مقالات مختارة

القضم التدريجي لفلسطين

عبد الله السويجي
1300x600
1300x600
لم يتوقف الإعلام الفلسطيني بشكل خاص ولا العربي بشكل عام، عند خبر خطر جداً يستغل فيه «الإسرائيليون» الواقع المزري الذي تعيشه الأنظمة العربية، وخاصة دول المواجهة، كما يستغلون حالة الانقسام بين الفلسطينيين أنفسهم، وانشغال القيادة الفلسطينية بالمناصب والتجاذبات السياسية، ويعوّلون على حالة الرعب التي خلقتها «داعش» في المجتمعات العربية، ومنها المجتمع الفلسطيني، حتى أصبح لسان حال فئة من الناس يقول، نار «إسرائيل» ولا سكين «داعش». 

الخبر الذي بثته صحيفة «معاريف» في 23 إبريل الماضي، يتحدث عن استعدادات تجري في الكيان الصهيوني لضم الضفة الغربية في فلسطين ل«إسرائيل»، حيث كشف قائد المستوطنين في الضفة الغربية «شيلا إلدار» النقاب عن أن الكنيست سيمرر قريباً مشروع قرار لضم الضفة الغربية للكيان. و«إلدار» هذا ينتمي إلى حزب الليكود الحاكم، وحصل على تعهدات من وزراء ونواب الحزب، ومن حزب «البيت اليهودي»، ويتم التخطيط لضم المنطقة (ج) أولاً، وهي المنطقة التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية. ويكتسب الموضوع خطورته، كما يرى مسؤولون فلسطينيون من الجهة التي ستقدمه للكنيسيت، وهي وزيرة القضاء «أييلت شاكيد». 

ومن لا يعرف ماذا تعني المنطقة (ج) نورد هنا بعض المعلومات المستقاة من موقع القدس الإخباري التحليلي:

بعد اتفاقيات أوسلو، قُسمت الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاث مناطق، المنطقة (أ): وتشكل 3% من أراضي الضفة الغربية، وامتدت عام 1999 لتشكل 18% من الضفة. وتخضع أغلبية شؤون هذه المنطقة لسيطرة السلطة الفلسطينية. والمنطقة (ب): وتشكل 21% من أراضي الضفة الغربية، وتتحمل السلطة الفلسطينية مسؤولية قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد في هذه المنطقة، لكن السيطرة الكاملة على الأمن الخارجي للمنطقتين( أ) و (ب) تتبع ل«إسرائيل»، بمعنى أن لها الحق الكامل لدخول هاتين المنطقتين في أي وقت، بهدف اعتقال أو اغتيال أي مواطن فلسطيني. أما المنطقة (ج) فتشكل 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة. وبناءً على اتفاقيات أوسلو، يجب أن تتبع هذه المنطقة لسيطرة السلطة الفلسطينية، لكن على أرض الواقع، تسيطر «إسرائيل» على جميع جوانب الحياة فيها، بما في ذلك الأمن والتخطيط العمراني والبناء، علماً بأن المستوطنات «الإسرائيلية» ومناطق التدريب العسكرية تتركز في المنطقة (ج) بالضفة الغربية.

وبناء على الثقة التي أولاها الفلسطينيون لل«إسرائيليين» ورعاة اتفاقية أوسلو من الدول العظمى، كان من المفترض أن يتم انتقال سيطرة الفلسطينيين على المنطقة (ج) تدريجياً، لكن «إسرائيل»، قامت على مدى أكثر من 23 عاماً، بتكريس سلطتها وملأتها بالمستوطنات حيث يعيش حالياً قرابة 300 ألف مستوطن في هذه المنطقة، في مقابل 150 ألف فلسطيني في المنطقة ذاتها وتضع أمامهم العراقيل وتمنعهم من الوصول إلى أراضيهم التي قطعتها المستوطنات.

