مقالات مختارة

الأفضل لروسيا.. أسوأ من "بريمر"

منار الرشواني
1300x600
1300x600
لم تتراجع صحيفة حزب الله عما نشرته، الشهر الماضي، بشأن مضامين "الدستور الروسي" الجديد لسوريا. لكنها استدركت بعد أيام -عقب العاصفة التي أثارها دستور الحامي الأول لبشار الأسد ونظامه، مع إيران- بالحديث عن تعديلات أجراها هذا النظام على "الدستور الروسي"، تؤكد خصوصا عروبة سوريا؛ بالتمسك بمسمى "الجمهورية العربية السورية"، وإلغاء ما يسمى "جمعية المناطق" التي تكشف أن روسيا ماضية في "الفيدرالية" التي اقترحتها قبل أشهر، ولا تعني إلا تقسيم سوريا فعليا -وإبقاءها موحدة شكلا- إلى مقاطعات عرقية وطائفية. 

إذ وفقا للدستور الروسي لسوريا، تُنشأ "جمعية المناطق" إلى جانب "جمعية الشعب" (مجلس الشعب). لكن "جمعية المناطق"، وليس "جمعية الشعب"، من ستكون صاحبة النفوذ فعليا. فمثلا، يتحمل مجلس الوزراء "مسؤولية سياسية عن أعماله أمام رئيس الجمهورية وجمعية المناطق"، ويحق "لثلث أعضاء جمعية المناطق (مثل "جمعية الشعب") طرح حجب الثقة عن الحكومة". كما يحق لرئيس الجمهورية "إعلان حالة الطوارئ بالموافقة المسبقة لجمعية المناطق". والأبرز أنه تتولى هذه الجمعية "مهمات رئيس الجمهورية في حال الشغور الرئاسي أو عجز الرئيس عن تأدية مهماته، بعد إثبات عجز رئيس مجلس الوزراء أيضا عن ذلك".

لكن الحقيقة أنه بقدر ما يبدو مسمى سوريا محسوما لصالح "الجمهورية السورية"، بسبب عامل السوريين الأكراد المدعومين روسيا وأمريكيا، لإنجاز كيانهم المماثل لأكراد العراق؛ كذلك هو الأمر بشأن تقسيم سوريا إلى كانتونات عرقية وطائفية. إذ يكاد يكون التقسيم هو خيار روسيا الوحيد لإنهاء الصراع في سوريا، وفق شروط موسكو، وبأقل التكاليف الممكنة.

طبعا، إضافة إلى الإبقاء على بشار الأسد بمسمى "رئيس جمهورية"، لا يملك أنصار الأسد إلا تمني نسخة روسية في سوريا، من دستور "بريمر" في العراق؛ أي الاكتفاء فقط بالاعتراف بكيان كردي مستقل ذاتيا في سوريا. إذ لا يُتوقع انقلاب موسكو على حلفائها الأكراد، بل وحتى الدخول في مواجهة عسكرية معهم! وهو ما يستدعي، ابتداء، انقلابا أمريكيا مماثلا على الأكراد، وتخليا عنهم. وهذا بافتراض أن مليشيات الأسد وإيران قادرة فعلا على هزيمة الأكراد في أي مواجهة عسكرية.

إلا أن سيناريو "بريمر روسي" في سوريا، لا يمكن أن يتحقق من غير إعادة كامل سوريا -باستثناء مناطق الأكراد- إلى حكم الأسد. وهو ما يعني مزيدا من الانخراط الروسي والإيراني في معارك الأسد. وحتى هنا، فإنه بافتراض قبول موسكو بمزيد من التورط، كما تريد منها إيران فعلا، وتحقيقهما "الانتصار"، يظل صحيحا أن "بريمر" سلم الحكم في العراق للأغلبية "العددية والسياسية"، ما سمح لها بالإقصاء والاستئصال والاستقرار مؤقتا. فيما ستُبقي موسكو حكم سوريا في يد من يمثل الأقلية على كل مستوى، حتى داخل حاضنة الأسد الشعبية. وكما يؤكد الباحث في مؤسسة "كارنيغي" يزيد صايغ، في مقاله بصحيفة "الحياة" اللندنية أول من أمس، فإن "روسيا وإيران و"حزب الله" سيكتشفون أن مساعدة النظام على كسب الحرب العسكرية، أسهل بكثير -وأرخص بكثير- من الحفاظ على السلام وفق شروط الأسد".

ولعل موسكو تدرك كل ذلك، بحيث يكون طبيعيا أن تسعى إلى تقسيم سوريا، كأقصر الطرق لإنهاء تورطها العسكري، مع حماية مصالحها هناك، التي لا يمكن أن تتعارض وفق هذه الصيغة مع المصالح الإسرائيلية والأمريكية.

لكن، هل سيصوت السوريون في الاستفتاء "المفترض" على الدستور الجديد، للأفضل لروسيا والأسد وأمريكا وإسرائيل، إنما الأسوأ لسوريا (وللمنطقة حتما)؟ الإجابة المرغوبة، إنما غير المضمونة أبدا، بالنفي، معلقة على إقناع الأغلبية بأن سوريا المستقبل هي دولة كل مواطنيها، نقيضا لاستبداد الأسد وأشباهه؛ أكانت ذرائع الاستبداد شعارات علمانية وقومجية، أو دينية.

(عن صحيفة الغد الأردنية)
التعليقات (0)