مدونات

الساسة الليبيون.. بين التيه والمراهقة

كندي
كندي
مرت الحياة السياسية في ليبيا بُعيد اندلاع الحرب العامية الثانية في 1939 بحالة بروز ملامحها الأولى على المستوى الدولي بعد أن كانت هذه الملامح تأخذ الطابع المحلي الداخلي، خاصة مع بداية الاستعمار الإيطالي مع وجود صوت سياسي ليبي في الخارج يتكلم باسم المسألة الليبية، سواء في بعض الدول العربية والإسلامية أو في الدول الأوربية، من خلال الدولة العثمانية صاحبة السيادة على ليبيا ذلك الوقت. 

استمر الصوت السياسي الليبي الذي كان جل اهتمامه مقاومة الاحتلال الايطالي وطرح المسألة الليبية علي أنها قضية ارض إسلامية تتعرض للغزو والاحتلال من عدو أجنبي كافر علت الأصوات من الداخل والخارج لتحريره وإخراج العدو المغتصب المستعمر من ارض المسلمين. 

وتطور الخطاب السياسي الليبي إبان الحرب العالمية الثانية إلى المطالبة بأجلاء الطليان عن كافة التراب الليبي ووحدة أقاليمه الثلاثة و بالأمارة السنوسية، كان هذا هو الخطاب السائد والأكثر صوتاً وقبولاً في معظم إرجاء ليبيا مع وجود بعض الأصوات التي لها آراء قد تبتعد قليلا وكثيرا من هذه الأصول الثلاثة ولكن تعتبر ضعيفة وغير مؤثرة مقارنة بالأصول الرئيسة الثلاثة - الاستقلال، الوحدة، الإمارة السنوسية. وهذا ما تحقق في عام 1951 م بإعلان استقلال المملكة الليبية المتحدة وبأعلام الأمير محمد إدريس السنوسي ملكاً عليها. 

تحقق في العهد الملكي الذي امتد من ديسمبر 1951م إلى سبتمبر 1969 نوع من الحرية التي يمكن وصفها بالواسعة مقارنة بالأنظمة الحاكمة المجاورة في تلك الفترة، الآن هذه القترة القصيرة التي لم تبلغ العقدين من العمر كانت تفتقر إلي وجود المؤسسات السياسية الفعلية التي تمارس السياسة وتمتهنها كعمل سياسي فعلي لان نظام الحكم لم يسمح للمؤسسات التي تمارس العمل السياسي بالعمل المؤسسي مثل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والهيئات والمنظمات الطلابية أو المهنية.

بل اعتمد على الشخصيات البارزة ذات الأصول الأسرية العريقة أو الشخصيات القبيلة والزعامات المحلية والجهوية في إدارة الدولة وقيادة المؤسسات التابعة للدولة التي تتمتع بشيء من التعليم أو الخبرة الإدارية وهذا ما نشاهده في كيفية ونوعية رؤساء الحكومات المتعاقبة حيث يتم تكليف رئيس الحكومة بتكليف مباشر من الملك ولا يتم انتخابه مباشرة من الشعب واو عن طريق انتخابات برلمانية تفرز رئيس حكومة من البرلمان. 

هذا المنهج ساهم في تقليل فرص ظهور طبقة سياسية متمرسة في العمل السياسي إلا أنه لم لمنع من ظهور شخصيات سياسية متمرسة كان لها دور بارز في تحقيق نوع من النجاحات التي لا يمكن إنكارها ابتداء من أهم انجاز وهو تحقيق الاستقلال بالإضافة إلى الشخصيات الأخرى وعلي رأسها بعض من تولوا رئاسة الوزارة ودورهم في تحقيق الكثير من الانجازات السياسية رغم قصر الفترة التي قضاها معظم رؤساء الوزارات في فترة الحكم الملكي ولكن تشهد علي انجازاتهم السياسية تلك المفاوضات المضنية مع الدول الكبرى - بريطانيا وفرنسا وأمريكا - التي كانت تحتل كل منها أجزاء من ليبيا فيما عرف باتفاقيات القواعد العسكرية ثم بأفقيات إجلاء هذه القواعد من التراب الليبي. 

تعرضت الحياة السياسية في ليبيا إلى تغيير كٌلي وانقلاب شامل مع ظهور حركة سبتمبر العسكرية في عام 1969 م إلى أطاحت بنظام الحكم الملكي وأعلنت النظام الجمهوري ثم أعلنت النظام الجماهيري وهذه الحركة أخذت عدة أساليب وصور في نظام حكمها طيلة فترة امتدادها التي استمرت أكثر من أربعة عقود ونيف والثابت الوحيد الذي استمر طيلة هذه الفترة هو شخص قائد هذه الحركة – معمر القذافي - ومنذ وصوله إلي سدة الحكم عمل هذا الرجل على تجفيف المنابع والقضاء على جميع الأصوات وسحق كل الاتجاهات والتصورات والأفكار التي تختلف مع توجهاته أو تتعارض مع طموحاته أو تهدد بقائه واستمراره في السلطة. 

