ملفات وتقارير

العلاقات التركية الأوروبية في ضوء قرار ألمانيا حول الأرمن

هل ينعكس التراشق الألماني التركي على علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي؟
هل ينعكس التراشق الألماني التركي على علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي؟
تتواصل تبعات الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وبرلين على إثر مصادقة مجلس النواب الألماني (البوندستاغ)، في الثاني من الشهر الجاري، بأغلبية كبيرة، على "قرار رمزي" يصف مقتل الأرمن على أيدي القوات العثمانية عام 1915 بأنه "إبادة جماعية".
 
وبدأت تبعات تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي رد على الخطوة الألمانية بقوله إن "اعتراف النواب الألمان بإبادة الأرمن سيؤثر على العلاقات بشكل خطير"، تتضح، حيث أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية أن تركيا تعمل على إعداد "خطة عمل" ضد برلين بعد تصويت البرلمان الألماني على قرار يعترف بإبادة الأرمن.
 
وقال إبراهيم كالين في مؤتمر صحفي في العاصمة التركية أنقرة، الخميس، إن "أعمالا وإجراءات يجب أن تتخذ حاليا مع الأطراف المعنية، بدءا بوزارة خارجيتنا لإعداد خطة العمل".
 
وكانت تركيا قد استدعت سفيرها في ألمانيا حسين عوني قارصلي أوغلو، إلى أنقرة؛ للتشاور، كما استدعت وزارة الخارجية التركية القائم بأعمال السفارة الألمانية لدى أنقرة، روبرت دولغر، وأعربت له عن انزعاج أنقرة حيال مصادقة البرلمان الألماني على مشروع القرار المذكور.
 
وأطلق المسؤلون الأتراك تصريحات غاضبة بعد الخطوة الألمانية، حيث وصف رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، التصويت على القانون بأنه أمر "سخيف"، كما وصف نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش القرار بأنه خطأ تاريخي، فيما أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى التاريخ النازي لألمانيا، وقال في تغريدة بموقع "تويتر": "طريقة طي صفحات مظلمة في تاريخك لا تكون بتلويث تاريخ دول أخرى بقرارات برلمانية غير مسؤولة ولا أساس لها".
 
خيارات تركيا في الرد
 
ويرى الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج؛ أنه "لا يمكن لتركيا أن تبقى بلا رد، بل عمليا بدأت بذلك منذ اللحظة الأولى، حينما استعدت سفيرها في برلين إلى أنقرة للتشاور، وقدمت رسالة احتجاج للسفير الألماني في أنقرة".
 
ويقدر الحاج، في حديثه لـ"عربي21"، أنه من المتوقع أيضا أن ترفض تركيا الطلب الألماني بخصوص إفراد مساحة خاصة لها في قاعدة إنجرليك العسكرية القريبة من الحدود السورية.
 
ولا يعتقد الحاج أنه سيكون هناك تغير جذري في العلاقات التركية الألمانية، لافتا إلى أن "الرد سيبقى في الإطار الدبلوماسي والسياسي لا الاستراتيجي".

ويؤكد أن العلاقات التركية الألمانية لا يمكن أن تُقطع بسبب عدة سياقات، "أهمها أن المانيا هي الدولة الكبرى في الاتحاد الأوروبي - الشريك الاقتصادي الأكبر لتركيا - كما أن الطرفين عضوان في حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، وبرلين صاحبة النفوذ الأوسع في هذين الكيانين".

هل هي خطوة منفصلة عن خطوة الاتحاد الأوروبي؟
 
وتأتي الخطوة الألمانية في وقت يسود فيه التوتر على العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بعد إعادة الأوروبيين النظر في اتفاق إعفاء الأتراك من تأشيرة دخول منطقة الشنغن، حيث وصف مراقبون خطوة البرلمان الألماني بأنها بمثابة عقاب لتركيا بعد رفضها تطبيق باقي المعايير الأوروبية القانونية كشرط لدخول اتفاق اللاجئين حيز التنفيذ.
 
وبحسب مراقبين، فإن الاعتراف الألماني جاء في إطار الضغط على تركيا، بسبب اتفاق تنظيم هجرة اللاجئين نحو أوروبا، متوقعين انتقال القرار إلى البرلمان الأوروبي لإنهاء فرص تطبيق الاتفاق بينهما.
 
