اقتصاد عربي

مقاطعة متبادلة بين الفلسطينيين وإسرائيل: المكاسب والخسائر

يستورد الفلسطينيون غالبية احتياجاتهم من إسرائيل- أرشيفية
يستورد الفلسطينيون غالبية احتياجاتهم من إسرائيل- أرشيفية
يخوض الفلسطينيون صراعا على كافة الأصعدة مع الاحتلال الإسرائيلي، تمثل هذه المرة بحظر إسرائيل، في 9 آذار/ مارس الماضي، منتجات خمس شركات غذائية فلسطينية من دخول أسواق القدس المحتلة، بحجة عدم مطابقتها للمواصفات والمعايير الإسرائيلية. لم ينتظر الفلسطينيون كثيرا للرد على القرار الإسرائيلي، فسارعوا في 22 من الشهر ذاته؛ لإصدار قرار مماثل ينص على منع منتجات خمس شركات إسرائيلية.

ويبدو أن القرار الإسرائيلي جاء عقب قيام الفلسطينيين بتنظيم حملات مقاطعة للمنتجات الإسرائيلية في الأسواق الأوروبية، خاصة التي يتم تصنيعها في المستوطنات. وقد لاقت تلك الحملات تأييدا وتعاطفا شعبيا في الدول الأوروبية، وأثّر بشكل واضح على صورة إسرائيل في المجتمع الدولي.

ويأتي القرار الإسرائيلي بحق الشركات الفلسطينية عقب فقدان الشركات الإسرائيلية حصة كبيرة من مبيعاتها في الضفة الغربية، على أثر اندلاع انتفاضة القدس مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث تشير التقديرات إلى أن خسائر الشركات الإسرائيلية وصلت إلى 1.8 مليار دولار.

وشمل قرار الحظر الإسرائيلي كلا من شركات "حمودة، وجنيدي للألبان والمنتجات الغذائية، والريان للألبان، وسلوى للمنتجات الغذائية، والسنيورة للصناعات الغذائية".

ورد الفلسطينيون بحظر منتجات الشركات الإسرائيلية: تنوفا، وتارة للألبان، وشتراوس للمثلجات، وتبوزينا للعصائر، وزوغلوبك للحوم.

متابعة الأسواق

من جهته، قال عزمي عبد الرحمن، المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الوطني ومدير السياسات الاقتصادية في الوزارة، إنه "فور صدور القرار الفلسطيني، فقد تم تشكيل لجنة من ممثلين عن وزارات: الاقتصاد الوطني والزراعة والصحة والضابطة الجمركية ودائرة حماية المستهلك المحلي، لمتابعة تنفيذه".

وأوضح لـ"عربي21"، أن "طواقم حماية المستهلك تتابع بشكل يومي أحوال السوق، ومدى استجابة التجار للقرار، وتم إمهال الموردين عشرة أيام لتفريغ مستودعاتهم من المنتجات الإسرائيلية".

وذكر عبد الرحمن أن "الوزارة تعمل جاهدة على إيجاد موردين بدلاء عن الإسرائيليين، وهناك اتصالات حثيثة مع الأردن وتركيا والإمارات العربية المتحدة، لبدء علاقات تجارية تعزز من صمود التاجر الفلسطيني في ظل المضايقات الإسرائيلية".

وذكرت مصادر في الضفة الغربية لـ"عربي21"؛ أن السلطة الفلسطينية أوقفت دخول ثماني شاحنات تابعة لشركة "تنوفا" الإسرائيلية على بوابة معبر بيتونيا التجاري، الفاصل بين مدينتي رام الله والقدس في اليوم التالي لصدور القرار، كما أنه تم إتلاف 57 طنا من السلع الاستهلاكية الإسرائيلية الممنوعة من دخول أسواق الضفة بعد انقضاء المهلة التي حددتها الوزارة للموردين.

ولاقى قرار المقاطعة صدى واسعا في الشارع الفلسطيني. وفي هذا السياق أشار، المتحدث باسم جمعية حماية المستهلك، إياد عنبتاوي، لـ"عربي21" إلى أن "حصة الشركات الفلسطينية الخمس داخل الأسواق الإسرائيلية التي شملها المنع بلغت 34 في المئة من مبيعاتها الإجمالية، بينما بلغت حصة الشركات الإسرائيلية الممنوعة من دخول الضفة الغربية 50 في المئة من إجمالي مبيعاتها"، وفق قوله.

