مدعمة لبريطانيا في كل معاركها واستعمارها للأوطان، من زرعها الكيان الصهيوني في قلب فلسطين، إلى قضية تايوان، واحتلالها جزر الفولكلوند في الأرجنتين.

والآن، وبعد أن تركت بريطانيا لشعبها حرية القرار في البقاء في فلك الاتحاد الأوروبي من عدمه، سافر الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى لندن، ونصح البريطانيين بعدم التفريط في الاتحاد الأوربي، وقدم خطابا مطولا، شرح فيه وجهة النظر الأمريكية المدروسة بأبعادها التاريخية والسياسية والاقتصادية، ولكن البريطانيين الذين طبقوا لوحدهم في العالم الديمقراطية الحقيقية، تركوا شعبهم من دون ضغوط ولا تزوير، يقول كلمته، فجاءت عكس أماني أوباما، الذي يعرف مسبقا أن نصيحته التي تعتبر أمرا في أمصار أخرى، هي لا شيء في بريطانيا العظمى، التي قال رئيس وزرائها دافيد كاميرون منذ أسبوع فقط، إن تركيا لن تنعم بدخولها إلى الاتحاد الأوروبي قبل سنة 3000 ميلادية، ثم داس هو وشعبه على هذا الاتحاد، الذي مازال حلما غاليا لكثير من الشعوب، ومنهم الأتراك المسلمون.

لقد كانت بريطانيا إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، وواضح أن العالم يساعدها بـ"مازوشية" غير محدودة، على ذلك، إلى درجة أن المعركة التي وقعت بين مناصرين إنجليز وروس لكرة القدم، في شوارع مارسيليا، تحوّلت فيها أصابع الاتهام إلى الروس فقط، وبرّأت أحفاد "الهوليغنز"، وأن الدول أو الدويلات التي زرعتها بريطانيا أو ارتبطت بمملكتها هي الأقوى في كل القارات، من أستراليا ونيوزيلندا الجديدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان وجنوب إفريقيا والكيان الصهيوني، حتى صارت لها عيون في كل قارة، وشمس لا تغرب، حتى وهي تخرج مبتهجة من هذا الاتحاد الأوربي، الذي تحيي وتموت لأجله تركيا وتفرّط في "شرفها أحيانا" من أجل الانتساب إليه.

الجميل في بريطانيا العظمى، أن الدولة تعرف ما تريد، والشعب يعرف ما يريد، والأجمل أن ما تريده الدولة هو ما يريده الشعب، لأجل ذلك سيكون خروج بريطانيا من "جنة" الاتحاد الأوروبي ومن "زلال" الأورو الذي يسيل لعاب بقية العالم، هو دخول في عالم أكثر قوة يتحد على تحقيقه السلطة والشعب، بغض النظر عن التجاوزات التي ارتكبتها بريطانيا طوال تاريخها في حق الشعوب وفي كل القارات، منذ أن أسمت نفسها بالعظمى وبصم العالم على هذه الصفة، ومنذ أن أرادت لشمسها ألا تغرب، فكانت الدول تمنح شمسها لبريطانيا... وترضى بالظلام.

عن صحيفة الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)