هذه المحاولة لضم الضفة الغربية ل«إسرائيل» ليست المحاولة الأولى، فقد سبقتها محاولات فاشلة، ما يعني أن الموضوع ضمن خطط الكيان الصهيوني. 

إن الحديث عن عدم تعهدات «إسرائيل» بالاتفاقيات الدولية، وضربها بعرض الحائط لحل الدولتين هو حديث لا طائل من وراءه، وهو حديث الضعفاء، فعلى مدى 23عاماً، منذ توقيع اتفاقية أوسلو، والسلطة الفلسطينية لا تفعل شيئاً حيال هذا الأمر، وإنما غرقت في الخلافات الداخلية والانقسامات، وانشغلت بالاصطفافات الإقليمية، الأمر الذي يسهل على «الإسرائيليين» اتخاذ هذه الخطوة وتمريرها بسهولة، ولاسيما في ظل الانقسامات العربية الحالية، وتراجع قضية فلسطين على سلم أولوياتها، فالحرب الآن حرب ضد (الإرهاب)، وتروج «إسرائيل» نفسها على أنها حليف قوي ضد الإرهاب، وتحاول مد جسور مع الدول العربية التي تعاني الأمرين من لعنة الإرهاب، وقد تلقى تجاوباً. 

سياسة القضم التدريجي التي يمارسها «الإسرائيليون» لفلسطين ليست وليدة اليوم، وإنما هي سياسة متبعة واستراتيجية قديمة أثبتت التجارب نجاحها، والاتفاقيات التي وقعوها في أوسلو وغيرها كانت تخفي نوايا (يهودية) بامتياز، لعلم «الإسرائيليين» أن العرب لا يتعلمون من أخطائهم، أو أنهم لا يريدون أن يتعلموا، أو أنهم لم يعرفوا أخطاءهم بعد. وأقرب دليل على ذلك ضم هضبة الجولان السورية من دون أن يتحرك أحد لإثارتها، فالمنطقة تغلي بالحروب والمعارك، وربما يعتقد البعض أن تكون الهضبة في هذه المرحلة العصيبة مع «إسرائيل» أفضل من أن تكون تحت سيطرة «داعش» حتى لا تتمدد إلى دول قريبة، وفي المقابل أيضاً، قد يفضل البعض أن تكون الضفة الغربية تحت سيطرة «إسرائيل» أفضل من أن تكون تحت سيطرة «داعش»، لأن التجارب أثبتت، حسب رأي البعض، أن أي تحرك شعبي للتغيير سيتحول إلى تحرك عسكري تمتطيه المجموعات الإسلامية المتطرفة، وهو منطق خطر جداً دب الرعب في أعصاب أي مجموعة أو جهة تفكر بالتغيير. لكن هذا لا يعني أن الضفة الغربية لن تشهد ظهور مجموعات متطرفة، وليس بالضرورة أن تكون إسلامية، أو أن قطاع غزة سيبقى يعيش في ظل الفقر والمعاناة ولن يتمرد، فالضغط سيولد الانفجار، ومآل الواقع الحالي في الضفة الغربية وقطاع غزة يتجه نحو الانفجار. 

إن كل ما يجري هو نتيجة التراخي والتهاون في التعامل مع «الإسرائيليين»، والسكون على الممارسات الهمجية للمستوطنين، وكذلك نتيجة الضعف في إدارة المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية، والتي تشجع الجيش «الإسرائيلي» على اقتحام أي منطقة وقتما يريد بناء على (التنسيق الأمني). 

لعنة «اتفاقية أوسلو» التي وقعها الفلسطينيون و«الإسرائيليون» لإحلال السلام في فلسطين ووضع حد للصراع بين الفلسطينيين والعرب من جهة وبين الكيان الصهيوني من جهة ثانية، تلك اللعنة ستظل تطارد الفلسطينيين حتى قيام الساعة، لأنها فرطت بحقوق الفلسطينيين التاريخية، ولم تحافظ على مقدساتهم.

(عن صحيفة الخليج الإماراتية)
0
التعليقات (0)