مقالات مختارة

لماذا دخلت «إيران» معركة الفلوجة؟

اسماعيل الجنابي
1300x600
1300x600
في ظل الوضع المعقد الذي يحصل في العراق ونتيجة غلو اللاعب الخارجي فيه، أصبحنا نعيش بلا شك في واقع مفروض لا يحمل أي وصف آخر مجاف للحقيقة، وهو أن العراق أصبح دولة عاطلة عن العمل، نصفه تتحكم به الولايات المتحدة الأمريكية والنصف الآخر تحكمه دولة فارس، أما بقية اللاعبين الداخليين فإن مهمتهم هي الهرولة والتصفيق في ملعب واسع، جمهوره من الضحايا والمرغمين أو من المغرر بهم تحت مسميات، لا يراد منها سوى تمزيق نسيج المجتمع الذي كان متراصا طيلة عقود من الزمن.


إن الحديث عن الفلوجة بأنها مدينة منكوبة، أمر يقزمها ويفقدها هيبتها، ولا يعطيها حقها ومكانتها في النضال والصمود الذي ارتبط بها منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، ولكن أن يأتي على مشارفها قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني"، ويثير حفيظة العراقيين النجباء بكل طوائفهم ومللهم، فهذا يعني أن البعد الاستراتيجي لوجوده فيها، إنما هو رسالة إلى العرب جميعا بشكل عام والسعودية بشكل خاص. أن إيران موجودة اليوم في إحدى مدنكم التي تعدونها رمزا كبيرا وعقيدة بطولية، تتفاخرون بها على الدوام كونها ركعت جنرالات أكبر وأقوى دولة في العالم في وحل الهزيمة والإذلال، وها نحن ندخلها اليوم رغم أنوفكم، دون أي رد فعل منكم، باستثناء تصريحاتكم الإعلامية واستنكاراتكم وشجبكم الذي لايغني ولا يسمن، بدليل وجود الجنرال سليمان الذي يشرف شخصيا على قيادة الحشد الشعبي، التي تعترف طهران رسميا بأنها هي من أسست مليشياته التي تقاتل في العراق اليوم.


إن تصريحات القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني العميد إيرج مسجدي بخصوص "دخول الحرس الثوري الإيراني بضباطه في معركة الفلوجة، هو من أجل أن تبقى إيران مركزا للتشيّع في العالم، وليس كما أشيع في الإعلام أن المراد من مشاركتنا في معركة الفلوجة هو لإنقاذ أهلها، ما يؤكد طبيعة وأهداف إيران التوسعية من هذا الوجود، وهنا لابد من أن نطرح سؤالا صريحا دون أن تأخذنا في قول الحق لومة لائم: "هل صمت العرب عن تدخلات طهران الواضحة في العراق، أم هو ناتج عن أصل هوية العراق الذي قادته رسميا عقيدة قومية عربية؟ أم في عراق اليوم، الذي يرونه يقاد من قوى إسلامية شيعية، ترى في دول الخليج بعدا طائفيّا ملتصقا بها على الدوام؟!


الحقيقة المرة التي لا يمكن لأي غربال أن يحجب عنها ضوء الشمس، هو دخول إيران في الفلوجة تحت ذريعة أن "التيارات التكفيرية تسعى إلى احتلال العراق وسوريا من أجل الوصول إلى إيران؛ وقتل أطفال الشيعة، الذين سيحاربونها ويقاومونها حين يكبرون". هي من أعطاها ذريعة لارتكاب أبشع المجازر الوحشية بحق أبناء الفلوجة. بأنها بؤرة الإرهاب وحاضنة التكفيريين، وطبعا في سياق تبرير الجرائم الطائفية التي ترتكب تحت مسمى محاربة "داعش" والإرهابيين هناك. إذا ما قلنا إن حقيقة تدخل إيران عسكريا في العراق يهدف إلى تكريس هيمنتها، ليس على المناطق الجنوبية والفرات الأوسط للعراق فحسب، بل أيضا لإخضاع العرب السنّة ومناطقهم حتى لا يكون لهم دور سياسي مؤثر في العراق ورسم سياسته في المستقبل.


إن تاريخ العراق بذاكرته العريقة سيسجل هذا العار لجميع الذين يتحكمون بمصيره؛ عندما سمحوا لجنرال إيران "قاسم سليماني" بسمعته السيئة أن يدنس تراب العراق بقدميه، وسيذكر السفر الخالد أعظم فضيحة ارتكبتها الطبقة السياسية ذات المنشأ الأجنبي، إن هؤلاء كانوا السبب الرئيسي في ارتهان ثروات العراق ومقدساته، وأهانوا أكبر خزين حضاري في العالم تحت عنوان "ديمقراطية أمريكا ووصاية إيران".

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)