كتاب عربي 21

النظام العربي مفهوم غير معرف

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
يتردد كثيرا مصطلح النظام العربي في وسائل الإعلام العربية المرئية والمقروءة والمسموعة، لكنني لم أسمع يوما من أي وسيلة إعلام معنى هذا المصطلح أو تعريفا له. ويبدو أن مفهوم النظام العربي ما يزال زئبقيا غير واضح للجمهور العادي وللأكاديميين، مثله مثل العديد من المفاهيم والمصطلحات التي نستعملها دون أن نعي معانيها ومضامينها مثل التضامن العربي أو العمل العربي المشترك أو الديمقراطية أو النظام الإسلامي.

بحثت كثيرا في مسألة النظام العربي فلم أجد مبادئ وأسسا تميز المفهوم، ولم أجد له حدودا سياسية أو اقتصادية أو أخلاقية، وحتى لم أجد مؤسسية يمكن أن نطلق عليها أنها إحدى أدوات النظام العربي. ولم أجد أهدافا تعزى إلى هذا النظام، ولا وسائل وأساليب يمكن اتباعها من أجل المحافظة على استمراريته أو تدفعه إلى الأمام. ولم أجد منظومة قيمية أخلاقية يجتمع عليها العرب، ولم أجد دولا بعينها تشكل أعضاء هذا النظام.

لم أجد ميثاقا واحدا يسمى ميثاق النظام العربي، ولم أجد دستورا، أو حتى تعليمات مكتوبة حول العلاقات العربية التي تسود ضمن هذا النظام. وجدت بعض الاتفاقيات بين دول عربية، منها مجتمعة صادرة عن الجامعة العربي، ومنها ثنائية أو ثلاثية. هناك اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وهناك اتفاقيات اقتصادية وأخرى أمنية، الخ، لكنني وجدت أن الأنظمة العربية لم تلتزم بهذه الاتفاقيات باستثناء الاتفاقيات الأمنية التي من شأنها ملاحقة الإنسان العربي. وكذلك لم أجد حقوقا للأعضاء أو واجبات. لا تتوفر نصوص حول ما يترتب على العضو في النظام العربي من مسؤوليات، ولا نصوص حول مختلف الأساليب والوسائل التي يمكن اتباعها في حمل المسؤوليات وتنفيذها.

فما هو النظام العربي الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام؟ ربما هي تتحدث عن النظام الذي يتسم بالتالي:

1-  الأنظمة العربية التي تلاحق المواطن العربي وتوظف أموالا طائلة لأجهزة الأمن بخاصة المخابرات لتقف على تفاصيل سلوكيات المواطنين العرب أفرادا وجماعات.

2-  الفساد الذي يعم الوطن العربي والذي يتضمن احتكار السلطة ونهب الأموال وتبذيرها وتعزيز نهج الوساطات والمحسوبيات، ومطاردة المعارضين مهما عظمت مكانتهم العلمية.

3-  الانبطاح للسياسات الأجنبية بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وتنفيذ مخططاتها على حساب العرب.

4-  تجاهل القضايا العربية المركزية التي تهم المستقبل العربي.

5-  الاستبداد في الحكم والذي لا يعترف بالآخر ولا بحق المواطنين في التعبير والمشاركة بحرية.

6-  عدم قدرة الأنظمة العربية على الدفاع عن الدول والشعوب التي تحكمها، وسهولة استسلام العرب أمام الأعداء.

7-  انتشار الجهل والأمية والاستعباد على طول الوطن العربي وعرضه.

8-  التخلف في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عدا مجال الاستهلاك.

9-  اللهاث وراء كسب رضا الصهاينة والماسونيين.

لم تعقد الأنظمة العربية فيما بينها اتفاقيات تنظم التخلف والاستبداد والاستعباد ونهب أموال الشعوب والتآمر ضدها مع الأعداء. لا توجد مواثيق تلزم البلدان العربية باتباع أسس وأساليب ومبادئ التهاوي والسقوط، وربما يعود ذلك إلى أن كل نظام عربي يعرف طريقه جيدا تجاه التخلف والفساد، وليس بحاجة لجهود مشتركة من أجل تحديد أصول وأسس ومبادئ تخريب المجتمعات وتسخيرها للذل والهوان واستعباد الآخرين. وإذا كان لنا أن نتحدث عن نظام عربي فإننا لا نتحدث ضمن هذا الإطار القاتل للمواطن والمستهتر بالأوطان ومستقبلها. يجتمع العرب على سمات عديدة مصنفة ضمن سمات الرذيلة، وهو اجتماع ضمني غير معلن وغير متفق عليه وثائقيا، لكنه مقبول من قبل الجميع ومرض. للأسف يبدو أننا نجتمع بالسليقة على ما يؤذي الأمة، وتأبى الفضيلة أن تجمعنا.

منذ نعومة أظفارنا ونحن نرى الأنظمة العربية تتصارع دمويا فيما بينها، لكن العلاقات البينية تتحسن عندما يهدد المواطنون النظام القائم. وعليه يمكن صياغة تعريف واضح للنظام العربي وهو: ذلك النظام غير المنظم بصورة مقصودة وإنما بصورة تلقائية ناجمة عن سياسات شهوانية تتركز على إطالة أمد حكم النظام السائد والقائم لخدمة عصابات مجردة من القيم الإنسانية والوطنية والدينية وتعيث في أرض العرب الفساد.
0
التعليقات (0)