ملفات وتقارير

العسكريون السوريون المنشقون وعائلاتهم يواجهون الإهمال

تعرض الضباط المنشقون لخطر الاغتيالات والتصفية قبل أن يواجهوا التهميش (المقدم حسين هرموش لحظة انشقاقه)
تعرض الضباط المنشقون لخطر الاغتيالات والتصفية قبل أن يواجهوا التهميش (المقدم حسين هرموش لحظة انشقاقه)
عند انطلاقة الثورة السورية قبل خمسة أعوام، كان المتظاهرون السلميون يدعون الضباط والعسكريين في مناطقهم للانشقاق عن الجيش بعد نزوله للشارع وتحويل السلاح من الجبهات إلى صدور المتظاهرين. ولم تمض أسابيع قليلة حتى بدأت ظاهرة الإعلان الانشقاق عن جيش النظام وقواته الأمنية تملأ مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، الأمر الذي دفع المتظاهرين للبدء بتخصيص أماكن مؤقتة لاستقبال المنشقين والتنسيق مع دول مجاورة لإنشاء معسكرات خاصة لإقامتهم بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية، خوفا من اعتقالهم أو اغتيالهم.

ومع استمرار ظاهر الانشقاق وتوسعها خلال سنين الثورة، أخذت الحياة الاجتماعية لعائلات المنشقين تنقلب رأسا على عقب، فأصبحت تلك الأسر مهددة بالتصفية والاعتقال في مناطق النظام، أو الاغتيال في المناطق المحررة، فيما اضطر العديد منها للعيش في مخيمات اللجوء بعد رفض معظم السفارات الأوروبية ملفات اللجوء الخاصة بالمنشقين وعائلاتهم، و قلة المساعدات المالية المقدمة لهم.

اعتقالات واغتيالات

تعددت حالات الاعتقال لذوي وأقارب المنشقين في مناطق سيطرة النظام من قبل الفروع الأمنية ومليشيات الدفاع الوطني، ولم تقتصر تلك الاعتقالات على أقارب الدرجة الأولى، بل شملت الأخوة والآباء والأمهات وأولاد العمومة، حيث لقي العديد منهم مصرعهم داخل المعتقلات، وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

ويقول العقيد المنشق ياسر سلامات، لـ"عربي21"، إن النظام سعى منذ بداية الثورة إلى نشر الرعب بين الناس عن طريق أخذ أقارب المنشقين ليخيف الذين لم ينشقوا بعد، حيث كان السجانون يذيقونهم أشد العذاب من شبح وصعق بالكهرباء وحرق بالماء الساخن وأعقاب السجائر، ناهيك عن الابتزاز المادي ‏لمحاولة إعادتهم إلى جيش النظام.

ويضيف السلامات: "في المناطق المحررة هناك خوف دائما على المنشقين الذين يعملون ضمن الجيش الحر، من عمليات الاغتيال لهم ولعائلاتهم، عن طريق بعض الجواسيس الذين يزرعهم النظام مقابل المال، وهو ما اضطرني لتهريب عائلتي إلى المملكة الأردنية منذ بدايات انشقاقي نهايات عام 2011م ضمن ظروف خطيرة جدا"، كما يقول.

وفي السياق ذاته، تروي الشابة "ايناس.س"، وهي ابنة عقيد منشق، تفاصيل خروجها مع عائلتها من سوريا، بالقول: "كان والدي ضابط برتبة عقيد طيار، وكان يعمل على مساعدة أهالي الغوطة منذ بدأ المظاهرات السلمية. وعندما طلب النظام من الطيارين قصف المدنيين، بدأ والدي يشعر بالخطر علينا، لذا قرر فورا الانشقاق، وإخراجنا جميعا من الغوطة إلى المملكة الأردنية".

وتتابع إيناس حديثها لـ"عربي21"، حول مراحل الهروب من سوريا، فتقول: "اضطر والدي إلى تصوير فيديو الانشقاق ونحن لا نزال داخل الغوطة، وبعدها قام الثوار، بالتنسيق مع شبان الجيش الحر في حوران، إلا اننا اضطررنا للمرور من حواجز النظام، حيث حمل والدي هوية مزورة تحمل اسم شخص آخر".

