قضايا وآراء

قبل سقوط البراميل على الحراك الثوري المصري

حاتم أبو زيد
1300x600
1300x600
الحراك خرج مفاجئا في منتصف نيسان/ إبريل ثم تصاعد يوم الاثنين، الخامس والعشرين، وخبت في الجمعة التالية له، ويكاد يكون اختفى في احتفالية العمال في الأول من أيار/ مايو بدلا من أن يشتعل، ولولا أحداث اقتحام نقابة الصحفيين لمر الأمر. ما يعني أن التصعيد جاء من طرف السلطة المنقلبة.

الحراك اختفى لأن قيادات التيار الإسلامي كانت تنتظر من الآخرين الإعلان عن النزول والتصعيد لتدعو جمهورها الكثيف للنزول في قلب القاهرة، إذ حينها ستغل يد الداخلية عن استخدام الرصاص الحي، وستكتفي ببعض الغاز وبعض الاعتقالات. فالتظاهرات التي لا يتصدرها الإسلاميون سيتابعها الرئيس الأمريكي، وربما يبدي بان كي مون قلقه، وستصدر تحذيرات دولية بعدم ارتكاب مجازر دموية تجاهها. وبالتالي سيضمن المتظاهرون قدرا من الأمن النسبي.

باختصار لم تجد قيادات التيار الإسلامي من تختبئ خلفه، فمن أجل ذلك تراجعت خطوة للوراء، واكتفت بالحراك النمطي بعيدا عن العاصمة.

التيارات الأخرى المسماة بالمدنية تأخرت أيضا خطوتين للوراء، ولم تصعد؛ إذ لا رموز لديها، فرموزها حرقت جميعها، وآخرها كان المرشح السابق للرئاسة الذي حصل على بضعة آلاف صوت، والذي صرف الحراك المفاجئ بدلا من أن يستغله، واختفى في يوم الحراك الثاني. ومن ثم تلفتت يمنة ويسرى فلم تجد لها قيادة تلمعها لتعلو فوق أكتاف الجماهير وتضحياتها. فالإعلان عن النزول للتظاهر والتصعيد سيلقي بالثورة في حال نجاحها في حجر الإسلاميين.

وتحت هذا النمط الفكري تظل الثورة تراوح مكانها، تعلو مرة ترتفع فيها الآمال، لتهبط بعدها مرة أخرى ولا تقترب من طريق الحسم، وأي تغيير سيكون بيد الأطراف والقوى الدولية والإقليمية لأغراضها وأهدافها، والحراك والجماهير وقود لا أكثر.

فهناك اعتراف ضمني من الطرفين بالوصاية الخارجية، وعدم القدرة على الحسم وتغيير الصورة منفردا، التيار المسمى بالمدني لا إشكال لديه.

وأما التيار الإسلامي، فعلى الرغم من قوته الجماهيرية واستعدادها للتضحية، يعلم أنه غير مقبول دوليا أو إقليميا، ولذا قيادته تخشى الحسم بعيدا عن الرغبة الدولية والإقليمية حتى لا تأتيها الإجابة: حلب، وأخواتها السابقة أو اللاحقة.

تلك هي الحقيقية التي ربما لن تصرح بها الأطراف، وتقدم بدلا منها حديثا عن انتهاء حالة الاستقطاب، وعودة روح يناير، والتقدم الثوري وأن الصراع يحسم بالنقاط، ووعي الشباب وضرورة قيادته للحراك، وغير ذلك.

وخير من هذا حديث المصارحة؛ كما فعل أسعد بن زرارة رضي الله عنه يوم العقبة، حين أراد الأنصار مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوته للهجرة للمدينة، وإقامة الدولة. فقال: رويدا أهل يثرب، إن إخراجه اليوم (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) مفارقة للعرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم، وقتل خياركم، فخذوه وأجركم على الله، وإما تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه هو أعذر لكم عند الله.

فالحل السياسي كان ضروريا، وقد أدى دوره واستنفذ أغراضه ووصل لهدفه. فقد أعلن الحل السياسي عن فقد الأنظمة القائمة لأي مشروعية، من رضا جماهيري، أو انتماء وطني، أو مواجهة لأعداء الأمة، أو حفظ للأرض أو الثروات، أو إنجاز لمشروع حضاري، ومن ثم فقدت هذه الأنظمة أي مبرر أخلاقي لبقائها، وباتت تخير الشعوب بين العبودية والقتل.

فالاستمرار في الحل السياسي إن لم يكن عودة للوراء، فهو جري في المكان في أفضل الأحوال، ومنح مشروعية مجانية لأنظمة لا أخلاقية. وأمام إصرار الأنظمة على البقاء واستمرار دعم المنظومة الدولية لها، لم يبق إلا الحل الثوري.

فإن كانت القيادة تخشى على الجماهير من مصير حلب أو الرقة، وهذا ليس عيبا، فلتخبر الجماهير بالحقيقة لتختار طريقها. فإن كانت الأنظمة اللا أخلاقية تخيرهم بين أن تحكمهم أو تقتلهم، فقد تختار الجماهير أن تحيا في ديارها كريمة، أو تحيا عند ربها كريمة. وعلى أي حال كان الأمر سيكون هو خيارها عن بصيرة.

وليس المراد بالحل الثوري تكرار التجارب الفاشلة التي مرت بها تلك الحلول، فقد انتهت تجربة طالبان تحت القصف الجوي، ويتم اليوم إجهاض التجربة السورية تحت القصف الجوى أيضا، وتنظيم الدولة ليس بأحسن حالا منهما، فقد تم طرده من عين العرب (كوباني) تحت وقع أكثر من 15 ألف طلعة جوية لم تبق بها حجرا على حجرا. وهكذا، إذا توقف القصف الجوي تمدد، وإذا نشط انكمش. وما يسيطر عليه من أرض ليس ذا قيمة استراتيجية، بل هو محصور فيما يشبه معسكر الاعتقال.

وحتى خارج هذه التجارب، فقد اختفى الجيش العراقي النظامي بدباباته وصورايخه وآلياته في أقل من شهر تحت القصف الجوي والصاروخي.

ولا تنتظر من أحد أن يمدك بمضادات للدروع أو الطائرات، فقد أخبركم أسعد بن زرارة أن هذا فيه: مفارقة للعرب كافة. فاعتبر بمن سبقك، حتى لا تكون عبرة لغيرك، وانزع شوكك بيدك.

التجارب الناجحة جاءت في حركة جماهير واعية شكلت حاضنة شعبية، لم تترك نهبا للبطش يعصف بها كيف شاء، ولم تترك السماء حكرا على الخصوم، وإنما شاركتهم، فحققت قدرا من التوازن أبقاها حتى الآن.
التعليقات (0)