وتحدث عنبتاوي عن "الاستجابة الشعبية الواضحة من قبل المواطنين لقرار المقاطعة، كونه ينبع من قرار وطني يخدم القضية الفلسطينية العادلة".

شريك تجاري

ولا تتوفر إحصائيات دقيقة تُجمل خسائر الشركات الإسرائيلية نتيجة حرمانها من دخول أسواق الضفة الغربية، لكن المعطيات تشير إلى أن حجم الاستهلاك الفلسطيني السنوي من الصادرات الإسرائيلية يبلغ 3.5 مليار دولار، بينما تبلغ الصادرات الفلسطينية إلى السوق الإسرائيلي 600 مليون، دولار حسب الجهاز المركزي الإسرائيلي للإحصاء.

وتشكل الواردات الفلسطينية من المشتقات النفطية الإسرائيلية نحو 45 في المئة من مجمل الوارادات من إسرائيل، ثم يأتي الإسمنت في المرتبة الثانية.

أما الصادرات الفلسطينية إلى الأسواق الإسرائيلية فتتمثل في غالبيتها بالأحذية والمنسوجات والخضار، وفي حال تم تطبيق قرار المقاطعة الفلسطينية تجاه المنتجات الإسرائيلية فإنه، بحسب التقديرات، سيوفر ما بين 70 و100 ألف فرصة عمل في الأراضي الفلسطينية، أي نحو ثلث معدل البطالة في الضفة، وبعائد مالي يصل إلى مليار دولار سنويا.

أما عودة موسى، مدير الإنتاج والتسويق في شركة السلوى، المشمولة بقرار الحظر الإسرائيلي، فقد قال لـ"عربي21": "القرار الإسرائيلي بحق المنتجات الفلسطينية سياسي بامتياز، وليس لأن معاييرها ومواصفاتها لا تطابق الجودة الإسرائيلية؛ لأن منتجاتنا وصلت أسواقا خارجية كالأردن والإمارات العربية".

وذكر المدير المالي في الشركة، ماهر حمايل، لـ"عربي21"، أن "حصة الشركة داخل السوق الإسرائيلي بلغت 22 في المئة من المبيعات الإجمالية للشركة".

وبلغة الأرقام، يعتمد الفلسطينيون على الاستيراد من الخارج لسد احتياجاتهم من السلع والخدمات، حيث تصل مجمل الواردات الفلسطينية سنويا إلى 5.2 مليار دولار. ويُعتبر الاحتلال الإسرائيلي الشريك التجاري الأول للفلسطينيين، بمعدل تبادل تجاري يصل إلى 4.5 مليار دولار، فيما بلغت حصة الشركات الإسرائيلية الممنوعة من دخول الضفة الغربية نحو 240 مليون دولار سنويا.

وبرزت مطالبات فلسطينية بدراسة إلغاء التعامل بعملة الشيكل الإسرائيلي في الأسواق الفلسطينية، للضغط على الجانب الإسرائيلي، فيما أخطرت الشركة الإسرائيلية للكهرباء قبل أيام مدن الخليل ورام الله ونابلس وأريحا بتقليص ساعات فصل الكهرباء لثماني ساعات يوميا، بحجة تراكم الديون المستحقة لهذه الشركة على المواطنين.

ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر في غزة، معين رجب، أن "قرار المقاطعة للبضائع الإسرائيلية يتطلب متابعة الجهات المختصة من وزارة الاقتصاد واتحاد الصناعات الفلسطينية للوقوف على أبعاده، وإيجاد بدائله المناسبة؛ لأن قدرة الشركات الفلسطينية على الإحلال بدلا من المنتجات الإسرائيلية في الأسواق المحلية متباينة بين شركة وأخرى، وربما أن شركات الألبان المحلية تعتبر خيارا ناجحا لمواجهة الشركات الإسرائيلية"، وفق قوله لـ"عربي21".
التعليقات (0)