وأضافت: "استقبلنا الجيش الحر على مدخل درعا، وقام بنقلنا إلى قرية تل شهاب تحت وابل من الرصاص والقصف العنيف، لنصل بشق الأنفس إلى الشيك الأردني بعد المشي بين الأراضي والوديان لساعات طويلة، وهنا تم فصلنا عن والدي الذي ذهب لمعسكر الضباط المنشقين ونحن تم نقلنا لمخيم الزعتري"، وفق قولها.

الحرمان من العمل أو اللجوء لأوروبا

وتوضح ايناس أنه بعد فقدان والدها المنشق الأمل في العمل داخل الأردن، نظرا لوجود قوانين تمنع السوريين من العمل، توجه للسفارات الأوروبية لتقديم طلب اللجوء السياسي للعائلة، وبقي أكثر من سنة يراجع السفارات، وخاصة الفرنسية، لإجراء المقابلات، حتى وصول القرار بالرفض، تخوفا من ارتكابه جرائم حرب، بحسب وصفها، الشيء الذي اضطره للسفر إلى تركيا وركوب البحر كغيره من السوريين في رحلات الموت، وصولا لألمانيا. وأضافت: "نحن إلى الآن ننتظر أن يتم قبولنا بلم الشمل دون جدوى".

إلى ذلك، يلفت الملازم أول المنشق، حمزة السيد، في حديث مع "عربي21"، إلى عدم اعتراف المفوضية السامية للاجئين بالمنشقين.

ويضيف: "على الرغم من قبول عائلتي في ملفات إعادة التوطين، إلا أنه وبعد المقابلة معنا ومعرفتهم أنني ضابط منشق رفضت قتل أبناء بلدي تم إلغاء ملفنا، الأمر الذي دفعني للسفر إلى أوروبا بحرا وترك عائلتي وأطفالي وحدهم، بحثا عن حياة تشبه البشر"، بحسب قوله.

ويلفت الرقيب المنشق، فادي المحاميد، إلى أن الضابط أو العسكري بعد اللجوء إلى دول الجوار؛ كان يتم الاحتفاظ به بعيدا عن أسرته، في مخيمات مشددة الحراسة، "ضمن ظروف معيشية يصعب على الإنسان تحملها من الإذلال والانتقاص من الكرامة والاستغلال المادي، فضلا عن توافد كل المخابرات العالمية إلى المنشقين لسحب المعلومات منهم تحت وعود كاذبة لحل قضيتهم"، كما يقول لـ"عربي21".

ضمن تلك الظروف حاول العديد من المنشقين العودة من تركيا والأردن إلى الداخل السوري، لكنهم جوبهوا بالرفض والمنع بحجة وجود ترتيبات كبيرة تخص العسكريين من أجل البدء بعمل عسكري منظم داخل الأراضي السورية لإسقاط النظام تحت قيادة الضباط أصحاب الكفاءة والخبرة، "وإلى الآن لم ينته التخطيط بعد أكثر من خمس سنوات، بحسب ما قاله المحاميد.

أرامل المنشقين بلا مال

وتؤكد خولة السرميني، وهي زوجة أحد الضباط المنشقين الذين لقوا مصرعهم في المعارك ضد قوات النظام وميليشاته، عدم الحصول على مصروف لها ولأولادها بعد مقتل زوجها، موضحة أنه لولا تدخل "بعض فاعلي الخير" ونقلها لسكن مشترك مع عائلات القتلى لكانوا قد أصبحوا بالطرقات، بحسب قولها.

وتتابع السرميني المقيمة في الأردن، لـ"عربي21": "لم ينظر لحالنا كزوجات شهداء منشقين، لا معارضة ولا غيرها، ولم يتم دعمنا بأي مصروف شهري، وهذا الشيء اضطرني للعمل كخادمة في البيوت لأكمل مصروف البيت، قبل نقلي للسكن المشترك والذي تقدمه بعض المؤسسات الإسلامية في المملكة الأردنية".

يذكر أن المنشقين عن النظام تجاوز عددهم في نهاية عام 2015 الـ100 ألف منشق، من جنود وصف ضباط وضباط برتب مختلفة، وفقا لإحصائيات غير رسمية. ومعظمهم يقيمون مع عائلاتهم في دول الجوار السوري، فيما لا يزال البعض يعيش مع أفراد أسرته ضمن المناطق المحررة في المحافظات السورية.
التعليقات (0)