وجاء التراجع الأوروبي عن إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول بعد رفض تركيا الأخيرة تغيير قوانين محاربة الإرهاب لديها، حيث قال وزير الشؤون الأوروبية التركي فولكان بوزكير إن "تغيير قوانين محاربة الإرهاب في تركيا أمر مستحيل".
 
وبدأت تركيا بعدها التلويح بإلغاء اتفاقية الحد من تدفق اللاجئين، حيث حذر أردوغان الاتحاد الأوروبي من أن البرلمان التركي لن يصادق على قوانين تتعلق بالاتفاق بين أنقرة وبروكسل للحد من تدفق اللاجئين، إذا لم تتم تلبية طلب أنقرة الرئيسي بإعفاء مواطنيها من تأشيرات الدخول إلى دول الاتحاد.
 
تبعات القرار
 
ويعد القانون الألماني والذي تبنى الرواية الأرمنية، واستخدم عبارة "إبادة جماعية" في العنوان والنص، رمزيا، أي أنه ليس ملزما من الناحية القانونية، ويستخدم فقط كمجرد ورقة ضغط، لتوجيه الرأي العام الداخلي الأوروبي أو الدولي بصفة عامة، بحسب مراقبين.
 
لكن الحاج يرى أن هناك خشية تركية مركبة من أن تطالَب تركيا على المدى البعيد بالتزامات معينة، من الاعتذار والتعويضات، كما أنها تخشى أن يكون هذا القرار خطوة تشجع الدول الأوروبية على اتخاذ قرارات مماثلة".

واحتل البرلمان الألماني الرقم 26 في سلسلة اعترافات الدول بالرواية الأرمنية، حيث سبق أن اعترفت بها كل من الأرجنتين والنمسا، وبلجيكا، والبرازيل، وبلغاريا، وكندا، وقبرص، وفرنسا وتشيلي، وليتوانيا، ولبنان، وبوليفيا، وإيطاليا، ولوكسمبورج، وهولندا، وباراجواي، وبولندا، وروسيا، وسلوفاكيا، والسويد، وسويسرا، والولايات المتحدة، وأوروجواي، والفاتيكان، وفنزويلا.
 
وكانت فرنسا في كانون الثاني/ يناير عام 2001، أول دولة كبرى تعترف بـ"الإبادة الجماعية" للأرمن، لكن إنكار الإبادة غير خاضع للعقاب. فقد ألغى المجلس الدستوري في شباط/ فبراير 2012 قانونا بهذا المعنى، معتبرا إياه متعارضا مع حرية التعبير.

أما في الولايات المتحدة فالتردد سيد الموقف، حيث أقرّ الكونغرس ما وصفها بـ"الإبادة الجماعية" مع اعتماد قرارات من قبل مجلس النواب عامي 1975 و1984. وعندما كان يخوض حملته للوصول إلى البيت الأبيض العام 2008، تعهد باراك أوباما بالاعتراف بالإبادة الجماعية، لكنه لم يستخدم مطلقا هذا المصطلح منذ أن أصبح رئيسا.
 
جذور المشكلة
 
ويقول الأرمن إن 1,5 مليون أرمني قتلوا بشكل منظم قبيل انهيار السلطنة العثمانية، خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، لكن تركيا تقول إن العدد أقل بكثير وترفض وصف "الإبادة الجماعية".
  
وتشير تقييمات لبعض المؤرخين الأرمن، نقلت روايتهم محطة "سكاي نيوز"، إلى أن "الإبادة المنتظمة للأرمن بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، إذ يدور الحديث عن القتل الجماعي الذي وضع أساسه في عامي 1894 و1895 بغية تقليص عدد الأرمن في تركيا والقضاء عليهم قضاء تاما في المستقبل".
 
لكن تركيا تؤكد أن الأرمن سقطوا خلال حرب أهلية تزامنت مع مجاعة وأدت إلى مقتل ما بين 300 ألف و500 ألف أرمني فضلا عن عدد مماثل من الأتراك، حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الأناضول.
 
ويقول مدير مركز دراسة العلاقات التركية الأرمينية في جامعة أتاتورك بمدينة أرضروم التركية إيرول أوغلو، لوكالة "الأناضول"، إن الدولة العثمانية عندما أصدرت في 1915 قانون "الترحيل والإسكان" لم يكن لأهداف دينية أو قومية، بل لإبعاد "العصابات الأرمينية" التي ارتكبت مجازر في حق المسلمين وخاصة النساء والأطفال والمسنين". واتهم الأرمن بمحاولة "خلط الأوراق وتضليل الرأي العام العالمي للتغطية على جرائمهم تلك".
التعليقات (0)