عمد نظام سبتمبر على القضاء على كل من كان يحمل توجه سياسي أو فكر يختلف مع نظامه فقام بتجريم جرم الحياة الحزبية ومنع العمل المؤسسي وسيطر على النقابات والروابط الطلابية واختزل الشأن السياسي في شخصه فقط فطارد كل صاحب رأي وحامل فكر وأصبح كل من له علاقة بالشأن السياسي إما في غيابات السجون أو مطاردا خارج حدود الوطن أو مُعلقأ علي أعواد المشانق في المدرجات الجامعية أو الساحات الرياضية، وبهذا أصبحت الحالة السياسية في ليبيا تمر بالة جفاف و بتصحر رهيب ولم تعيش ليبيا حالة سياسية مستقرة طيلة الأربعة عقود من حكم القذافي بل لا يوجد ساسة في البلاد بل تشلك معارضون سياسيون في خارج البلاد وهم يمكن أن يطلق عليهم معارضون للنظام ولم يكونوا ساسة لأنهم لم يمارسوا سياسة بقدر ممارستهم للمعارضة. 

تولد عن هذه الحالة الاستثنائية التي تجلت فيها أبشع صور العمل السياسي هم موظفي النظام الذين يعملون في مؤسسات الدولة هم لا يمارسون سياسة بل هم موظفون يعملون وفق تعليمات لا يحدون عنها ولا يملكون الحيدة عنها قيد أنملة وإلا تعرضوا للتوبيخ والطرد من الوظيفة لخروجهم عن التعليمات، ولعل ما أبدعه من نظام المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية في اختيار أعضاء اللجان الشعبية الذي يعتمد على الولاء أولا ثم يقوم على العامل القبلي والجهوى يقدم الولاء مبداء الكفاءة الأمر الذي افرز شخصيات تابعة تنفذ ما يملي عليها دون أن يكون للمهنية والخبرة والكفاءة أي دور مما افرز نخبة تابعة متسلقة متملقة تتنافس على الغنيمة أكثر من كونها نخب وطنية تتمتع بقدر من المسئولية - وهذا لا يمنع من وجود بعض العناصر التي لها كفاءة أو خبرة ولكنها قليلة ولا تستطيع أن تغير شيء ولكنها تضل حالات فردية واستثنائية والغالب المسيطر هم الأكثرية المتزلفة أكثر من كونها نخبة. 

هذا التيه أو التصحر النخبوي الذي عمد النظام إلي صناعته وتغذيته وتجذيره في مفاصل الدولة، و جعل منه إفراز مجتمعي كان له اثر بارز في ظهور الطبقة السياسية بعد اندلاع ثورة 17 فبراير والتي تمثلت في أول ظهورها في المجلس الانتقالي الذي ساد على تشكيلته التوازن الجغرافي والبعد الجهوى والقبلي ثم دخله البعد الأيديولوجي والفكري وبعد عن المهنية والخبرة السياسية وافتقاره إلي الكوادر التي تعي خطورة المرحلة. 

عقب المجلس الانتقالي جاءت مرحلة المؤتمر الوطني وهي أول مرحلة انتخابات حرة تمر بها ليبيا منذ قرابة نصف قرن وكان الناخب لا يعي أهمية وخطورة هذه الانتخابات المصيرية لغياب الثقافة الانتخابية وكان معظم الناخبين ينتخب لأول مرة في حياته فجأت الانتخابات عاطفية كان للمعارضين في الخارج والذين شاركوا بقوة في الخطاب الثوري من خلال القنوات الفضائية نصيب الأسد ثم المعتقلين السابقين و أصحاب الإيديولوجيات الإسلامية والليبرالية وكان للقبيلة دور أيضا وإن لم يكن بارز في هذه الانتخابات. 

لتأتي الانتخابات البرلمانية ويفوز البعد الجهوى والقبلي المناطقى وتعود المحاصصة القبلية كرد فعل على الفشل الذي مني به الساسة في المرحلتين السابقتين الذين لم يقدموا أشياء ملموسة تقنع الناخب الليبي بجديتهم ومهنيتهم ومقدرتهم علي سياسة الدولة وحل مشاكلها، وما يدلل علي تنفيذ وعودهم الانتخابية التي وعدوا بها الناخب الذي علي أساسه انتخبهم وحملهم مسئولية السير بالبلاد إلي بر الأمان الذي لم تصل إليه البلاد إلي الآن ولا تزال ليبيا تفتقر إلي ساسة مهنيين قادرون علي الخروج بها بعد مرحلة التيه من مرحلة المراهقة إلي مرحلة النضج السياسي.
2
التعليقات (2)
فوزي الزهاوي
الثلاثاء، 26-04-2016 01:16 م
للاسف سلسلة الاحداث ماضية نحو تحقيق عبارة - ماتعمر لعند تخرب- الله يلطف بنا
على خيرى
الإثنين، 25-04-2016 12:34 م
مقال رائع